في يناير 2016، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه في خلال عامين فقط قضى مرض الإيبولا على حياة 11315 شخصًا في دول ليبيريا وسيراليون وغينيا ونيجيريا.
أما عن مرض الملاريا؛ فتقول منظمة «اليونيسف» أن الملاريا أصبح يقتل طفلًا كل 30 ثانية، أي حوالي 3 آلاف طفل يوميًا، وتقدر إحصائيات “اليونيسف” عدد المصابين بمرض الملاريا بحوالي 300-600 مليون شخص.
وفي الحقيقة إنّ مع بداية القرن الحادي والعشرين واجهت البشرية الكثير من الأوبئة المميتة بعضها تمّ السيطرة عليه مثل أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور والسارس، وبعدها يعود إلينا مرة أخرى بشكلٍ أقوى مثل فيروس الإيبولا وزيكا ومرض الملاريا، وبناءً على مجموعة من الأبحاث؛ نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تقريرًا بعنوان «دعك من زيكا والإيبولا.. القراد أو«Ticks» هو التهديد العالمي القادم».
فما القراد أو«Ticks» الذي اعتبرته صحيفة «الجارديان» التهديد العالمي القادم؟
«Ticks» لا يقتل ولكنه يحمل القاتل
كثيرٌ من الميكروبات الممرضة (البكتريا والفطريات والفيروسات والطفيليات) لا تستطيع الانتقال لجسم الإنسان إلا من خلال وسيط يسمى «vector» أو العائل الوسيط بلغتنا العربية، وهو كائن حي يقوم بنقل العامل الممرض (الميكروب) من جسم الحيوان إلى جسم الإنسان، ويكون في الغالب من الكائنات الماصة للدماء مثل أنثى بعوضة «Anopheles» التي تنقل الملاريا والخفاش في حالة مرض الإيبولا وبعوضة «Aedes» التي تنقل فيروس الزيكا والفيروس المسبب للحمى الصفراء.
أما عن «Ticks» أو العنكبوت القراد؛ فهو يعتبر من أكثر الكائنات الوسيطة خطورة، وذلك لأنه يستطيع أن يحمل بكتيريا وفيروسات وطفيليات تسبب أمراضًا خطيرة، علاوة على أن هذه الكائنات التي يحملها «Ticks» تطور من تركيبها باستمرار حتى تستطيع مقاومة الأمصال والمضادات الحيوية المضادة لها.
يصف بعض العلماء والباحثين «Ticks» بأنه محاقن الطبيعة المستهلكة، نظرًا لأنه يتغذَّى على دماء معظم الحيوانات التي يجدها في طريقه بحثًا عن الغذاء، وعملية مصّ الدماء بين الحيوانات وبين البشر التي يمارسها العنكبوت القراد تجعله يحمل الكثير من الميكروبات وينشرها بين الكائنات، ولأنه متواجد في معظم النطاقات الجغرافية حول العالم من غابات أفريقيا الحارة حتى جليد قطبي الكوكب؛ يعتبر من أوسع العوائل الوسيطة انتشارًا ومن أكثرها خطورة.
ما أخطر الأمراض التي ينقلها عنكبوت «Ticks»؟
1-«Lyme Disease».. ابتعد عن الغزال:
كل عام في الولايات المُتحدة الأمريكية يصاب حوالي 3 آلاف شخص بمرض اللايم أو«Lyme Disease»، وهذه بالطبع الحالات المسجلة فقط، بينما تشير تقارير أخرى إلى أن العدد الحقيقي قد يصل إلى 300 ألف شخص سنويًا، ومرض اللايم تسببه بكتيريا تسمى «بوريليا» ينقلها عنكبوت القراد أثناء تغذيته على دم الثدييات وبالأخص الغزال، إذ يوفر القراد للبكتيريا العائل الوسيط الذي تنمو البكتيريا بداخله وتتكاثر إلى أن ينقلها القراد إلى الإنسان بعد أن يقوم بالبحث عن الدم.
من الأسباب المهمة التي تجعلنا نتعرف على المرض؛ هي الأعراض، ولكن هل ظهور الأعراض في حالة مرض اللايم يعني بداية الإصابة أم تملك المرض من الجسم؟
في الحقيقة إن ما يجعل المرض من أخطر الأمراض؛ هو أنّ أعراضه لا تظهر مع كل المرضى، أو من كل ثلاثة مرضى مصابين باللايم يظهر مريض واحد لا تبدو عليه أعراض المرض، وتتنوع الأعراض بين طفح جلدي أو بثرات دائرية في مكان عضة القراد، وتشبه البثرات لوحة تصويب السهام وقد تصل مساحتها إلى 15 سنتيمترًا، وتظهر بعد عضة القراد خلال 3-15 يومًا.
