أثمرت المظاهرات والاحتجاجات الشعبية بمصر في الضغط على السلطة للتراجع عن قيود اقتصادية أرهقت الفئات الفقيرة والمتوسطة، وإطلاق سراح بعض المعتقلين، وتغيير لغة السلطة وإعلامها إلى المطالبة بإصلاحات سياسية ومزيد من الحريات.
وجاءت هذه التطورات لامتصاص أسباب وتداعيات احتجاجات 20 سبتمبر الماضي، والتخفيف من العداء الرسمي لكل القوى السياسية بما فيها من تحالفت مع النظام الحالي، وتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الطبقات المطحونة.
تمثلت أبرز هذه الخطوات في التراجع عن حذف 1.8 مليون مصري من الدعم التمويني، وإطلاق سراح بعض معتقلي المظاهرات الأخيرة، ودعوة سياسيين وإعلاميين موالين للنظام ويتحدثون باسمه، لوقف استهداف السياسيين ممن دعموا انقلاب 30 يونيو، وإطلاق مزيد من الحريات الصحفية.
خطوات التراجع
تمثلت أولى خطوات التراجع في طمأنة الرئيس السيسي المصريين المدرجين بمنظومة الدعم التمويني، بأنه يتابع إجراءات تنقية البطاقات بنفسه، وكتب عبر صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك”: “أتفهم موقف المواطنين الذين تأثروا سلبًا ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية وحذف بعض المستحقين منها”.
وأعقب هذا إعلان علي مصيلحي، وزير التموين، في تصريحات صحفية، أنه تم إلغاء حذف مليون و800 ألف فرد من بطاقات تموين صرف السلع المدعمة تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي.
الحكومة المصرية تعيد 1.8 مليون شخص إلى برنامج الدعم التمويني تنفيذا لقرار رئاسي ، ورئيس البرلمان يقول أن الفترة المقبلة ستشهد إصلاحات سياسية وإعلامية وحزبية ـ شكرا #محمد_علي ، شكرا لآلاف المواطنين المجهولين الذين اقتحموا الميادين والخطر وأقلقوا الفرعون ، على راسي والله جميلكم
— جمال سلطان (@GamalSultan1) October 1, 2019
وقد تحدث رئيس مجلس النواب المصري عن أن الفترة المقبلة ستشهد إصلاحات سياسية وحزبية وإعلامية، والمعارضة جزء من النظام.
وعاتب نواب برلمان موالون للسلطة، على غير المعتاد، الحكومة، وطالبوها بـ”عقد مصالحة وطنية مع الشعب المصري”، وطالب النائب مصطفي بكري بـ”إيقاف الحرب ضد من يقول رأيه”.
النهاردة رئيس المجلس النواب وبعض النواب شدوا على الحكومة وشكلهم ناويين يشيلوهم الشيلة، الموقف فكرني بالمشهد ده https://t.co/DxBDnwVpb5
— Hisham Kassem (@hishamkassem) October 1, 2019
واعترف المذيع عمرو أديب أن من متظاهري سبتمبر المعتقلين “ناساً كان عندها غضب من مشاكل اقتصادية”، وأضاف في برنامج عبر فضائية “إم بي سي مصر”، مساء الإثنين: “الناس دي ستأخذ عيون الدولة الفترة الجاية”، في إشارة للاهتمام بمشكلات هؤلاء المصريين الاقتصادية.
إطلاق سراح بعض المعتقلين
وضمن خطوات التراجع، قال المحاميان خالد علي، وطارق العوضي: إنه تم الإفراج فعلياً عن عدد من المقبوض عليهم ممن لم يتم عرضهم على النيابات في محافظات (السويس، الدقهلية، الإسكندرية، البحيرة، دمياط، مطروح) وأبلغهم الأهالي بذلك.
وأعلنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن قوات الأمن أطلقت سراح مجموعة كبيرة ممن تم القبض عليهم في مظاهرات 20 سبتمبر، وجمعة 27 سبتمبر، دون تحرير محضر أو عرضهم على جهات التحقيق.
دعوات إصلاح ذاتية
وقد بدأت أصوات صحفية في الحديث عن ضرورة حدوث بعض التغييرات في المشهد السياسي والإعلامي، والدعوة لمزيد من الحريات، كي ينافس الإعلام المصري الموجه قنوات مثل “الجزيرة”.
وكتب رئيس تحرير صحيفة «الشروق» عماد الدين حسين، المقرب من السلطة، في عموده اليومي، عن «خطورة غياب السياسة» وضرب القوى المدنية، وانتقد الحكومة الحالية لأنها “لا تترك الأحزاب تمارس عملها بصورة طبيعية”.
وعاد رئيس تحرير “الشروق” ليطالب بتشكيل “لجنة لتقصى حقائق ما حدث”، ويطالب أجهزة الدولة المختلفة باستخلاص “الدروس والعبر الصحيحة، بحيث نرمم ونصلح ونعالج ما يحتاج إلى الترميم والإصلاح والعلاج”.
