“إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.. عبارة تربوية خالدة مستمدة من مائدة النبوة الحافلة بكل ما هو مفيد.
فالمسلم يتلقى الابتلاء بيقين واحتساب، ولا يتأثر بشكل انفعالي ثم يندم على سخطه من قدر الله تعالى، وهذه امرأة تُصرع (أي يصيبها داء الصرع فتتكشف بعض الأجزاء من جسدها)، فرد عليها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: “إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك” (رواه البخاري)، كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: “اتقي الله واصبري”، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “لم أعرفك”، فقال: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.
إن مفاجأة المصيبة لها وقع عظيم على القلب والنفس لا يقوى على تحملها لأول وهلة إلا أصحاب اليقين بالله سبحانه.
وثمة موقف تربوي مؤثر يرويه لي والدي عبدالله حمود الجارالله الخرافي رحمه الله عن خاله عبدالمحسن ناصر الخرافي رحمه الله وقد تربى في بيت قريب من بيته، وشهد مجالس الرجال في ديوانه أيام صباه، وقد نقل لي موقفاً مؤثراً شهده بنفسه حين كان الرجال في ديوانه يتبادلون أطراف الحديث، ويتبادلون الأخبار ويتشاورون في الصفقات التجارية، بل أحياناً يتفقون من الغد على البيع والشراء والتراتيب الإدارية التي يحتاجونها في إدارة شؤون تجارتهم.
ولكن المجلس لا يخلو من بعض وسائل التسلية المباحة وكان إحداها لعبة “الدومينو”، وهي لعبة ثنائية اللعب تحتاج إلى التركيز والحفظ وحسن التدبير في ترتيب الأرقام المسجلة على أظهر القطع الخشبية بعدد النقاط المحفورة فيها من 1 إلى 6.
وذات يوم وهو يلعب “الدومينو” مع أحد أصحابه أتى أحدهم مسرعاً ليبلغه خبراً لكارثة مؤسفة لغرق إحدى سفنه، فاستمر في اللعب مما أدهش الرجل القادم بالخبر، والجالسين في الديوان كذلك، فنبهوه لفداحة الخطب ومقدار الخسارة، فقال لهم واثقاً موقناً بقضاء الله وقدره: “ماذا أصنع؟ السفينة غرقت في عرض البحر، وأنا جالس هنا في ديواني، وهذا أمر الله، وهل أستطيع أن أرد أمره؟ والحمد لله على كل حال، والحمد لله أنها في السفينة وليست بالأرواح”، هكذا بكل يقين واحتساب يقدم التاجر عبدالمحسن ناصر الخرافي نموذجاً رائعاً للصبر عند المصيبة وسرعة وحسن احتواء المصيبة وصبره واحتسابه، فلم يجزع أو يسخط فيحبط أجر الإصابة بالمصيبة.
وفي هذا أسوة حسنة للأجيال الصاعدة من تجار اليوم.