عندما تتجمع أمريكا للاحتفال بذاتها في الرابع من يوليو، يبدو هذا سؤالاً عادلاً.
هل أمريكا بلد نرجسي؟
الإجابة هي نعم مدوية، وفقاً لبحث جديد، لكن هناك بعض الولايات أكثر نرجسية من غيرها.
ففي دراسة نشرت في مجلة “علم النفس”، سأل الباحثون أكثر من 2800 من السكان من ولايات مختلفة عن مدى مساهمة ولاياتهم في تاريخ الولايات المتحدة.
يعتقد سكان ولاية ديلاوير في المتوسط أن ولاياتهم ساعدت على صنع 33% من تاريخ البلاد، يعتقد الجورجيون أن ولايتهم أدت دورًا مركزيًا بنسبة 28%، وقد صنف سكان تكساس وكاليفورنيا، وهما ولايتان مشهورتان بالغطرسة، أنفسهم بنسبة 21 و22%، وهي نسبة هائلة ولكنها لم تقترب من نسبة 41% لولاية فرجينيا و35% لولاية ماساتشوستس.
وقال هنري روديجر الثالث، وهو عالم نفسي في جامعة واشنطن في سانت لويس: إن السؤال الذي طرحناه كان مجنوناً من ناحية، لأنه لا توجد إجابة صحيحة له، ولكنه أخبرنا الكثير عن الناس وما يؤمنون به.
النرجسية الجماعية
ما كان عالميًا هو النظرة الذاتية التي يتمتع بها الناس عندما يتعلق الأمر بولاياتهم الخاصة، نوع من الذاكرة الانتقائية المجتمعية والأهمية الذاتية التي بدأ علماء النفس بدراستها للتو وأطلقوا عليها اسم “النرجسية الجماعية”.
حتى الأشخاص في ولاية مثل كنساس وولاية وايومنج -الذين لم يكونوا جزءًا من المستعمرات الـ13 الأصلية أو القوى التاريخية- كانت نظرتهم متعالية عن دورهم في التاريخ الأمريكي.
عندما جمع باحثون متوسط التقديرات لكل ولاية، وجدوه يعادل 907%؛ “كنا نظن أن الأرقام ستكون عالية، ولكن ليس بهذا الارتفاع”، يقول روديجر، الذي يدرس نظرية الذاكرة.
ثم قام هو والباحثون الآخرون بعد ذلك مع بعض المشاركين بإجراء اختبار تاريخي يؤكد اتساع التاريخ الأمريكي وحقيقة وجود 50 ولاية؛ “اعتقدنا أنه إذا وجه الناس وجوههم لتاريخ الولايات المتحدة فإن النتائج ستتغير”، وقال رودجر: “كنا نظن أنهم سيقولون لأنفسهم: لا شيء من هذا حدث في وايومنج”.
مؤشر النرجسية
ولإيجاد شيء يسمونه “مؤشر النرجسية”، قارن الباحثون التقديرات التي أجراها سكان الولاية إلى الكيفية التي صنف بها آخرون في أنحاء البلاد الولاية، وقادت فرجينيا وديلاوير الأمة لأعلى مستويات النرجسية الجماعية، وفقاً لمؤشرها، ثم جاءت بعد ذلك نيويورك، بنسلفانيا، جورجيا ونيوجيرسي.
ويعزو الباحثون الذين شاركوا في الدراسة سلوك كل ولاية النرجسي الظاهر لدى السكان إلى بعض العوامل: أن تاريخ الدولة غالباً ما يتم حفره في المدرسة، وأن الناس يكونون سيئين في الرياضيات عندما يتعلق الأمر بالتقدير بأعداد صغيرة، نزعة نفسية لدى الناس ليفكروا في أنفسهم على أنهم أفضل من المتوسط وأن يربطوا أنفسهم بالمجموعات الناجحة.
وفي دراسة ثانية نُشرت الشهر الماضي، طبق بعض الباحثين نفس هذا النهج على نطاق عالمي، وطلبوا من سكان 35 دولة تقدير مدى مساهمة دولتهم في تاريخ العالم.
أظهرت النتائج ظاهرة أقوى للنرجسية الجماعية في اللعب، مع 195 دولة في العالم، كان لدى المقيمين في كل بلد ممن شملهم الاستطلاع تقديرات فلكية عالية لدورهم في تاريخ العالم.
حتى إن المقيمين في البلد الأقل ترتيبًا، وسويسرا المحايدة الشهيرة، كانوا يعتقدون في المتوسط أن بلادهم ساهمت بنسبة 11.3% في الأحداث العالمية.
كانت البلدان الصغيرة نسبياً تقلل من تقديراتها لأهميتها، يعتقد الماليزيون أنهم ساهموا بنسبة 49% من تاريخ العالم، وقال البرتغاليون: إنهم ساهموا بنسبة 38% وكندا 40%.
ولعله من المدهش أن الولايات المتحدة -القوة الرائدة في العالم في العقود الأخيرة- هبطت في وسط الحزمة العالمية، مع تصنيف ذاتي بنسبة 29.6%، بعد بيرو، وبلغاريا، وسنغافورة.
وبحسب الدراسة، كانت الدولة الأكثر نرجسية في العالم هي روسيا التي يعتقد سكانها في المتوسط أن بلادهم ساهمت بنسبة 60.8% من تاريخ العالم.
هذه النتيجة الرائعة تتوازى مع دراسات أخرى لروسيا في العقد الماضي، فقد قارن جيمس فيرتش، وهو عالم أنثروبولوجيا وخبير في الذاكرة الجماعية، مدى اختلاف رأي الروس والأمريكيين في إسهاماتهم في الحرب العالمية الثانية، عندما طُلب من الطلاب تسمية أهم الأحداث في تلك الحرب، أدرجوا بيرل هاربر وD-Day باستمرار، وعلى النقيض من ذلك، قام الطلاب الروس بتسمية أحداث مثل معركة ستالينجراد ومعركة موسكو، لم يكن هناك تقريبًا أي تداخل بين المجموعتين.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح علماء النفس مهتمين بشكل متزايد بتقاطع الذاكرة الجماعية والنرجسية والطريقة التي تلعب بها في العالم الحقيقي.
“على مستوى ما، يمكن القول: إن هذه النرجسية والذاكرة الجماعية سيئة لأنها يمكن أن تعزز العنصرية والقومية وكراهية الأجانب”، هذا ما قاله ويليام هيرست، عالم النفس في نيو سكول في نيويورك، الذي لم يشارك في الدراستين الجديدتين؛ “قد تسأل: لماذا أعطتنا الطبيعة الأم هذا النوع من الذاكرة؟ ولكن هناك مزايا لذلك كونها تعزز التفاهم المشترك لماضينا، وأسس هويتنا كدول أو شعوب”.