قال مدير مركز القدس الدولي د. حسن خاطر: إن شهر رمضان المبارك يعيد للقدس حيويتها والمسجد الأقصى عزته وكرامته، حيث يشكل المصلون الذين يتوافدون على “الأقصى” بكثافة أيام الشهر الكريم في صلوات الجمعة والتراويح والصلوات الخمس درعاً واقية من عمليات الاقتحام المستمرة من قبل المستوطنين اليومية، حيث تتوقف اقتحاماتهم طيلة الشهر الفضيل؛ نظراً لتدفق أنهار من المصلين إلى الأقصى للصلاة فيه.
تسلط “المجتمع” الضوء، في هذا الحوار، على أجواء رمضان بالقدس، وكيف يبدو المسجد الأقصى في الشهر الكريم، والعادات الرمضانية بالمدينة المقدسة.
في البداية، حدثنا عن أجواء الشهر الكريم بالقدس المحتلة التي لها طقوسها الإيمانية الخاصة، وخاصة بالمسجد الأقصى المبارك.
– رمضان الفضيل هو شهر القدس والمسجد الأقصى بامتياز، وهو الشهر الذي يعيد الاعتبار لـ«الأقصى» ومدينة القدس ولأسواقها وطرقها وأزقتها، ويعيد الحياة لها، حيث تعاني القدس من حصار جائر، فيمنع الاحتلال الفلسطينيين من دخول المدينة لمن تقل أعمارهم عن 50 عاماً، والمسجد يُغلق أمام المصلين على مدار العام من قبل هذا الاحتلال أو يتم التضييق عليهم، فيأتي شهر رمضان إنقاذاً للأقصى؛ حيث يتوافد عليه مئات الآلاف من المصلين في صلوات الجمعة والتراويح، فهو يعج بالمصلين ليلاً ونهاراً، ويقطع الطريق على المستوطنين من اقتحامه، فلا يكون هناك مجال لقطعان المستوطنين لدخول الأقصى وتدنيسه، وهو ما يعيد هوية وعزة وإسلامية الأقصى.
نلاحظ طقوساً خاصة برمضان في القدس وبلدتها القديمة، ما أهم هذه الطقوس؟
– بالنسبة للمدينة المقدسة، تشهد احتفالات مستمرة طيلة شهر رمضان المبارك، وتشهد أزقتها وشوارعها على ذلك من خلال فرق الأناشيد التي تجوب الشوارع، ويشارك فيها الجميع، وتكون القدس في أبهى صورها مقارنة ببقية أيام السنة من خلال الأضواء والمصابيح والرموز الخاصة برمضان، إضافة إلى أن هذا الشهر تكثر فيه أعمال الخير من خلال الموائد الرمضانية؛ لذلك فإن رمضان يعيد للمدينة المقدسة هويتها وعروبتها؛ وهذا ما يغيظ الاحتلال الذي يواصل مسلسل تهويد القدس وهدم منازل المقدسيين، حيث هدم منذ مطلع هذا العام نحو مائة منزل، إضافة إلى وضع مئات المنازل في القدس على قوائم الهدم.
تنتشر في القدس «التكيات» الرمضانية، وخيام الإفطار الجماعية، خاصة في ساحات المسجد الأقصى، حدّثنا عنها.
– هناك الكثير من الوسائل لإفطار الصائمين خلال رمضان في القدس، فعلى سبيل المثال؛ هناك «تكيات» تقدّم وجبات إفطار يومية للصائمين، منها تكية «خاصكي سلطان» الموجودة منذ العهد العثماني التي توزع إفطارات رمضانية على الفقراء في القدس بشكل واسع، وعلى المصلين، وهناك بعض الجمعيات الخيرية بدولة الكويت الشقيقة والدول العربية والإسلامية الأخرى التي تقيم إفطارات جماعية في باحات الأقصى وتقدمها مجاناً للصائمين، وهناك مسلمون من تركيا والهند وماليزيا وأفريقيا ممن يستطيعون الوصول للقدس يخدمون المصلين بالمسجد، هذا التنوع من الزائرين يشعرك بقيمة وهوية الأقصى، فهو لكل المسلمين العرب والأتراك والماليزيين والهنود والإندونيسيين وغيرهم من كل أرجاء المعمورة.
