تجاذباتٌ كثيرةٌ تلك التي تجري في الأروقة الداخلية والمساحات الإعلامية والسياسة حول هوية الأجيال الجديدة من مسلمي أوروبا، وتلك التدافعات نشهدها كذلك في أوساط المسلمين أنفسهم، ولا زال السؤال الكبير عالقا ولم يجد له كثيرٌ من مسلمي أوروبا جوابا كافيا شافيا دقيقا، وهو: من نحن؟ وماذا نريد؟ وما علاقتنا بالمجتمع والعالم من حولنا؟ وبداية نقول: لا يصح أن يفرض علينا أحد جوابا محددا ليقول لنا من أنتم؟ وماذا عليكم أن تفعلوا؟ ولا يبقى إلا الحوار سبيلاً وحيداً للتفاهم والوصول إلى قناعات راسخة تحقق الخير لمكونات المجتمع. غير أن الحق يضيع بين الإفراط والتفريط، والحقيقة تغيب وسط الزحام، ونريد هنا أن نقدم مقاربة موجزة حول تعريفنا بأنفسنا، من نحن؟ وماذا نريد؟ وما علاقتنا بالمجتمع والعالم؟
من نحن؟
1- مسلمون أوروبيون ننتمي للإسلام دينا، ونهتدى بأنوار القرآن العظيم الذي يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والصدق والأمانة والتعارف بين الناس، وينهى عن الظلم والكراهية وقطع الأرحام، ونَتَلَمَّس خطى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
2- مسلمون أوروبيون نحب أوطاننا التي نعيش فيها، ونحب لها الخير والرفعة والنهضة، ونسعى بكل سبيل لتحقيق قيم التعايش والتعددية والمواطنة والانفتاح على جميع مكونات المجتمع الأوروبي.
مسلمون أوروبيون نؤمن بأن أحكام الإسلام فيها الأحكام الثابتة المستقرة القطعية التي لا تتغير وفقا لتغير الزمان أو المكان أو الأحوال أو الأعراف أو المصالح، ومصدر هذه الأحكام نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة
3- نؤمن أن التنوع الذي يَنْعم به المجتمع الأوروبي في الألوان واللغات واللهجات والأعراق والثقافات هو مصدر قوة وثراء، ونراه أجمل من لوحة فسيفسائية، ولا غرو فإنَّ صورة الاختلاف بين الناس إنما هي الوجه الآخر لجمال صنع الله في الكون حيث يبدو الكون جميلا في تنوعه، متنوعا في جماله. وإنك لترى في مشهد واحد لوحة فنية بديعة، ترى جبالاً وأنهارا وأرضاً وودياناً، وبحاراً وأزهاراً وجناتٍ من أعنابٍ وزرعٍ ونخيلٍ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)} (سورة فاطر). وهذا التنوع الكائن في خلق الناس أشار إليه القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم: 22).
4- مسلمون أوروبيون نؤمن بأخوتنا الإسلامية وأننا أمةٌ واحدةٌ وجسدٌ واحدٌ كما أراد الله تعالى، وعلَّمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الأخوة فوق الانتماء للأعراق؛ فالمسلمون كلهم أخوة في الدين، والرابطة الإيمانية أقوى الروابط، {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92). {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يَظلمه ولا يُسلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة” (رواه البخاري ومسلم).
5- لا نرى تعارضاً بين تعدد الانتماءات للوطن الأوروبي مولداً أو إقامةً وبين محبة أوطان الآباء والمحافظة على ما ينفع الناس من عاداتها وثقافتها وتراثها.
6- نؤمن برسالة الإسلام العالمية التي تخاطب كل البشر فهي رسالة لكل زمان وكل مكان، وقد أعلن القرآن الكريم عن هذا البُعد العالمي منذ أول نزوله في مكة، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28). ونرى أن الإسلام أضاف إلى الإنسانية الكثير والكثير، وما زال العالم بحاجة إلى رؤية الإسلام في كثير من القضايا، ولا ريب فقد جاء برسالة تُكمل طريقا دَرَجَ عليه النبيون من قبله، ووجد رصيدا من ميراث الوحى كامنا في نفوس الناس فبنى عليه، وأتمَّ النقص، وسدَّ الخلل، وقوَّم ما اعوجَّ، وأصلح ما فسد، وعمَّر ما خرب، ورفع ما وُضع، وَوَضَعَ ما لم يستحق إعلاؤه، وقال معبرا عن ذلك صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. إننا نفهم الإسلام أنه رسالة تدعو إلى الشراكة والالتقاء على المصالح التي تنفع الناس وتصلح الكون، دون تهميش أو إقصاء لأحد.
7- مسلمون أوروبيون نؤمن بأن أحكام الإسلام فيها الأحكام الثابتة المستقرة القطعية التي لا تتغير وفقا لتغير الزمان أو المكان أو الأحوال أو الأعراف أو المصالح، ومصدر هذه الأحكام نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والإجماع والقياس. وأحكام اجتهادية تختلف فيها أنظار الفقهاء وفقا لتعدد الأفهام في فهم النصوص الظنية، وتعدد المدارس الفقهية، ونعتبر أن هذا من الثراء الفقهي والفكري، وهو من أعظم معالم الإسلام، ومن دلائل حَفْز العقول للتفكر والتأمل والاجتهاد فيما يستجد للبشر في حياتهم، حاضرا ومستقبلا.
8- مسلمون أوروبيون نؤمن بأن هذا العالم سفينة كبيرة ضخمة ونحن نستقلها ونسير بها، وعليه فإن مسؤولية أمنها وسلامتها مسؤولية مشتركة، وهذا الكوكب الذي نسكنه يجب أن نحميه مما يهدده من أخطار التلوث والعبث بخيراته.
9- نؤمن بحق كل إنسان في الوجود، وأن يختار ما يؤمن به، ويحدد طريقة عيشه في الحياة، ونرفض كل صور الإكراه، وآية من القرآن يتلألأ منها نور الحرية هي هادية لنا: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256).
10- نؤمن أن الاختلاف في العقيدة لا يجوز أن يكون عاملا من عوامل الصراع والنزاع والكراهية بين الناس، كما نؤكد أن ما يجمع بين بني آدم حول العالم أكثر بكثير مما يُفرقهم، وأن التحديات التي تواجه الإنسان في عصرنا من الأمراض النفسية والروحية والحروب والمجاعات وقضايا الشباب والأسرة تستوجب التعاون المشترك وتوحيد الجهود. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
* رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا، والمقال منقول من مدونات الجزيرة.