عاد الحديث قوياً عن موقع سيناء في الخطة الأمريكية للتسوية في منطقة الشرق الأوسط المعروفة إعلامياً باسم “صفقة القرن”، بعد الزيارة الأخيرة لمستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص بالسلام في الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، وهو ما يطرح تساؤلات فاصلة في أوقات صعبة تسودها الهيمنة الصهيوأمريكية، وفي مقدمتها السؤال الأصعب: هل حقاً ستدخل أرض الفيروز بيت الطاعة الأمريكي؟ وهل هي مفتاح إقرار الصفقة؟
جزء من الصفقة
هناك فريق من الباحثين والسياسيين في مصر يعتقد أن سيناء جزء من الصفقة، وفي هذا الإطار يؤكد عبدالمعز الشرقاوي، الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والأمن القومي المصري، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن سيناء تعد عاملاً أساسياً في “صفقة القرن” لأنها ستكون بمثابة ظهير طبيعي لحماية الأمن “الإسرائيلي”؛ وبالتالي هناك محاولات لإقناع “حماس” تحديداً بقبول الصفقة مقابل إنهاء الحصار عن غزة من خلال إعادة فتحها على العالم مرة أخرى ولكن بضوابط تنفذها مصر وتمولها السعودية والإمارات وتضمنها أمريكا، ولذلك كان التنازل عن تيران وصنافير حتى يكون البحر الأحمر متعدد الجنسيات وليس عربياً خالصاً.
وأضاف أن الأخطر أن العملية العسكرية في سيناء جزء أساسي في تمهيد الأرض داخلياً لإتمام الصفقة من خلال أمرين؛ الأول هو تغيير العقيدة العسكرية لدى الجيش المصري وتصدير سيناء باعتبارها أزمة لمصر، وأن التنسيق الأمني مع “إسرائيل” جزء في ضبط الأوضاع الأمنية؛ وبالتالي كسر حاجز الكره المصري لـ”إسرائيل”، وعلى جانب آخر، فهناك مخطط لفصل سيناء عن مصر، وإشعار أبناء سيناء أنهم غير مرغوب فيهم، وأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة؛ وبالتالي يتم إجبارهم على الهجرة من جانب أو القبول بشريك آخر غير مصر حتى إذا تمت الصفقة وكانت سيناء جزءاً منها تكون الأطراف الداخلية متقبلة فكرة التنازل عن سيناء أو جزء منها حتى لو كان بمثابة جزء عازل لحماية الأمن “الإسرائيلي”.
وتيرة المعلومات الرائجة عززت قوتها تحرك “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، أبرز واجهات الرفض من الخارج للنظام الحالي في مصر، حيث دعا في 4 مايو 2018م إلى فعاليات احتجاجية في مصر لمدة أسبوع بعنوان “لا لبيع سيناء”، مشدداً على رفضه التام لأي تنازل عن حبة رمل واحدة من سيناء تحت أي مسمى، فسيناء ستظل للمصريين كما أن أرض فلسطين ستظل للفلسطينيين.
وأوضح في بيان اطلع عليه “المجتمع” أن “التحركات المتسارعة لتنفيذ “صفقة القرن” ليست منفصلة عن السياسات القمعية التي تنفذ في مصر لتركيع الشعب المصري ودفعه للقبول بالتفريط في سيناء أو غيرها، بحسب تعبيره.
نفي رسمي
وفي المقابل، تنفي السلطات المصرية والمحسوبين عليها إعلامياً وجود سيناء في “صفقة القرن”، خاصة التصريحات المثيرة التي صدرت في أواخر العام 2017م من الوزيرة الصهيونية، جيلا جامليئيل، وزيرة شؤون المساواة الاجتماعية “الإسرائيلية” بشأن توطين الفلسطينيين في سيناء، رغم أن كتاباً محسوبين تحدثوا عن وجود صفقة قديمة تتحدث بالفعل عن التنازل عن سيناء لصالح تسوية، حيث أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في نوفمبر 2017م أنه لا يمكن التنازل عن أي ذرة من تراب سيناء، التي رويت بدماء المصريين.
الكاتب الصحفي يوسف أيوب، رئيس التحرير التنفيذي لجريدة “اليوم السابع”، المحسوبة على النظام في مصر، دخل على الخط، ورد على ما تداول في مقال له بعنوان “أكاذيب الجهلة عن صفقة القرن ومصر” في مايو الماضي، مؤكداً عدم صحة ما يقال: إن مصر ستدخل ضمن “صفقة القرن” الأمريكية من خلال تبادل للأراضي مع “إسرائيل”، ومنح جزء من سيناء لإقامة دولة فلسطينية عليها.