لماذا يشدد الاحتلال الصهيوني من إجراءاته الأمنية ضد القدس والأقصى خلال رمضان؟ هل يخاف من تدفق المصلين بمئات الآلاف؟
– يشكل تدفق جموع المصلين إلى الأقصى، على الرغم من إجراءات المنع والاعتقال والحواجز، كابوساً مرعباً للاحتلال حين يشاهد هذه الجموع من المسلمين وهي تشد الرحال للأقصى، حيث إن طائرات الاحتلال لا تفارق سماء القدس في رمضان، وتحلق فوق رؤوس المصلين بالأقصى على مدار الساعة؛ لأن الاحتلال يحسب ألف حساب لهذه الجموع، ويقوم بنشر الحواجز في كل زاوية وشارع بالقدس المحتلة حيث تجد المتاريس الحديدية، وتشاهد جنود الاحتلال مدججين بالسلاح ومنتشرين في كل مكان بالقدس يرقبون المارة ويقومون بتوقيفهم وتفتيشهم واعتقال بعضهم، ولكنَّ الأنهار البشرية التي تعبر القدس تجعل سلطات الاحتلال عاجزة وذليلة؛ لذلك هو شهر العزة والكرامة للقدس والمصلين؛ لأن القدس تعاني من الحصار والتهويد والاستيطان والتهجير.
حدثنا أكثر عن الجوانب الروحانية في المسجد الأقصى.
– نتمنى من الله سبحانه أن يحرر القدس من هذا الاحتلال الغاصب والمنتهك لهويتها وعروبتها، وأن يصل المسلمون جميعاً للأقصى ويصلّوا فيه، ولا أحد يستطيع وصف المشاعر حين تتجول في شوارع القدس وتشاهد تاريخ وحضارة هذه المدينة الإسلامية العريقة، وعلى أسوار الأقصى حيث ربط الرسول صلى الله عليه وسلم البراق في رحلة الإسراء والمعراج، الذي يعيش ويشاهد بنفسه يختلف عمن يسمع، لهذا يتكالب الاحتلال على المدينة لتهويدها وتزوير حضارتها، ومن أجل ذلك كل الذين يعرفون قيمة القدس الإيمانية والحضارية مستعدون للدفاع عنها بأرواحهم، القدس حضارة كاملة، وهي كبيرة في وجدان المسلمين وحيز التاريخ.
للقدس طعامها الخاص ورائحة كعكها الذي يحرص زوارها على تناوله، هلا حدثتنا عن ذلك؟
– وجبات الإفطار التي تقدم في باحات الأقصى بالساحة الشرقية متنوعة، هناك يتم وضع الموائد بأطعمتها المختلفة، وعلى مستوى البلدة القديمة، وهي مختلفة الأذواق، من شوربات وحلويات، ووجبة المسخن، فلشهر رمضان طعامه وشرابه الخاص، مثلاً ينتشر شراب العرق سوس، والتمر الهندي، هناك حضور مميز، والحضور الأكبر هو للعبادة، وشد الرحال إليها واجب.
هل ما زال المقدسيون يفطرون على صوت المدفع بالقدس، وكذلك المسحراتي؟
– تتلألأ الأضواء والمصابيح والزينات في شوارع القدس، ولا تزال المدينة متمسكة بتقليد الإفطار على صوت المدفع رغم الاحتلال، وهذا التقليد موجود منذ عهد الدولة العثمانية، له تقنية معينة، وله من يشرف عليه، وأيضاً المسحراتي يجوب شوارع القدس، وهو تقليد تاريخي حتى الآن كما هو موجود في القاهرة ودمشق وبلاد المسلمين المختلفة، وهي تحتفظ بهذه الصور التي ورثتها عن تاريخها القديم، بالنسبة للزيارات العائلية هناك عائلات تتبادل الإفطار يومياً، ومعظم الناس تجدهم لا يفطرون في مكان واحد على مدار الشهر، وهذا يكون بشكل متبادل، ربما تفطر العائلة أسبوعاً في بيتها وبقية الأيام عند الأصدقاء والأهل، وهذا يعكس الحفاوة بهذا الشهر الكريم.
كيف تنعكس معدلات الفقر والبطالة بالقدس على أجواء رمضان؟
– يريد الاحتلال الاستفراد بالمدينة المقدسة، والفقر الموجود بالقدس صناعة ممنهجة من قِبَل الاحتلال، وهي سياسة إفقار السكان، والقدس معروفة على مدار التاريخ بغناها، والاحتلال حطم العائلات الغنية بالغرامات المالية الباهظة؛ بهدف دفع المقدسيين للرحيل من أجل البحث عن لقمة العيش خارج المدينة، نسب الفقر في القدس وصلت إلى %80 وتكاليف المعيشة مرتفعة جداً، والبطالة منتشرة، فلم تحظَ القدس بالدعم المطلوب بعد، وعلى الأمة العربية والإسلامية دعم صمود المقدسيين في مواجهة الاحتلال الغاشم.