باحثون وخبراء لـ “المجتمع”: لا يمكن أن تحل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين مكان المحكمة الدستورية
فشل مجلس نواب الشعب، التونسي ( البرلمان ) للمرة السابعة في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية يوم الاربعاء 10 يوليو، وقد مرت 5 سنوات بعد المصادقة على الدستور، ولا تزال البلاد بدون محكمة دستورية، رغم أن الدستور قد نص على إقامتها بعد عام من إجراء الانتخابات على أقصى تقدير، وهو ما يعني مرور ثلاثة سنوات ونصف السنة دون أن ترى المحكمة الدستورية النور. وذلك بسبب الخلافات بين الكتل، وتراجع البعض عن توافقات سابقة ولا سيما توافقات مارس 2018م، وفشلت 7 جلسات انتخابية في تحقيق توافق بين كتل وأعضاء المجلس حيث يشترط القانون موافقة 145 نائباً على أعضاء المحكمة الدستورية الأربعة المخوّل لمجلس نواب الشعب انتخابهم، في حين يختار المجلس الأعلى للقضاء 4 آخرين ويعيّن رئيس الجمهورية بقية الأعضاء الأربعة، ليكتمل النصاب ب 12 عضوا يختارون رئيس المحكمة الدستورية.
وقد ظهرت بعض المقترحات منها قيام “الهيئة الوقتية للنظر في دستورية مشاريع القوانين”، بمهام المحكمة الدستورية، أو حذف كلمة ” تباعاً ” من نص قانون المحكمة الدستورية الذي ينص على انتخاب 4 أعضاء من قبل مجلس نواب الشعب، و4 يعينهم رئيس الجمهورية و4 يختارهم المجلس الأعلى للقضاء.
تنقيح القانون
إلى ذلك نفى أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، امكانية قيام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، لأن مسؤولياتها محددة بالقانون، ولا يمكن إضافة مهام المحكمة الدستورية إليها.
وقال في تصريحات خاصة بـ ” المجتمع”: “هذه من الحلول “الترقيعية” التي يحاول البعض، من خلالها إعطاء صلاحيات المحكمة الدستورية إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، بينما الدستور كان واضحاً في تحديد صلاحيات المحكمة الدستورية، وصلاحيات الهيئة الوقتية التي تحمل صفة عدم الاستمرار، و نحن لا نريد أن ندخل في متاهات من هذا القبيل، تكون مسيئة لتجربة الانتقال الديمقراطي”.
وأعرب محفوظ عن تأييده لاقتراح، تعديل القانون الخاص بالمحكمة الدستورية، بحذف كلمة “تباعاً” أي مجلس نواب الشعب ثم المجلس الأعلى للقضاء ثم رئيس الجمهورية، ليتسنى لرئيس الجمهورية، والمجلس الأعلى للقضاء، “تعيين الأعضاء الثمانية، يضاف إليهم العضو المنتخب من قبل مجلس نواب الشعب، وبذلك يمكن للأعضاء التسعة القيام بمهام المحكمة الدستورية”.
وتابع: “علوية الدستور، والنظام الديمقراطي، وعلوية الحقوق والحريات، تحتاج إلى المحكمة الدستورية”.. وأن” الحل كما يقول محفوظ يكمن في حذف كلمة تباعاً من نص قانون المحكمة الدستورية، وبذلك نحصل على محكمة دستورية في أقرب الآجال”.
وينص قانون المحكمة الدستورية، على أن ينتخب مجلس نواب الشعب4 أعضاء ثم المجلس الأعلى للقضاء 4، ثم رئيس الجمهورية 4، تباعاً، وبحذف كلمة “تباعا” يتحرر المجلس الأعلى للقضاء ويتحرر رئيس الجمهورية، ويمكن لهما في هذه الحالة انتخاب ثمانية أعضاء ويضاف إليهم عضو مجلس نواب الشعب المنتخب حالياً (روضة الورسيغني)، وبذلك يمكن إقامة المحكمة الدستورية وممارسة مهامها، بتسعة أعضاء.
حل ولكن
بدورها قالت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي لـ “المجتمع”: إن “مقترح قيام الهيئة الوقتية لمراقبة القوانين بمهام المحكمة الدستورية، غير دستوري، وغير قانوني، ولا يمكن لهيئة أنشئت لغرض بصفة مؤقتة أن تقوم مقام هيئة دستورية قارة”.
وتابعت: “هذا الموضوع لا يقف على أرض صلبة من الناحيتين الدستورية والقانونية”.
