مرّة أخرى تعصف بتونس عمليات إرهابية في وقت يستعد فيه المواطنون لخوض ثالث استحقاق انتخابي منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987 – 2011).
توقيت تلك العمليات دفع كثيرين إلى اتهام أطراف إقليمية بالوقوف خلفها؛ خوفًا من استقرار التجربة الديمقراطية التونسية، عبر الانتخابات التشريعية والرئاسية، في 6 أكتوبر و17 نوفمبر المقبلين على التوالي.
ويقول محللان سياسيان لوكالة “الأناضول”: إن جهات أجنبية لا يروق لها أن تكون تونس نموذجًا يحتذى به عربيًا هي التي تقف وراء محاولة “إرباك” المسار الانتقالي.
بينما يرى محلل ثالث أن ذلك التحليل يتطلب إثباتًا وأدّلة، معتبرًا أن طرفًا آخر يستخدم تنظيم “داعش” الإرهابي لتأجيل الانتخابات.
وشهدت تونس ثلاث عمليات إرهابية متزامنة، منهما تفجيران انتحاريان تبناهما “داعش” استهدفا وسط العاصمة تونس، وأسفرا عن مقتل شرطي ومدنيين اثنين وإصابة خمسة عناصر الأمن ومدنيين آخرين.
وأعلنت الداخلية التونسية، الأربعاء، أن إرهابيًا مطلوبًا على خلفية تفجيرين انتحاريين، فجّر نفسه بإحدى ضواحي العاصمة، باستخدام حزام ناسف، أثناء إطلاق قوات الأمن النار عليه.
رسائل سياسيّة
وبهذا الخصوص، يرى جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري، أن العمليات التّي شهدتها تونس مؤخرًا فاشلة، رغم أن المناخ الذي وقعت فيه مربك للغاية، بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة، مقابل موسم سياحي واعد، وهذا أمر مريب.
ويضيف بن مبارك، بحسب “الأناضول”، أن الأحداث تتزامن مع الوعكة الصحية لرئيس الجمهورية الباجي قائد السّبسي، والمناخ السياسي المتوتر حول الانتخابات والدعوات إلى تأجيلها.. كما أن ما يحدث في ليبيا والجزائر والسودان واليمن ليس بمعزل عما يحدث في تونس”.
ويتابع: من بيده أدوات الإرهاب لديه رسائل سياسية يريد تبليغها.
ويشدد على أن تونس ليست بمعزل عن هذا المخطط، فهي الوحيدة التي بقيت صامدة، وهذا لا يروق لدول الاستبداد العربي التي استعانت بسياسيين وإعلاميين، وتشتغل منذ سنتين أو ثلاث وفق أجندة لإرباك المسار الانتقالي في تونس.
ويُنظر إلى تونس على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة بين دول عربية أطاحت ثورات شعبية بأنظمتها الحاكمة، بينها مصر واليمن وليبيا.
ويعتقد بن مبارك أن هذه الشبكة (الدول) تدرك أن انتخابات 2019 ستنقل تونس من مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى الاستقرار.
ويلفت إلى أن تلك الشبكة تخشى أن تترسّخ التجربة التونسية، وتحتذي بها شعوبها.
ويستدرك: إلا أن التجربة الديمقراطية ستتواصل وستزداد زخمًا.. الشعب والقوى الحية متفطنة لذلك، وهي محاولة ليست الأولى وتعود وتتكرر.. هناك فطنة كبيرة من الجزء الكبير من الشّعب التونسي.
ويرى بن مبارك أن من نفذ العمليات الإرهابيّة هم شّباب يتم غسل أدمغتهم في صلب المنظمات الإرهابية.
ويتابع: هم ينفذون العمليّات في إطار توجهاتهم الأيديولوجيّة، لكن الأوامر تأتي من خارج الحدود، فهم مجرد أداة.
ويرجح أن تكون الضربات القادمة بالطريقة نفسها.. مخابرات تلك تمتلك أذرعًا كي تنفذ وتربك الوضع أكثر في تونس.
أطراف إقليمية
فيما يقول الأمين البوعزيزي، وهو ناشط حقوقي تونسي: إن الأحداث لا تُفهم إلا في سياقها.. وأطراف إقليمية تحارب الديمقراطية التونسية، وتعتبر أن ثورات الربيع العربي هي مؤامرة وفوضى خلّاقة وربيع عبري.
كما يعرب عن اعتقاده أن هدف المتورطين في العمليات هو التشويش على الانتخابات القادمة، ومحاولة اللعب في هذا التوقيت لإجهاض المسار الانتخابي.
ويفسّر ذلك بـ”العداء للديمقراطية في تونس، فهي تعتبر بالنسبة لهم شاذة في غابة من التوحش الاستبدادي العربي”.
ويشدد البوعزيزي على أن الثورة في تونس باقية ودؤوبة ولها أنصار وأعداء.
ويضيف: “هم (من يستهدفون تونس) لم ولن ييأسوا، لكن ما انتظروه لم يحصل، بفضل وحد الصف التونسي (..) وهذا يحصل في تونس لأول مرة منذ الثورة”.
من يحرك “داعش”؟
أما باسل الترجمان، وهو محلل سياسي تونسي، فيذهب إلى أن من يريد أن يتهم أي دولة عليه أن يثبت ذلك.
ويقول الترجمان لـ”الأناضول”: نعرف من تورط في نقل الإرهابيين، ومن ينقلهم حاليًا، ومن جعل عاصمته عاصمًة للجماعات (الإرهابية).
ويلفت إلى أن هذا المخطط الداعشي جاء بعد أربع سنوات من عمليّة إرهابية ضربت (مدينة) سوسة (شرقي تونس)، وأودت بحياة عشرات السياح.
ويتابع: واليوم تستخدم الجماعات الإرهابية الذّكرى والتاريخ للتأكد من أنها لم تتزحزح عن رؤيتها ومنهجيتها في ضرب أمن واستقرار تونس.
ويرى أن هناك متغيرات إقليمية خطيرة متمثلة أساسًا في عودة مئات الإرهابيين من “داعش” و”جبهة النصرة” ووضعهم في الغرب الليبي وتحالفهم المكشوف مع حكومة فائز السراج (معترف بها دوليًا)، ومقتل عشرات منهم في معارك بليبيا، على حد قوله.
ويعتبر أن “هؤلاء يستغلون عودتهم لتنفيذ مخطط لضرب أمن واستقرار تونس.. والسؤال هو: من الذي سهّل لهم مغادرة معاقل “داعش” شمالي سورية والانتقال إلى طرابلس ومصراته وغيرهما؟”، وفق تعبيره.
ويرى الترجمان أن “داعمي الإسلام المتطرف في شمال أفريقيا هم المسؤول الأول عن الإرهاب”.
ويختم بأن “أطراف مرتبطة بالإسلام السياسي (لم يحددها) سعت إلى تأجيل الانتخابات في تونس.. تلك الأطراف تخشى الهزيمة في الانتخابات، ولم تستطع أن تقنع الأطراف الأخرى بمصداقيتها في العمليات الديمقراطيّة”.