لا يخفى حال أقلية مسلمي الروهنجيا وما تعانيه من تقتيل وتهجير قسري على أحد، فمعاناتها صارت حديث العالم، وفي صدارة الأروقة الدبلوماسية، فلا يُذكر أن هناك أمة بلغت معاناتها هذا الحد، من تمييز عنصري واضطهاد، سواء في موطنهم آراكان بدولة ميانمار (بورما سابقاً)، أو العيش المأساوي بمخيمات اللجوء في بنجلاديش، فماذا تمثل الأمية في هذه الأزمة؟ وكيف كان حال التعليم لدى الروهنجيا في آراكان؟ وهل هناك حالياً ما يمكن أن نسميه تعليماً بمخيمات اللجوء في بنجلاديش؟
حول إشكالية التعليم لدى الروهنجيا وأثره في أزمتهم، يقول «قطب شاه محمد سعيد»، باحث دكتوراه وناشط روهنجي: إن أزمة التخلف التعليمي لدى الروهنجيا أدت دوراً بارزاً في معاناتهم، ففي آراكان لم يكن لدى الروهنجيا منظومة تعليمية تسهم في بناء الإنسان، إذ اعتمدوا على مدارس أهلية منفصلة تماماً عن المجتمع ومسايرته، فالمنظومة التعليمية كانت عاجزة عن دمجهم مع المجتمع، بالإضافة إلى غياب ثقافة الكتابة بلغة الروهنجيا، كما لا يمكننا إغفال أسباب أخرى لا تقل أثراً في هذه الأزمة، منها العنصرية التي يلقاها أبناؤهم في المدارس الحكومية إذا التحقوا بها، وسياسة التمييز من قبل الحكومة ضد الروهنجيا التي ارتأت في حرمانهم من التعليم أقوى وسيلة لإبادتهم، وتقييد حرية التنقل.
الكتاتيب
وأضاف «قطب شاه» أن تعليم الروهنجيا في آراكان ينقسم إلى نوعين؛ التعليم الأهلي الديني، والتعليم الرسمي، وبالنسبة للتعليم الأهلي الديني يمكن تقسيمه إلى الكتاتيب المعروفة بـ»المكاتب»، والمدارس النظامية، وكذلك دور التحفيظ.
فالكتاتيب ملحقة بالمسجد وليست لها مراحل معينة، ولا مناهج محددة، يتعلم فيها الأطفال بدءاً من سن الرابعة أو الخامسة بعض المبادئ والأحكام الإسلامية مثل الصلاة وقراءة القرآن، ومن المهم الإشارة إلى أن نحو 80% من أبناء الروهنجيا تنبني حياتهم على ما درسوا بالكتاتيب، والمساجد ليست إلا أماكن للصلاة فقط وبعض الأنشطة لجماعة التبليغ.
وأما المدارس، وهي التي تعرف بالمدارس الديوبندية أو النظامية وتسير على منهاج دار العلوم ديوبند في الهند، هي تتبع نظام تعليم ديني محض يقضي الطالب فيه عشر سنوات للتخرج بعد التحاقه بما يعادل المرحلة المتوسطة، ولا تتضمن أي مادة علمية في مقرراتها مثل الجغرافيا والرياضيات والتاريخ، وأول مدرسة أسست في آراكان كانت “أشرف العلوم” بقرية نور الله شمال منغدو عام 1880م، ثم فتحت واحدة تلو الأخرى وانتشرت المدارس في الإقليم كله.
ويشير تقرير لوزارة الدفاع عام 1997م إلى وجود 105 مدارس و1238 مسجداً بإقليم آراكان، وكلها تأسست على مناهج “دار العلوم ديوبند”، ورغم أن “دار العلوم” قد طورت مناهجها وطرق تدريسها، وتبنت الوسائل الحديثة، فإن مدارس آراكان لم تواكب ذلك ربما لانقطاع التواصل مع العالم الخارجي.
وتجدر الإشارة -بحسب “قطب شاه”- إلى أن هذه المراكز التعليمية من الكتاتيب والمدارس لا تتلقى أي رعاية أو دعم حكومي، وإنما هي قائمة على مساعدات أهل الخير، بل تواجه عقبات وعراقيل حكومية حتى جرى إغلاقها تماماً عام 2012م، ومع انقطاع التعليم الإسلامي أقام بعض العلماء حلقات ليلية سرية في البيوت والمدارس، إلا أن شرطة حرس الحدود ودوريات الأمن داهمت تلك الحلقات، وأصدرت السلطات أمراً في 2 سبتمبر 2016م بإغلاق الحلقات، وتوعدت المخالفين بالعقاب.