وأيدت القليبي مقترح حذف كلمة ” تباعاً” من نص القانون ، ليتسنى لرئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء تعيين 8 أعضاء. بيد أن القليبي، ترى في قيام المحكمة الدستورية بتسعة أعضاء فقط تشويه للمحكمة وللقيمة الرمزية والقانونية لها، حيث يجب أن تكون مكتملة ليختار الأعضاء من بينهم رئيسها. ودعت القليبي مجلس نواب الشعب، لاستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية حتى تكون في الصورة التي وضعها الدستور والقانون الخاص بها.
اشكالات وآمال
وأشار مقرر الدستور وعضو مجلس نواب الشعب حبيب خذر (حركة النهضة)، في حديث لـ ” المجتمع ” إلى أن “مقترح قيام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، كان مقترحاً في إطار ظرف معين، وكان هناك إلحاح شديد فرضه وضع معيّن يتعلّق بفرضية، في غياب المحكمة الدستورية”.
واستدرك: ” لكن من حيث المبدأ، وإذا تحدثنا بصفة عامة، فإن المقترح لا يستقيم مع المطلوب، من حيث قيام الهيئة الوقتية بمهام المحكمة الدستورية، لأنها محكمة دستورية وقتية، والروح العامة للنص الدستوري، لا تقر بذلك، ويبقى الحل في استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، بكامل تركيبتها، من قبل أعضاء مجلس نواب الشعب، والمجلس الأعلى للقضاء، ورئيس الجمهورية”.
وتابع، “هناك إشكال في تركيز المحكمة الدستورية، وهناك تجاوز للآجال الدستورية المقررة لإرساء المحكمة الدستورية، وكان من المنتظر تمكّن مجلس نواب الشعب، من رفع التحدي والقيام بالواجب المحمول عليهم، وهو انتخاب 4 أعضاء للمحكمة الدستورية، وللأسف لم يفلح أي من المترشحين الثلاثة المتبقين في نيل ثقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب”.
ويعود ذلك وفق حذر، إلى “عدم التزام البعض بالتعهدات السابقة، والتوافقات التي تمت، علاوة على أن المجلس أصبح يشكو نقصاً في عدد الحضور، وهو ما ساهم في تواصل هذا التحدي الذي يواجه المجلس.
وأفاد خذر بأن المحاولات مستمرة لاستكمال انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين”.
واستطرد قائلاً:” لا يمكن تجاوز هذا التحدي إلا بالحرص على توافقات تعطي الأولوية للمصلحة الوطنية، والتغاضي عن الاعتبارات الشخصية أو عدم رفع الفيتو في وجه هذا الشخص أو ذاك”.
وشدّد على أهمية استكمال كامل أعضاء المحكمة الدستورية.
وقال: “في سنة 2014م إبان حكم مهدي جمعة، تقدمنا باقتراح لتعديل القانون بحيث يمكن تزامن انتخاب المجلس لأربعة أعضاء مع اختيار المجلس الأعلى للقضاء لأربعة آخرين، وتعيين رئيس الجمهورية للأربعة المتبقين، ولكن لم نلق آذانا صاغية”.
وأضاف: ” اقتراح حذف كلمة” تباعاً” غير ممكن في صيغته لأنه يجب أن تبدأ المحكمة بأعضائها الاثنا عشرة، ويختار من بينهم رئيس المحكمة”.
لا علاقة للمحكمة بالانتخابات
وأكد على أن “المحكمة الدستورية، لا دخل لها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ولا يمكن أن يؤثر عدم انتخابها على الانتخابات”.
وواصل قائلاً: “من يطرح قضية المحكمة الدستورية على أن لها علاقة بالاستحقاقات الانتخابية يكون مخطئاً”.
وأوضح بأن “العملية الانتخابية تجرى من خلال عدة أطراف في طليعتها هيئة الانتخابات، أما الحسم في الخلافات الانتخابية فهو من مشمولات المحكمة الإدارية”.
وواصل:” قد أجرينا العديد من الانتخابات في غياب المحكمة الدستورية، ولكن من الناحية السياسية يكون من الأفضل إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال”.
وبخصوص مرور 5 سنوات على سن الدستور، وانتظار التونسيين أكثر من ثلاثة سنوات ونصف السنة ( بعد الانتخابات ) دون أن يؤثر غياب المحكمة الدستورية على مجمل الأوضاع، وطرح البعض تأجيلها إلى 2020م حيث سيكون هناك رئيس جديد وبرلمان جديد، أفاد خذر بأن” إرساء المحكمة الدستورية ركن أساسي، في دولة المؤسسات كما قررها دستور الثورة، وبالتالي فالمصلحة الوطنية في وجود هذه المؤسسات، ونحن نحرص كل الحرص على تركيز المؤسسات الدستورية، دون أي حسابات ضيقة”.