يمر العرب في تاريخهم المعاصر بحالة فقدان الاتزان؛ ربما لم يتعرضوا لمثلها في تاريخهم المعاصر منذ عهود الاحتلال والاستلاب، وذلك راجع لعدة أسباب، منها: عجز المؤسسات التربوية أن تقوم بالمهام الموكلة إليها، فغدت أشبه بقوالب جامدة ميتة لا نفع من ورائها، لم تخرج الإنسان الصالح النافع لنفسه ومن ثم لوطنه، وسادت مفاهيم النفعية ومحاولة التكسب من أي جهة مع الاستعداد للتخلي عن القيم.
فالتعليم، بدوره، يمر بمرحلة التكرار والحشو، واجترار المفاهيم القديمة، فلم يشهد هذا القطاع الحيوي تطويراً وتحديثا في مفاهيم التفكير وآليات الإبداع، وكانت البعثات العلمية إلى الغرب مع ما أحدثته من تغيير في بعض أنماطه لا يغفل لكنه لا يرقى إلى درجة إحداث طفرة نوعية في ذهنية الطالب؛ فالمعلم هو الآخر مصاب بداء التخشب والوقوف عند الدايات الأولى التي أخرجته إلى مجال العمل.
وإذا جئنا إلى المؤسسات الدعوية نجدها تعاني الحشو والانعكاف على الشروح وترديد العبارات التي كانت تصلح لعهد دون الآخر؛ مع سيطرة المؤسسات الحاكمة ووقوع الدعاة بين مطرقة العوز المادي وسندان القرار والتوجهات الأيديولوجية.
ولب الأزمة في كل ذلك سياد التفكير النمطي وغياب القدرة على الفاعلية ومحاولة الخروج إلى عالم يمور بأفكار وأساليب في الحكم والإدارة تجاوزت زمن الاستقلال العربي، وما حدث من أزمات تعرض لها العرب بدءاً من احتلال فلسطين، والتطاحن العربي – العربي أفرز عند العرب تقزم القدرة وغياب الدافعية إلى التوحد حتى ولو في إطار الجامعة العربية التي تعاني بدورها من العجز وعدم القدرة على الفعل، لأنها مقيدة ومرتهنة في قراراتها.
والمتابع للإعلام العربي يجده عامل تشظٍّ لا سبيل توحد وانتماء، فالعرب يختلفون حتى في الشعور بمحنتهم، لا يحاولون الخروج عن الأسطر المعدة سلفاً في دوائر تعد لهم في بلاد الضباب ما يراد منهم أن يؤدوه لا أن يبادروا هم في تجاوزه ومن ثم العبور إلى عالم يرحب بالمشاركة.
لقد عقدت الندوات وتمت الكثير من الأبحاث حول أزمة العقل العربي، لكنها على عظم ما أنجزته لا يرقى إلى تجاوز المحنة، فقيام دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين دليل على قدرة هؤلاء على التواجد وسط محيط عربي كان يوماً يهدر بشعارات الحرية والبناء؛ فغدا بعد كتلة صماء خرساء انكفأت على ذاتها، تندب حظها وتبكي مجدها الضائع وحلمها العاثر.
إنه التشظي الذي أصاب العرب، ودفع بعضهم إلى التنصل من العروبة؛ بل ومحاولة البحث عن جذور أخرى يمدون إليها بسبب، من فرعونية وأمازيغية وفينيقية، لقد استلب القرار العربي بيد العرب أنفسهم؛ فعادوا يعضون أصابعهم من الندم على ضياع مقدراتهم واستلاب عوامل القوة والممانعة لديهم.
وما للعرب من سبيل إلى تجاوز تلك الأزمة التي ضربت في صميم وجودهم إلا التخلص من داء الترهل ومحاولة البحث عن وسائل غير تقليدية لتنشيط العقل العربي، ودفعه إلى المساهمة بفاعلية في تربية جيل ناهض يقوم بدوره في إخراج العرب من أزمتهم الراهنة.