وحذر حسين من الاستسهال واعتباره ما جرى من مظاهرات “من تدبير وتنفيذ الإخوان والمتآمرين والمتربصين فقط!”، بحسب زعمه، مؤكداً أن “قطاعات أخرى مختلفة شاركت في التظاهر”، وأنها (المظاهرات) “قابلة للتكرار”.
#مقالات_الشروق| عماد الدين حسين يكتب:
لجنة لتقصى حقائق ما حدث• الإخوان يحرصون على التظاهر والعنف منذ أول يوم لخروجهم من السلطة، فلماذا فشلوا فى كل مرة، ونجحوا هذه المرة، رغم التقارير المتعددة التى تقول إنهم فى حالة تراجع كامل؟!https://t.co/gnVVVEX01v pic.twitter.com/4IvCyb4pFx
— Shorouk News (@Shorouk_News) October 1, 2019
وتحدث رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» ياسر رزق، المقرب من الرئيس السيسي، عن أنه “لا بد من مزيد من الحريات للكتلة الوطنية المنضوية تحت لواء 30 يونيو”، و”لا حرية لأعداء الحرية»، بحسب تعبيره.
وقال رزق: من الخطأ الجسيم إقصاء أي فصيل ممَن شارك في التحالف بين السيسي والأحزاب والقوى السياسية، خاصة قوى جبهة الإنقاذ، وانتقد القبض على حزبيين في قضية «تحالف الأمل» قائلاً: إنه “خطأ ولصالح مَن! و”ما ينفعش” تفتح على نفسك كل الجبهات، وكفاية جبهة الإخوان المسلمين”.
وتابع: “مطلوب اتساع المساحة لحرية الرأي والتعبير وهي عماد الإصلاح السياسي وهو ما بصدد القيام به الرئيس في الفترة المقبلة كما أظن وأتوقع”.
وقال مصطفى بكري، البرلماني مقرب من النظام، عبر حسابه بـ”تويتر”: “من المؤكد أن شعبنا العظيم يواجه مشكلات عديدة ويئن من الأوضاع والظروف الاقتصادية، ومن المؤكد أن النخبة تسعى إلى تحقيق الإصلاح السياسي وحان الوقت لذلك”.
القمع لا يزال مستمراً
وبرغم رصد نشطاء وسياسيين مصريين هذا التراجع من قبل السلطات، واعتبروه نتاجاً ونجاحاً لحملة المقاول والممثل محمد علي، فإن القمع ما زال مستمراً.
حيث قال المحلل السياسي عمرو خليفة: إن هذه “محاولات من النظام لامتصاص الغضب العارم المنتشر”.
بعد حراك ١٠ أيام فقط.
محاولات من النظام لإمتصاص الغضب العارم المنتشر.
لكن كما يقول الأمريكان " too little too late"#نازلين_الساعه_تلاته pic.twitter.com/C0xpCRIsxS— Amr Khalifa (@Cairo67Unedited) October 1, 2019
وقال القاضي المصري وليد شرابي: إن التراجع الذي أبدته السلطة فيما يخص إعادة الدعم لـ1.8 مليون مصري والحديث عن إصلاحات جاء بعدما بدأ الشارع يتحرك ضدهم.
اليوم أعاد #السيسي الحق لمليون و ٨٠٠ الف مواطن في الدعم للمواد التموينية كان قد حرمهم منه
هذا لم بإرادته لكن ماردا بدأ يتحرك في الشارع يحرق صوره ويسبه وأهله فبدأ المرتجف يسعى إلى تسكينه .— Waleed Sharaby (@waleedsharaby) October 1, 2019
ورغم حديث الإصلاحات، استمرت عمليات البطش بأصحاب الرأي، فعقب نشر الصحفي أسامة الشاذلي وقائع فساد عن “إعلام المصريين” التابعة للمخابرات، ردت الشركة باتهامه في بلاغ رسمي وذهبت الشرطة لاعتقاله من منزله.
https://twitter.com/Usamashazly/status/1178993710048174080
أيضاً اشتكي العشرات من النشطاء على “تويتر” من تعليق حساباتهم وغلقها من مكتب “تويتر” بالشرق الأوسط في دبي، بالتزامن مع دعوة المقاول محمد علي لمظاهرات جديدة الثلاثاء الماضي.
الأمس تعرضت العديد من الحسابات المصريه المعارضة للسيسي للإغلاق من مكتب تويتر بالشرق الأوسط في دبي.
المرجح بنسبه عاليه إن هذا الهجوم الممنهج كان أيضاً مسيس.
لو تم إغلاق حسابك الأمس فقط الأسباب تعتقدها سياسيه اعطني إسم الحساب القديم. سيتم التواصل مع إدارة تويتر#نازلين_الساعه_تلاته— Amr Khalifa (@Cairo67Unedited) October 1, 2019