لم يُعر السودانيون اهتماماً لتجمع المهنيين في ظهوره الخجول، مطالباً بتحسين الأجور قبل أيام من اندلاع الثورة يوم 19 ديسمبر 2018، وما إن تسنم الكيان الوليد قيادة الاحتجاجات رافعاً سقفها بتنحي البشير حتى حظي بالتفاف عظيم.
وما بين المهام النقابية والسياسية تشكل أساس الأزمة التي استشرت خلال الساعات الماضية في جسد تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد ونسق الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير يوم 11 أبريل 2019.
وتلقف التجمع بذكاء كبير في بدايات تحركاته النقابية لتحسين الأجور، انفجار الشارع العنيف في مدينة عطبرة، ليعلن عن أول موكب للتنحي بعد ستة أيام في 25 ديسمبر 2018.
وكان التجمع واجهة ملهمة للشباب المحبط من الأحزاب ليشكل الوقود الذي دفع بقطار الثورة والشموع التي احترقت لتنير الطريق نحو الحرية والسلام والعدالة.
أزمة مكتومة
ومن المرجح أن تجمع المهنيين كان صنيعة قوى المعارضة -حينها- مستلهمة تجربة جبهة الهيئات في ثورة 21 أكتوبر 1964 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق إبراهيم عبود، والتجمع النقابي في انتفاضة أبريل 1985 التي أنهت نظام جعفر نميري.
ومنذ سقوط البشير ونظامه، برزت أزمة مكتومة تراوح مكانها داخل أروقة تجمع المهنيين ما بين دعوات لانصراف أجسامه إلى بناء وإنعاش النقابات التي اتهم النظام المعزول بتسييسها وتوظيفها لصالحه، وبين آراء تصر على استمرار التجمع ككيان سياسي.
وحتى العام الماضي، فاجأت شبكة الصحفيين السودانيين أحد الأعضاء المؤسسين لتجمع المهنيين، الأوساط ببيان انتقدت فيه الأوضاع داخل التجمع وطالبت بإعادة هيكلته.
واستمرت الخلافات المكتومة مداً وجزراً داخل التجمع وصولاً إلى انتخابات السكرتارية الجديدة يوم 10 مايو الماضي، لتبدأ بعدها حرب البيانات بين الأجسام المكونة، واستفحل الموقف أمس السبت بمؤتمر صحفي لمنشقين عن التجمع كان على رأسهم محمد ناجي الأصم، أحد أبرز أيقونات الثورة.
ذروة الأزمة
بلغت الحالة الانقسامية داخل تجمع المهنيين ذروتها بنشر تسريبات لتسجيلات صوتية قيل: إنها لكوادر الحزب الشيوعي داخل التجمع، تتحدث عن طرق السيطرة على الكيان.
ويقول الصحفي علي الدالي، العضو السابق في مجلس تجمع المهنيين عن شبكة الصحفيين: إن التسجيلات الصوتية كانت إثر اجتماع للتجمع في يناير 2019.
ويرجح الدالي، في حديث لـ”الجزيرة.نت”، تسرب هذه التسجيلات على يد جهاز الأمن إبان النظام السابق، موضحاً أن التحقيقات معه أثناء اعتقاله كان محورها عن عضوية مجلس التجمع بالاسم رغم سريتها.
ويؤسس عضو شبكة الصحفيين وتجمع المهنيين عادل كلر للخلاف بقوله: إن الصراع السياسي داخل التجمع صراع قديم لكنه كان مستتراً عن العيان، و”بيت” الصراع الآن هو مناديب تجمع المهنيين الخمسة في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير حيث يتم الترشيح والاعتراض والتصويت على مناصب ولاة الولايات.
عمق الانقسامات
وتتبدى انقسامات تجمع المهنيين بشكل أكثر وضوحاً داخل الأجسام المكونة له، إذ هناك عدة كيانات مهنية مكونة بأكثر من لافتة داخل التجمع، ومرد ذلك بطبيعة الحال إلى خلافات سياسية.
وأبلغ دلائل هذه الخلافات تبدت في اصطفاف لجنة “أطباء السودان” المركزية مع المنشقين و”نقابة الأطباء” مع السكرتارية الجديدة للتجمع، وهو ما تكرر مع واجهتين للمهندسين والبياطرة.
ورغم توالي الاتهامات من قبل المنشقين بسيطرة حزب بعينه على السكرتارية الجديدة لتجمع المهنيين، فإنهم يبدون أكثر حرصاً على تسمية هذا الحزب.
وبحسب مصادر تحدثت لـ”الجزيرة نت”، فإن الاتهامات موجهة إلى الحزب الشيوعي باختطاف تجمع المهنيين عبر واجهات يسيطر عليها مثل نقابتي الأطباء والمهندسين ورابطة الصيادلة.
وتحظى السكرتارية الجديدة لتجمع المهنيين بمساندة 11 من الكيانات المكونة للتجمع، بينما تساند 6 كيانات المنشقين على رأسها لجنة الأطباء وتحالف المحامين، في حين انقسمت لجنة المعلمين بين التيارين، واختارت اللجنة المركزية للمختبرات الطبية الوقوف على الحياد.
طريق ثالث
وفي خضم أجواء الانقسام المتفشي داخل أروقة تجمع المهنيين، لا تألو بعض الكيانات المهنية بذل المزيد من المساعي الحميدة لاحتواء الخلافات.
وتقول عضوة اللجنة المركزية للمختبرات الطبية شاهيناز جمال: إن انشقاق تجمع المهنيين يعني انشقاق القاعدة المهنية والسياسية التي تشكل معظم التأييد الذي حظي به التجمع في الشارع.
وتكشف في تصريح لـ”الجزيرة نت” أن لجنتها اختارت الحياد وتبنت خارطة طريق لمسار ثالث في محاولة لاحتواء الأزمة التي بدأت تُفقد التجمع رصيده من الأنصار وهو ما يبدو جليا في صفحة التجمع على فيسبوك حيث يتعرض لانتقاد واسع من الأنصار.
وتحذر شاهيناز من أن أي كيان متشرذم لن يستطيع توحيد الشارع أو قوى الثورة “لأن فاقد الشيء لا يعطيه”، مشيرة إلى أن الكيانات الستة التي اختارت الخروج لديها قواعد داخل التجمع، مما يمثل شقا للقاعدة الجماهيرية.
وتقترح توسيع وتطوير آليات ووسائل عمل تجمع المهنيين عن طريق التشبيك مع لجان المقاومة في الأحياء والكيانات المطلبية (29 كتلة) مثل النازحين وضحايا السدود، “حتى يستطيع التجمع إنجاز 16 من مهامه لم ينجز منها سوى إسقاط البشير”.
وتعمل عدة وساطات -بعضها من قبل أحزاب- لإنقاذ تجمع المهنيين من شبح الانقسام قبل الوصول إلى مرحلة اللاعودة، بيد أن هناك مخاوف من وقوع التجمع فريسة لأجندة القوى السياسية ذات النوايا المختلفة حياله.
______________________
المصدر: “الجزيرة.نت”.