بينما ما زالت تركيا تواصل عملية المخلب شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني، فقد هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية ضد وحدات الحماية الكردية السورية في حال لم يتم إنشاء منطقة آمنة شمال سورية، وفي حال تواصلت التهديدات ضد أمنها.
في الحقيقة لا يوجد انفصال بالنسبة لتركيا بين وحدات الحماية وحزب العمال، حيث تعتبر تركيا أن وحدات الحماية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني، وهي بمثابة تهديد على الأمن القومي التركي، وأن أي كيان تنشئه وحدات الحماية التركية هو مقدمة لتقسيم تركيا وخطر على وحدة أراضيها؛ ولذلك هي مستعدة حتى لتحدي الولايات المتحدة في هذا الأمر.
كانت آخر عملية قامت بها تركيا ضد وحدات الحماية في ربيع 2018م، حيث انتزعت منهم مدينة عفرين، وقبلها نفذت في عام 2016م عملية “درع الفرات” التي استطاعت بموجبها أن تنتزع مجموعة من الأراضي من وحدات الحماية.
وبالإضافة إلى هدف تركيا الأمني في المنطقة ضد وحدات الحماية، فهي تريد تطهير المنطقة لتجهيزها لعودة عدد من اللاجئين السوريين الذين بدأ يتم التعامل معهم كعبء في المرحلة الأخيرة في تركيا.
مشكلة تركيا أن وحدات الحماية تقع في قلب الإستراتيجية الأمريكية في سورية، حيث تريد واشنطن أن تصل لتفاهم مع تركيا مع بقاء اعتمادها على وحدات الحماية كقوات برية في المنطقة، وكأداة ضد تركيا وإيران، ولهذا عقدت جولات عديدة من المباحثات بين الجانبين الأمريكي والتركي، ورفضت تركيا كافة العروض الأمريكية السابقة؛ لأنها تقر بقاء وحدات الحماية، ولكن حالياً يدور الحديث عن تقديم عرض أخير من الأمريكيين إلى تركيا.
وقد كشفت صحيفة أمريكية أن العرض سيشمل عملية عسكرية مشتركة بين الجانبين لتأمين منطقة عازلة جنوبي الحدود التركية السورية بعمق 14 كيلومتراً، وبطول 14 كيلومتراً، سينسحب منها المقاتلون الأكراد، كما ستقوم القوات الأمريكية والجيش التركي بتدمير التحصينات الكردية، وتسيير دوريات مشتركة في المنطقة، وقد سبق أن رفضت تركيا عرضاً مماثلاً، وأصرت على مسافة بعرض 35 كيلومتراً، وينسجم هذا الموقف مع التهديد الحالي من الرئيس أردوغان الذي قال: إن بلاده “لا يمكن أن تظل صامتة مع استمرار الضربات الاستفزازية التي تأتيها من منطقة شرق الفرات”، مضيفاً أن لصبر تركيا حدوداً، “قمنا بعمليات في عفرين وجرابلس والباب (محافظة حلب)، والآن سنقوم بعملية شرق نهر الفرات في سورية”.
المختلف هذه المرة أن واشنطن أقنعت وحدات الحماية الكردية وتحاول إقناع تركيا عبر تخويفها بالبديل، وهو سيطرة روسيا والنظام على هذه المنطقة، وكما يرى البروفيسور برهان الدين ضوران أن الأمريكيين يحاولون اللعب على وتر أن توقف قوات حزب العمال عملها ضد تركيا في داخل أراضي الأخيرة، وذلك بهدف أن تكون وكيلة بالنيابة عن الأمريكيين في سورية تستخدمها ضد إيران وروسيا وتركيا.
ولكن ما فشل الأمريكيون في إدراكه هو درجة التهديد الذي تشكله وحدات الحماية على تركيا شمال سورية على المدى المتوسط والبعيد، بمعنى أن تركيا لن تقبل بوجود أو كيان يهددها على المدى البعيد، ولكن على الجهة الأخرى، يفيد هذا الأمر بأن تركيا قد تقبل بحل ما على المدى القريب، خاصة وأنها غير راغبة في تصعيد الخلاف مع الولايات المتحدة خاصة بعد أزمة منظومة “إس 400” الروسية والخلافات المتوقعة شرق المتوسط.
إن قبول تركيا بحل ما على المدى القريب شرق الفرات يعتمد على ما ستقدمه واشنطن في المباحثات وهو الأمر الأكثر ترجيحاً، ولكن مع ذلك يبقى استعداد تركيا لاحتمال فشل المباحثات بضربة عسكرية على وحدات الحماية وبتحدٍّ للإرادة الأمريكية.