على وقع التصعيد الشعبي الفلسطيني ردا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تبدو خيارات المؤسسات الفلسطينية متأرجحة بين تصعيد سياسي سقفه الإبقاء على الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، والدعوة إلى انتفاضة جديدة عنوانها القدس.
ومساء أمس الاثنين أحال الرئيس الفلسطيني محمود عباس التعامل مع إعلان ترمب للمجلس المركزي الفلسطيني، وهو ما قرأ فيه مراقبون إحالة لقرارات التصعيد (التي كان يتوقع أن يعلن عنها عباس) للمجلس.
ورغم أن الرئيس الفلسطيني اعتبر أن قرار ترمب بمثابة إعلان انسحاب أميركي من الوساطة في عملية السلام، وتشجيعا لإسرائيل في المضي قدما بانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، فإنه خلا من أي قرارات كان البعض يرفع سقفها حد الإعلان عن سحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل.
وتراوحت ردود الفعل الفلسطينية بين الدعوة إلى انتظار ما سيصدر عن المجلس المركزي الفلسطيني، واعتبار خطاب عباس “مخيبا للآمال”.
المصالحة والوحدة
وفي رسالة نحو الوحدة الفلسطينية، أعلن عباس إيفاد رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية رامي الحمد الله، ومسؤول ملف المصالحة في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عزام الأحمد إلى قطاع غزة اليوم الخميس لتسريع خطوات المصالحة الفلسطينية.
واللافت أن عباس، ومن بعده الحمد الله، تجنبا في خطابين برام الله وغزة الحديث عن العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، وهو مطلب شدد عليه رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في خطابه للرد على إعلان ترمب صباح اليوم الخميس.
وتتراوح خيارات السلطة الفلسطينية بحسب ما صدر عن قيادات في السلطة الفلسطينية وحركة فتح ما بين التصعيد السياسي والميداني، دون إعلان أي خيارات تغير الوضع القائم على الاتفاقات والمعاهدات مع إسرائيل.
وتوقع مسؤولون فلسطينيون أن تتحرك السلطة الفلسطينية خارجيا باتجاه حث دول أوروبية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، حيث تحدث السفير الفلسطيني لدى الاتحاد الأوروبي عبد الرحيم الفرا عن وجود توجه لدى 12 دولة أوروبية لهذا الاعتراف، مشيرا إلى أن السلطة تعول على فرنسا للإعلان أولا لتتبعها دول أوروبية أخرى.
لا مساس بالمعاهدات
كما تحدث مسؤولون فلسطينيون عن توجه السلطة نحو الأمم المتحدة للانضمام لمعاهدات واتفاقات دولية، إضافة لرفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية، حيث كانت السلطة قد تجنبت الانضمام لهذه المعاهدات ورفع القضايا استجابة لتحذيرات أميركية.
لكن الأسئلة الفلسطينية ظلت عند مستويات التعامل مع الإدارة الأميركية، التي لم يعلن عباس بشكل واضح قطع العلاقات معها، أو خيارات التعامل مع إسرائيل التي ترتبط السلطة الفلسطينية باتفاقات تنسيق متعددة معها، أهما التنسيق الأمني الذي طالما أشادت إسرائيل به باعتباره يحبط كثيرا من عمليات المقاومة ضدها.
ويربط محللون خيارات السلطة في هذا الإطار بسقف خيارات حلفائها العرب، خاصة أن أي قرار فلسطيني يعيد النظر بالاتفاقات مع إسرائيل سيخلق ضغطا على الأطراف العربية لا سيما التي تقيم علاقات مع إسرائيل بأن مبررات هذه العلاقات لم تعد قائمة.
وكانت مصادر فلسطينية قد كشفت قبل أيام عن اجتماع قاده مدير المخابرات ماجد فرج للتعامل مع الحراك والغضب الفلسطيني على إعلان ترمب، حيث ركز الاجتماع على كيفية احتواء هذا الغضب وعدم تحوله لانتفاضة جديدة تقود لمواجهة مفتوحة مع إسرائيل، كما حدث في انتفاضة الأقصى عام 2000.
انتفاضة جديدة
بالمقابل، فقد دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية اليوم الخميس إلى إطلاق انتفاضة جديدة من أجل القدس في كافة الأراضي الفلسطينية غدا الجمعة، في الذكرى الثلاثين لانتفاضة الحجارة التي انطلقت في اليوم نفسه عام 1987.
خطاب هنية اتسم بالتصعيد اللافت، حيث دعا إلى إستراتيجية فلسطينية للمواجهة، واعتبر أن إعلان ترمب بمثابة دفن لما يسمى “صفقة القرن” ولكل الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ونهاية لعملية السلام، وبلغت لغة التصعيد من هنية حد دعوته لكوادر حركة حماس إلى الاستعداد لكافة الاحتمالات، وهو ما رفع سقف التصعيد المتوقع ضد إسرائيل.
ويرى محللون أن الرهانات ستتجاوز ربما السياسيين ودعواتهم، بعد أن بدأ الغضب الشعبي ينتقل من مواقع التواصل للشارع الفلسطيني، ويتوقع أن يبلغ ذروته يوم غد الجمعة، ويتوقع أن يتسع ليشمل عواصم عربية وإسلامية ودولية عدة.
ويقرأ محللون ومتابعون للشأن الفلسطيني أن سقف الغضب وحجمه ربما يرفع من سقف التوقعات المحدود أصلا لما سيخرج عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة السبت المقبل، كما يمكن أن يحدد سقف حضور القادة والزعماء لقمة التعاون الإسلامي التي دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء المقبل في إسطنبول.
وبين سقف التصعيد المتوقع بين السلطة وفصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس، يبدو الرهان على الشارع الفلسطيني والعربي، والذي حذر محللون ومراقبون من أنه قد يقلب الطاولة ليس في فلسطين فقط وإنما في كل المنطقة.
—–
* المصدر: الجزيرة.نت.