وأرجع أيوب الروايات المتواترة حول سيناء والصفقة، إلى أن عرضاً “إسرائيلياً” حقيقياً بحسب وصفه لتأسيس دولة فلسطينية على غزة وأراضٍ من سيناء، وكان ترجمة لخطة وضعتها حكومة آرئيل شارون تقضي بعمليات تبادل أراضٍ بين مصر و”إسرائيل” لتوسيع قطاع غزة، إلا أنه رفض في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بحسب تأكيده، مضيفاً أن هذا العرض طرح في عهد د. محمد مرسي وتصدى له الفريق وقتها عبدالفتاح السيسي، وفق ما قال، وهي الرواية التي تنفيها جماعة الإخوان والمؤيدون للدكتور مرسي، مؤكدين أن الأخير-وليس السيسي- رفض أي فكرة للوطن البديل في سيناء طبقاً لقناعاته الفكرية وأجندته الوطنية.
أيوب أوضح في مقاله المطول أن هذه الخطة “الإسرائيلية” كانت تسمى “جيورا إيلاند” نسبة إلى الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي “الإسرائيلي” الذي قدم تصوراً لإقامة الدولة الفلسطينية بشكل نهائي يقوم على مضاعفة مساحة غزة ثلاث مرات، وذلك بضم 600 كيلومتر مربع أو أكثر من سيناء، لتتجاوز مساحة غزة حدود عام 1967م التي لم يعد الالتزام بها مقبولاً من الناحية الأمنية لدى “إسرائيل”، مقابل منح مصر 600 كيلومتر من صحراء النقب جنوب “إسرائيل”.
أين الحقيقة؟!
الحقيقة حائرة، هكذا، لكن موقع “الإذاعة البريطانية” (بي بي سي عربي)، فجر في 29 نوفمبر 2017م مفاجأة من العيار الثقيل حول توطين الفلسطينيين في سيناء، مؤكداً أنه حصل على وثائق تثبت موافقة الرئيس الأسبق حسني مبارك على هذا المشروع، وهو ما يدحض ما ذكره الكاتب يوسف أيوب المحسوب على النظام المصري.
الوثائق، حصلت عليها “بي بي سي” حصرياً بمقتضى قانون حرية المعلومات في بريطانيا، ووفق ما جاء فيها فإن مبارك استجاب لمطلب أمريكي في هذا الشأن، وقد اشترط مبارك أنه كي تقبل مصر توطين الفلسطينيين في أراضيها، لا بد من التوصل لاتفاق بشأن “إطار عمل لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي”.
النقطة الثانية في البحث عن الحقيقة هي لقاء العقبة السري الذي عقد في العام 2016م، ثم كشفت كواليسه في العام 2017م، وشارك فيه الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي مع كل من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، وكشف وقتها الوزير “الإسرائيلي” المكلف بالتعاون الإقليمي الدرزي أيوب قرا، من أن السيسي قد اقترح خطة لإقامة دولة فلسطينية في سيناء وغزة تسمح لـ”إسرائيل” بالانفراد بالسيطرة على الضفة الغربية بحسب صحيفة “هاآرتس” العبرية، وهو ما نفته الرئاسة المصرية في فبراير 2017م.
د. ممدوح حمزة، الذي كان رئيس الوفد الحكومي الذي كان يتفاوض مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، والمعارض البارز للرئيس الدكتور محمد مرسي ثم للنظام الحالي، له رأي قد يرجح بعض الشيء التناقضات الظاهرة بين المعلومات والنفي الرسمي، حيث يعتقد الرجل أن السبب في إقالة اللواء خالد فوزي من منصبه كمدير للمخابرات العامة يرتبط بموقفه الرافض تماماً لإنشاء “وطن بديل” للفلسطينيين في سيناء مقابل بعض الأراضي الفلسطينية.
وكتب د. حمزة علي حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: خالد فوري رافض تماماً لمشروع الوطن البديل بناء على مقابلة مباشرة معه وبوجود شاهد، وقال لي: إن سبب تخلي أمريكا عن مبارك هو رفضه للوطن البديل على أي جزء من سيناء، وهو ما يطرح تكهنات واسعة عن سر التغيير الذي تم مؤخراً بتعيين مدير آخر لجهاز المخابرات العامة وهو اللواء عباس كامل، مدير مكتب رئيس الجمهورية، في هذا التوقيت بالذات ثم حضوره اجتماعاً مع مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص بالسلام في الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات قبل أيام، قالت تقارير إعلامية: إنه يختص بـ”صفقة القرن”.