توّجت الأرجنتين بكأس العالم لأول مرة في تاريخها بالنسخة الحادية عشرة من المونديال الذي استضافته بلاد التانجو عام 1978م، وشهدت هذه البطولة العديد من الأحداث والمفارقات التي لم تتكرر، وتخطّت في كثير من الأحيان الطابَع الرياضي البحت.
فقد امتزجت السياسة بالرياضة في هذه البطولة، وشكّك الكثيرون بفوز الأرجنتين على البيرو (6 – 0) في الدور نصف النهائي لبطولة كأس العالم 1978م، وبلغت المباراة النهائية، والتقت هولندا وتغلبت عليها ونالت الكأس.
بعد فوز الأرجنتين بتنظيم البطولة، وقبل بدء المباريات بعامين، حدث انقلاب عسكري في الأرجنتين بقيادة الجنرال «خورخي فيديلا»، قُتل على إثره الرجل المشرف على ملف استضافة المونديال «كارلوس عمر أكتيس»، وأرادت سلطة الانقلاب أن تجعل من كأس العالم دعاية مجّانية لحكمها.
وظنّ الجنرال «خورخي فيديلا» أن حصول بلاده على كأس العالم سيعزّز مكانة نظامه السياسي في العالم، لكن السحر انقلب على الساحر، إذ تعرّفت الصحافة العالمية على مشكلة الأرجنتين وما يعانيه شعبها، وبدأت بنشر الكثير من المقالات التي فضحت ما ارتكبه «فيديلا» من قمع وتعذيب وقتل بحقّ أبناء شعبه، ورضخ الأخير للضغوط الدولية أخيراً وأجرى إصلاحات في البلاد تنازل بها عن الحكم لاحقاً لصالح حكومة اختارها الشعب، فكانت كأس العالم بحق هي من أنقذ الشعب الأرجنتيني.
رشوة
في عام 2007م، كشف كتاب لمؤلف كولومبي أن أباه كان أحد زعماء عصابة شهيرة لتهريب المخدرات، وقد دفع رشوة مالية لدفع لاعبي البيرو لتعمد الهزيمة أمام الأرجنتين بستة أهداف.
ويروي كتاب «ابن لاعب الشطرنج – 2» للكولومبي “فرناندو رودريغيز موندراغون”، في جزئه الثاني، أن الأرجنتين احتاجت للفوز بستة أهداف تحديداً على البيرو التي كانت من القوى العظمى وقتها حتى تلاقي هولندا في النهائي، ويوضح الكتاب أن العصابة ذاتها عرضت ثلاثة ملايين دولار على النجم دييجو مارادونا للعب في فريق “أمريكا دي كالي” الكولومبي لمدة ستة أشهر في صفقة لم تتم، كما مولت جزءاً كبيراً من راتب المدرب الأرجنتيني “كارلوس بيلاردو” لقيادة المنتخب الكولومبي في بداية عقد الثمانينيات.
هذا الفوز الذي ضمن به أصحاب الأرض الوصول للمباراة النهائية، وتداول العديد من الروايات ووكالات الأنباء لاحقاً أن حكومة الأرجنتين اشترت الفوز على البيرو بهذه النتيجة، فنظام الانقلاب العسكري أراد أن تصل بلاده للمباراة النهائيّة عبر منح حكومة البيرو 35 ألف طن من الحبوب، إضافة إلى الإفراج عن ودائع بنكية محتجزة سابقاً بقيمة 50 ألف دولار، كذلك منحها بعض الأسلحة والمعدّات العسكريّة، وكان من ضمن الصفقة أيضاً المساومة على مصير معتقلين سياسيين بيروفيين محتجزين في الأرجنتين.
واتهم العديد من لاعبي المنتخب البيروفي بالتلاعب، لكن أشهرهم كان حارس المنتخب المولود في الأرجنتين “رامون كويروغا”، خاصة بعد أنباء عن وجود حسابات له في البنوك الأرجنتينية.
