في أبريل 1997م، تلقيت دعوة كريمة من العم الراحل عبدالله علي المطوع، رحمه الله وغفر له، رئيس مجلس إدارتي جمعية الإصلاح الاجتماعي ومجلة «المجتمع»، تمهيداً لتولي مسؤولية إدارة تحرير المجلة.
ورغم أني لم أكن أفكر بالسفر خارج مصر آنذاك، فإني قبلت بالفكرة، فقد كانت «المجتمع» أكثر المجلات الإسلامية انتشاراً وانتظاماً في الصدور، وهي تعبر عن الدعوة الإسلامية الصحيحة ومنهاجها السليم، وتهتم بشؤون المسلمين في كل مكان، ولم تكن قضايا العالم الإسلامي، والقضايا الدولية بشكل عام، بعيدة عن اهتماماتي بحكم دراستي للعلوم السياسية وعملي في الإذاعة والصحافة بعد التخرج في الجامعة.
في ذلك الوقت كانت جراح الغزو العراقي للكويت لم تندمل بعد، وصدام حسين لا يزال في السلطة، والتهديدات العراقية للكويت تتكرر، واستمرت الحال كذلك حتى الغزو الأمريكي للعراق، تحت حجج اعترف كبار المسؤولين الأمريكيين فيما بعد بأنها كانت غير صحيحة.. وهذه الأمور خلقت ردود فعل متباينة، لدرجة أن البعض لا يريد أن يقرأ أي حديث عمن دفع صدام لاحتلال الكويت، أو المطامع الدولية في ثروات المنطقة والمؤامرات الرامية لاستنزاف تلك الثروات، وأن الرغبة في إزاحة صدام وحزبه البعثي لا تكون على حساب تدمير العراق.
وكان من واجب «المجتمع» أن يكون لها رأي في الأحداث، قد يرضي البعض، لكنه يغضب آخرين، وأذكر أن أحد المشتركين في المجلة، وكان ذا حيثية، دخل مكتبي غاضباً، طالباً إلغاء اشتراكه بسبب اعتراضه على سياسة المجلة، ولا بد هنا من الإشادة بالدور الكبير الذي كان يقوم به العم الراحل أبو بدر، في ضبط إيقاع توجهات المجلة، فقد كان رحمه الله حريصاً على متابعة مواد المجلة قبل النشر، والاستفسار عن توجهاتها وما ترمي إليه، أما افتتاحية «المجتمع» فقد كانت من «خصوصياته»؛ إذ تتم مراجعة مقترحات موضوعاتها معه، ويطلع عليها كاملة بعد كتابتها، لا يمنعه عن ذلك مانعٌ من مرض أو سفر.
انتشار الفضائيات
وقد شهدت تلك الفترة؛ قبل ما يقرب من ربع قرن، بدء انتشار الفضائيات، مع ما تحمله من نقل للأحداث مباشرة، بالصوت والصورة، فما حاجة القارئ للانتظار أياماً حتى يقرأ عن الأحداث التي سبق أن شاهدها بعينيه؟ وكانت الاستجابة لهذا التحدي تكمن في البعد عن «المتكرر»، والتركيز على القضايا والجوانب التي تغفلها الفضائيات، كما أن الكتابة عن حدثٍ ما بعد أيام تتيح فرصة أكبر للفكر المتعمق، والرجوع للمراجع، بعيداً عن تسابق الفضائيات على أولوية تغطية الحدث.
ويلاحظ أنه في تلك الآونة، كان لكثير من متابعي «المجتمع» موقف عدائي أو مرتاب من الفضائيات، وبالتالي لم تمثل بديلاً عن «المجتمع»، كما لم تكن المواقع والصحف الإلكترونية الإخبارية العربية قد ظهرت، إلا القليل النادر منها.
وقد استطاعت «المجتمع» بناء شبكة مراسلين قوية وممتدة عبر القارات، وكان لهؤلاء المراسلين من الإيمان بالقضايا الإنسانية والإسلامية التي يكتبون عنها، والدأب على تغطية الأحداث بعمق؛ ما جعل تقاريرهم تعبيراً صادقاً عن الواقع.
ومما يدعو للسعادة، ونسأل الله أن يكون ذلك في ميزان حسنات من قادوا أو تولوا العمل في «المجتمع»، أن ما يُنشر فيها كان مرجعاً لكثير من المطبوعات التي تصدر في أنحاء متفرقة من العالم، وبخاصة في آسيا وأفريقيا، حتى إن بعض هذه المواد كان يعاد نشره نصاً، فضلاً عن أثره الفكري والثقافي على قادة الرأي من كتَّاب ودعاة وخطباء، وعلى طلبة العلم.
وقد استمر عملي في «المجتمع» سبع سنين، وتركتها على غير رغبة من العم أبي بدر الذي حاول مراراً أن يثنيني عن هذا القرار، لكنه تفهم أخيراً الأسباب الخاصة والعامة التي دفعتني لذلك.
أسأل الله أن يديم «المجتمع» صرحاً للدعوة الإسلامية والكلمة الصادقة.