لقد أمرنا ديننا الإسلامي الحنيف بالاجتهاد والجد والمثابرة، والسعي على الرزق مهما كانت الظروف، ولا بد للمسلم أن يكون طموحاً للأفضل ومتفوقاً في حياته، كما أن الاعتماد على الكسب الحلال كما سنَّ الله عز وجل مجلبة للرزق، وسبباً في وجود البركة، ولا مجال في ديننا الإسلامي الحنيف لأي كسول أو متواكل أو مهمل، فعلى المسلم أن يكون طموحاً مثابراً معتمداً على نفسه في كسب قوته من عمل يده، فالحياة لا تكون أبداً لكسول، ولا يرتفع شأن إلا كل صاحب همة ونشاط وتميز.
وقد كان التاجر والنوخذة عبدالعزيز بن عثمان رحمه الله مثالاً ونموذجاً يحتذى به في الطموح والكفاح من أجل النجاح وبناء الذات، وقد أصر منذ بداية حياته العملية على أن يكون بحاراً، فبالرغم من حداثة سنه، وعدم توافر خبرات سابقة لديه، فإنه تعلم فنون الملاحة البحرية وأبدع فيها خلال وقت قصير.
وبعد مضي عدة سنوات قضاها الشاب عبدالعزيز بن عثمان ملاحاً على بعض السفن الشراعية مع النوخذة محمد المسجري، ثم مع النوخذة عبدالرحمن العبدالجادر، استطاع أن يأخذ الخبرة الكافية، وبفضل طموحه وتطلعه لمستقبل أفضل وعصاميته في بناء ذاته، استطاع أيضاً أن يصنع عدة سفن وقادها بنفسه، واشترى سفناً أخرى أيضاً ليكمل أسطوله البحري، كما أصر على تعليم أبناء عائلته جميعاً أصول الملاحة والقيادة ليعتمد عليهم في قيادة هذا الأسطول البحري الذي كوّنه معتمداً على المولى سبحانه وتعالى ثم على خبرته وعزيمته ورغبته في التفوق والنجاح.
ومن اللطيف بل من العجيب ذلك العزم وهذا الإصرار على النجاح الذي تجسده هذه القصة الواقعية التي وردت في كتابي “عائلة العثمان: مدرسة السفر الشراعي في الكويت” ص 122 – 123.
للنوخذة عبدالعزيز بن عثمان رحمه الله، فقد ركب البحر متعلماً ومنتبهاً لفنونه وهو عازم على الريادة في مجال صناعة السفن وركوب البحر، ولما طلب منه أهله أن يتزوج ويستقر – إذ لا تعارض بين العمل والزواج – قال كلمته المشهورة: “لن أتزوج حتى أربط “البري”؛ وهو حبل يربط بمؤخرة السفينة، ويثبت بوتد على الأرض من خلفها حتى لا يتحرك مع ارتفاع ماء المد، وفي كلمته هذه كناية عن رغبته في امتلاك سفينة خاصة به؛ الأمر الذي يدل على علو الهمة وشدة العزيمة والاعتماد على النفس وكثير من المعاني السامية.
ومن الألطف والأعجب من ذلك أنه عندما امتلك السفينة عرض عليه الأهل والأحباب الزواج مرة أخرى، ولم يكن قد امتلك حينها البيت الذي يسكن فيه، فأجابهم بكلمة معبرة قائلاً: “ليس قبل أن يكون لي قبر في هذه الأرض”، ومعنى القبر هنا أنه المكان الوحيد الذي لا ينازعه فيه أحد، فكذلك البيت الملك؛ مما يدل على عزة النفس وعصاميتها، فلم يتزوج المرحوم النوخذة عبدالعزيز بن عثمان حتى امتلك السفينة “مساعد”، وأسس البيت عام 1885م تقريباً، وكان ذلك هو تاريخ بداية تأسيس فريج العثمان بمنطقة القبلة.
وهكذا ضرب النوخذة عبدالعزيز بن عثمان رحمه الله نموذجاً يحتذى به من الطموح والاعتماد على النفس وبذل الأسباب في سبيل الوصول إلى النجاح، وهكذا كان أهل الكويت من أبناء هذا الجيل المبارك، امتلأت نفوسهم بالجد والأمل فاجتهدوا وثابروا من أجل تحقيق الطموحات والأهداف، وتوكلوا على الله سبحانه وتعالى وبذلوا الأسباب، وبادروا واجتهدوا، فكان النجاح حليفهم، والتوفيق من الله نصيبهم، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته.
WWW.ajkharafi.com