ولم يعرف العالم سر الكلمات التي قالها رئيس جمهورية الأرجنتين الجنرال “فيديلا” عقب فوز منتخب بلاده على البيرو إلا بعد 23 عاماً عندما قالت صحيفة «ليكيب» الفرنسية: إن الأرجنتين دفعت لبيرو (إداريين ولاعبين وشعباً) 50 مليون دولار، و35 ألف طن من الحبوب لتسهيل مهمتها في بلوغ المباراة النهائية.
وقال الجنرال “فيديلا”: «بفضل الشعب الأرجنتيني وحده تمكنا من الوصول إلى المباراة النهائية نعم؛ لأن الـ50 مليون دولار التي دفعت من أموال دافعي الضرائب، والـ35 ألف طن من الحبوب استقطعت من أفواه الشعب».
من جانبه، اعترف “سيزار مينوتي”، مدرب منتخب الأرجنتين الفائز بكأس العالم 1978م، أنه تم استغلاله خلال البطولة لخدمة مصالح الدكتاتورية العسكرية القائمة وقتها بزعامة “فيديلا”.
وفي عام 2008م؛ أي بعد 30 عاماً على البطولة، قال “مينوتي” خلال مقابلة مع صحيفة «كورييري دي لاسيرا» الإيطالية: «لقد تم استغلالي بالتأكيد، فاستغلال السلطة للرياضة ظاهرة قديمة قدم البشرية، ربما يكون الكلام سهلاً الآن حين أقول: إنني لن أقع في هذه اللعبة مجدداً».
وبعد 34 عاماً من الصمت، خرج سيناتور سابق بحكومة بيرو ليعترف أن بلاده تعمدت هزيمة منتخبها في مباراتها أمام الأرجنتين في نصف نهائي كأس العالم 1978م مقابل مساعدتها على التخلص من المعارضة.
وقال السيناتور “جينارو ليديسما إزكييتا” أمام القضاء الأرجنتيني: كان الدكتاتور السابق “خورخي فيديلا” يحتاج إلى الفوز بكأس العالم من أجل تحسين صورة الأرجنتين أمام العالم.
وأضاف: وافق “فيديلا” على طلب بيرو باستقبال مجموعة تضم 13 من المعارضين البيروفيين، بينهم أنا، للتخلص منهم مقابل الفوز في اللقاء، وأوضح أن الاتفاق كان يقضي بأن يتم إلقاء هؤلاء المعارضين من إحدى الطائرات كي لا يبقى أي أثر لهم، وهو ما كان النظام الأرجنتيني يفعله عادة مع معارضيه آنذاك!
وأشار إلى أن تلك النتيجة كانت مكافأة من الدكتاتور البيروفي “فرانسيسكو موراليس بيرموديز” للأرجنتين بعد إرسال المجموعة المعارضة إلى الأرجنتين.
في كل الأحوال، انتهت البطولة بفوز الأرجنتين على المنتخب الهولندي الذي شهد –بدوره- غياب أسطورة كرة القدم الهولندية “يوهان كرويف” عن منتخب بلاده بسبب -ما كشف عنه أخيراً- تلقيه تهديدات من مجهول بالاختطاف، ولم تمض إلا أربعة أيام حتى فازت الأرجنتين على هولندا بثلاثة أهداف، وتُوّجت بطلة العالم، في حضور أعضاء المجلس العسكري الحاكم في المدرجات.
كما غاب أبرز نجوم منتخب ألمانيا الغربية الفائز بنسخة عام 1974م عن المونديال لأسباب أمنية، وهم “جيرد مولر”، و”فرانز بيكنباور”، و”بول برايتنر”، وآخرون.
وهكذا يبقى مونديال 1978م رهن الأسئلة التي لم وربما لن تلقى الإجابات الشافية لها في ظل سطوع تتويج الأرجنتين بطلة للعالم في تلك السنة للمرة الأولى في تاريخها.