يُطلق الإلحاد في الوقت المعاصر على كل مذهب يؤدي في النهاية إلى إنكار الدين
«الدهرية» هي أصل كل مذاهب الإلحاد والمادية التي عرفتها البشرية
«التحالف الدولي للملاحدة» و»رابطة الملاحدة» و»مؤسسة ريتشارد دوكنز لدعم العقل والعلم» أبرز المؤسسات العالمية الراعية للإلحاد والملحدين
ابن تيمية: كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه
معنى الإلحاد في اللغة: يأتي الفعل «ألْحَدَ» بمعنى: مالَ، وعَدَلَ، ومارَى، وجادَلَ.
وألحد في الحَرَمِ: تَرَكَ القَصْدَ فيما أُمِرَ به، ومن معاني «ألحد» أيضاً: أشْرَكَ باللهِ، أو ظَلَمَ، أو احْتَكَرَ الطَّعامَ.
ومن المواضع التي ورد فيها لفظ الإلحاد في القرآن:
1- (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {180}) (الأعراف)، ومعنى الإلحاد هنا: تحريف أسماء الله إلى المعاني الباطلة.
عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ) قال: إلحاد الملحدين؛ أن دعوا «اللات» في أسماء الله.
وعن مجاهد: اشتقوا «اللات» من الله، واشتقوا «العزى» من العزيز.
وقال قتادة: «يلحدون» يشركون.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الإلحاد: التكذيب.
2- (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) (فصلت: 40)، جاء في تفسير السعدي: الإلحاد في آيات الله: الميل بها عن الصواب، بأي وجه كان؛ إما بإنكارها وجحودها، وتكذيب من جاء بها، وإما بتحريفها وتصريفها عن معناها الحقيقي، وإثبات معان لها، ما أرادها الله منها.
فتوعَّد تعالى من ألحد فيها بأنه لا يخفى عليه، بل هو مطلع على ظاهره وباطنه، وسيجازيه على إلحاده بما كان يعمل.
معنى الإلحاد في المفهوم المعاصر:
يُطلق الإلحاد في الوقت المعاصر على كل مذهب يؤدي في النهاية إلى إنكار الدين.
عبَّر عن ذلك ملاحدة الغرب بقولهم: «لقد مات الله»، وعبَّر عن ذلك ملاحدة العرب بقولهم: «لقد ماتت فكرة النبوة والأنبياء»، ومؤدى القولين واحد، فإنكار الإله، أو إنكار الرسل يساوي عدم وجود دين؛ ومن ثم لا يوجد بعث، ولا ثواب ولا عقاب.
ونعني بالإلحاد: الكفر بالله والميل عن طريق أهل الإيمان والرشد، وظهور التكذيب بالبعث والجنة والنار وتكريس الحياة كلها للدنيا فقط.
يقوم الإلحاد على المفاهيم التالية:
1- نشأ الكون تلقائياً نتيجة لأحداث عشوائية دون الحاجة إلى صانع.
2- ظهرت الحياة ذاتياً من المادة، عن طريق قوانين الطبيعة.
3- الفرق بين الحياة والموت فرق فيزيائي بحت، سيتوصل إليه العلم يوماً ما.
4- الإنسان ليس سوى جسد مادي، يفنى تماماً بالموت.
5- ليس هناك وجود لمفهوم الروح.
6- ليس هناك حياة أخرى بعد الموت.
7- ليس هناك حاجة إلى القول بوجود إله!
هل عَرَض القرآن للإلحاد بمفهومه المعاصر؟
نعم، لقد عرض القرآن لصور متعددة من الإلحاد:
1- الدهرية، قال تعالى: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) (الجاثية: 24)، ويعرّف الشهرستاني أصحاب هذا المذهب: «إنهم أولئك الذين أنكروا خلق العالم والعناية الإلهية، ولم يسلّموا بما جاءت به الأديان الحقة، وقالوا بقدم الدهر، وإن المادة لا تفنى».