يوجد أيضًا أعراض أوليّة أخرى مثل الحمَّى وارتفاع درجة الحرارة وآلام في الجسم والمفاصل وتعب العضلات، وهذه الأعراض تسبب ارتباكًا للطبيب المعالج لأنها تشبه تمامًا أعراض الإنفلونزا الموسمية التي يصاب بها الإنسان مع تغيُّر الفصول خاصةً قدوم فصل الشتاء، لذلك في حالة عدم وجود الطفح الجلدي أو البثرات هناك احتمال أن يخطئ الطبيب في تشخيص الحالة ووصف الدواء غير المناسب، الذي قد يتسبب في تعطيل المناعة، وهذا ينتج عنه إتاحة الفرصة للبكتيريا أن تنمو لتصيب خلايا أخرى بمرض اللايم.
يمكن معالجة مرض اللايم في البداية باستخدام مضادات حيوية، ولكن إن اكتشف المرض مؤخرًا ولم يُعالج في وقت مبكر، يمكن للعدوى أن تنتقل إلى المفاصل والجهاز العصبي والقلب؛ لتسبب أعراضًا خطيرة للغاية مثل التهاب المفاصل وخفقان القلب بشكل غير منتظم مما يسبب خللًا في الدورة الدموية، والتهاب الدماغ والحبل الشوكي الذي يؤدي إلى آلام في الأعصاب وتصلب الرقبة وشدة الحساسية من التعرض للضوء.
2- حمى القرم – الكونغو النزفية «CCHF»
حمى القرم-الكونغو النزفية من أخطر الأمراض التي ينقلها القراد، وذلك لأن معدل الوفيات فيها يصل إلى نسبة 40%، وهي تقريبًا نسبة الحالات المصابة التي فشلت معالجتها من الإيبولا والطاعون، وبجانب أنه حتى الآن لا يوجد علاج يمكنه القضاء على مرض «حمى القرم – الكونغو النزفية» أو كما تسمى «CCHF»؛ يتنبأ العلماء أن هذا المرض سوف يؤثر بشكل كارثي في المستقبل، وذلك بسبب الانتشار الواسع والسريع له عبر «Ticks»، وبسبب أيضًا قدرة الحيوانات وخصوصًا الخراف على احتواء فيروس “Nairovirus” المسبب للمرض وتوفير البيئة المناسبة له للتكاثر بغزارة.
وهذه الحمى لا تصيب الإنسان فقط عندما يعضه العنكبوت فينتقل له الفيروس الممرض؛ بل أيضًا بالاتصال المباشر مع الحيوانات المذبوحة المصابة بالحمى أو التي تحتوي على الفيروس المعدي للمرض، بالإضافة إلى أنّ المرض يمكنه الانتقال من إنسان لإنسان، وبالحديث عن الأعراض؛ فبعد الإصابة بالمرض بفترة تتراوح بين 3 – 15 يومًا، يبدأ المصاب بالشعور بالدوخة والغثيان وآلام البطن وحمى وتصلب وآلام في الرقبة وقيء وغثيان والتهاب في الحلق، وتقلب في المزاج يصل أحيانًا إلى الاكتئاب.
بسبب التغير المناخي.. «Ticks» هو التهديد العالمي القادم
ينجذب عنكبوت «Ticks» إلى البيئة الدافئة وإلى ثاني أكسيد الكربون، والتغير المناخي بالأساس يعني ارتفاع درجة الحرارة بسبب زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، لذلك كلما أصبح الجو أكثر دفئًا ستخرج عناكب القراد بحثًا عن وجبة دماء ترضي شهيتها، وكلما كان الحصول على الغذاء للقراد سهلًا؛ كانت الفرصة سانحة أمام القراد أن ينمو ويتطور بشكل أسرع وكانت الفرصة سانحة أيضًا أمام الميكروب الممرض الذي يحمله القراد أن ينمو بشكل أسرع ويصبح جاهزًا للانتقال للإنسان لكي يسبب له العدوى.
وعلى الرغم من تواجد القراد في المناطق الباردة مثل قارة أوروبا وأمريكا الشمالية والقطبين؛ فإن ارتفاع درجة الحرارة لا تجعله في اتصال مباشر مع الكائنات الأخرى التي لا تتواجد خارج مساحة الأمان الدافئة لوقت طويل، ولذلك فإن القراد يعتمد على مخزونه من الغذاء، وبالتالي يموت بسرعة قبل أن يصيب أحدًا، ولكن بمجرد أن يحل الصيف في هذه الأماكن، يبدأ القراد في عمله، وتشير التقارير إلى أن حالات الإصابة بالأمراض المعدية التي ينقلها القراد، وجدت في كافة أنحاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة البريطانية وأستراليا، وكثير من الدول الأوروبية.