عقبات مصنوعة
التعليم الرسمي، ويشمل التعليم الأساسي والتعليم العالي، فالأول يقصد به المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وإن توافر عدد كاف لمدارسه في المجتمعات الروهنجية، إلا أن تعيين المعلمين غير الناطقين بالروهنجية، وقلة المدرسين، والتمييز العنصري ضد أبناء المسلمين من قبل المدرسين والإداريين، وعدم الاهتمام بهم، من العقبات التي يواجهها الطالب الروهنجي.
وأما التعليم العالي، فلا توجد في ولاية آراكان إلا جامعة واحدة تدعى سيتوي، وبعض كليات العلوم المهنية مثل الهندسة والكمبيوتر وكذلك كلية تربية، ولكن أبناء المسلمين ممنوعون نهائياً من الدراسة فيها منذ عام 2012م.
في الأيام الماضية، كان هناك مجال لمواصلة الدراسة حتى الدراسات العليا والحصول على الدرجات العلمية العالية، والتخصص في المجالات العلمية المهنية، ولكن المسلمين الميانماريين بمن فيهم الروهنجيا اهتموا بالتجارة وكسب المعيشة أكثر من الاهتمام بالتعليم والتثقيف والتأهيل.
وعلى إثر الهجمة العسكرية في 25 أغسطس 2017م، ضد الروهنجيا، فر أكثر من 700 ألف منهم إلى حدود بنجلاديش وأقاموا في مخيمات متواضعة من البلاستيك والخيزران، وفي ذروة الأزمة كانت وفود قوافل الإغاثة تتزاحم بالمخيمات، لكن بمرور الوقت انخفض معدل المساعدات وتراجع تسليط الضوء الإعلامي على واقع سكان هذه المخيمات، وهنا برزت الاحتياجات الأساسية من طعام وتعليم على حد سواء.
وعن واقع التعليم بمخيمات الروهنجيا في بنجلاديش، التقينا بأحد القائمين على النشاط التعليمي للروهنجيا –رفض ذكر اسمه– أخبرنا بأن مئات الآلاف الفارين من آراكان يواجهون تحديات معيشية واجتماعية وصحية وأيضاً تعليمية، موضحاً أنه واجتهاداً من بعض المتطوعين، وبمساعدة من مؤسسات أممية وإنسانية؛ أقيم عدد من المدارس والكتاتيب لتحفيظ القرآن وتعليم القراءة والكتابة، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى التعليم الجيد من حيث توفير البيئة التعليمية الصحيحة من معلم متمكن وكتاب يدرسه ومكان مناسب يتعلم فيه.
ووفق تقرير أعده “المركز الروهنجي”، فإن عدد المدارس التي أقيمت بالمخيمات الـ11 بلغت 314 مدرسة، موزعة بين مخيمات بنجلاديش، يتردد عليها نحو 112 ألفاً من البنين، وحوالي 73 ألفاً من الفتيات، ويقوم بالتدريس فيها 776 معلماً، و164 معلمة، لكن تجدر الإشارة إلى أنها ليست مدارس بالمعنى المعروف، ولكنها أقرب للكتاتيب.
الغذاء أم الكتاب؟
من جانبه، يرى «ياسين أبو الخير»، داعية وناشط روهنجي، أن أبناء الروهنجيا بحاجة ماسة إلى التعليم أكثر من الغذاء، باعتبار أن الجهل مضيعة للعقيدة والقيم، وأشار إلى أن معظم الجمعيات والمؤسسات الخيرية تهتم بالجانب الإغاثي وتوزيع السلال الغذائية.
وكشف “أبو الخير” أنه في الوقت الذي ينصبّ اهتمام المؤسسات الخيرية المسلمة على توزيع الغذاء، وجدنا جمعيات وطوائف أجنبية يستأجرون قطعة أرض وسط كثافة سكانية بين اللاجئين على حسابهم الخاص، ثم ينصبون خياماً فيها بحجة العلاج المجاني أو الدعم، وبمرور الوقت اكتشفنا قيامهم بتوزيع كتيبات ومنشورات تنصيرية بين الهدايا والمأكولات.