وجاء في «موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة» تعريفاً بالدهرية: «هي أصل كل مذاهب الإلحاد والمادية التي عرفتها البشرية، فهي مذهب كل من اعتقد في قدم الزمان والمادة والكون، وأنكر الألوهية والخلق والعناية والبعث والحساب، ويتوازى مع إنكار البعث والحساب عقيدة «تناسخ الأرواح» التي يعتقد أصحابها بأن أرواح البشر تنتقل من جسد كائن حي (إنسان أو حيوان) إلى جسد كائن حي آخر بعد موت الأول، فتشقى هذه الروح أو تسعد حسب ما اكتسبه الإنسان الذي كانت حاله في جسده إن خيراً فخير وإن شراً فشر».
2- عرض القرآن لأولئك الذين سيقولون فيما بعد: إن الكون والإنسان خلقا من عدم؛ فقال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {35}) (الطور)، فقوله تعالى: (مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي من غير خالق، ومن غير سبب أوّل، وقوله تعالى: (أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) أي هل المخلوق – كوناً كان أو إنساناً – أوجد نفسه؟ وكل هذا قال به الملاحدة المعاصرون.
3- تحدث القرآن عمن يؤمنون بوجود الإله الخالق، لكنه يرى أنه اعتزل الكون بعد أن وضع فيه القوانين والنواميس التي تسيره، فهم ينكرون متابعة الله كونه بالعناية والحفظ والتدبير والرزق، قال تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ {61}) (العنكبوت)، قال ابن تيمية: «وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب، لكن لا يحصل به الواجب، ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر، الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين، فلا يعبد إلا إياه، فيكون دينه كله لله.
4- وتحدث القرآن عمن يؤمنون بأن لهذا الكون خالقاً، وبأن هذا الخالق تابع كونه بالعناية والحفظ والرزق والتدبير، إلا أنه لم يُرسل إليهم رسلاً، وفي ذلك يقول القرآن: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {63}) (العنكبوت)، وهذا في ذاته إنكار للدين؛ لأنه يتضمن إنكار البعث والحساب، ومن ثم يصلون إلى إنكار التكاليف الدينية.
من يقف وراء الإلحاد؟
ثمة مؤسسات عالمية ترعى الإلحاد وترعى الملحدين، منها مثلاً «التحالف الدولي للملاحدة» ATHEIST ALLIANCE INTERNATIONAL، “رابطة الملاحدة”، “مؤسسة ريتشارد دوكنز لدعم العقل والعلم” (انظر: كيف يُستخدم مصطلح العقلانية والعلمية)، “الاتحاد الدولي للاتجاه الإنساني والأخلاقي”، “الرابطة الدولية لغير المتدينين والملحدين”.
وبعض هذه المؤسسات تعطي مساعدات مالية كبيرة للمنتظم فيها حسب فاعليته (بتقسيم: مساعد وثني، مستثمر، كافر، مرتد، متحمس، ممول، متحرر، داعم، عقلاني) تصل إلى 350 دولاراً شهرياً، وهو مبلغ جيد في بعض الدول الفقيرة.
سبل مواجهة الإلحاد:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفّى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين».
نعم، لقد أصبح للإلحاد روافد تغذيه وتروج له، وأصبح يقدم على أنه «مذهب عقلي»، وعلى أنه «دين العقل»، فلا غرو أن احتاج الأمر إلى مُكنة ودربة في رد شبهاته، فلا يكفي للمتصدر لمواجهته أن يقرأ كتاباً قديماً في الرد على الإلحاد، ويتصور أنه صار متمكناً من دحر الإلحاد وتزييف منطلقاته.
فالمواجهة تحتاج إلى إعداد قوي، ودراسة متأنية، وعكوف على ما كتب في هذا الشأن من شبهات وردود حديثة، واطلاع جيد بالمناهج البحثية، وإلا أضر الإنسان أكثر مما ينفع، فالإلحاد يتغذى بالإجابات السخيفة والمتهافتة التي تقدمها بعض مدارس الخطاب الدعوي والوعظي.
كتب ينصح بها:
– «الإسلام يتحدى» لوحيد الدين خان.
– «صراع مع الملاحدة حتى العظم» لعبدالرحمن حسن حبنكة.
– «الإسلام بين الشرق والغرب» لعلي عزت بيجوفيتش.
– «خرافة الإلحاد» د. عمرو شريف.