من قال: إن العنصرية في الغرب قد انتهت بعد «مارتن لوثر كينج»، وإن السود هناك لم يعودوا منبوذين، ولم يعد يمارَس ضدهم تمييز أو عنصرية؟!
سؤال يبدو طبيعياً في ظل تلك الطلقات التي تلقاها مشروع المناضل ذي الأصول الأفريقية بعد الطلقة التي أودت بحياته هو، طلقات في جسد حلمه الذي ناضل من أجله حتى اغتيل في أول أبريل 1968م.
فلم يكن «جورج فلويد»، إذن، هو الطلقة الأولى التي حاولت اختراق جسد الحلم «اللوثري»، بل سبقتها طلقات كثيرة جعلت من هذا الحلم مجرد ذكرى، وأضحى معها الغرب وأمريكا على وجه الخصوص تعيش على فوهة بركان ينتظر الانفجار في أي لحظة.
في البداية، سنرصد بعض تلك المحطات في أمريكا على وجه الخصوص، باعتبارها «ترمومتر» يقاس به طبيعة التعاطي مع هذه القضية في العالم الغربي بأكمله.
وبعدها ستطرح «المجتمع» أسئلة يجيب عنها خبراء الاجتماع السياسي، والقانون الدولي، والشريعة الإسلامية، أسئلة من قبيل: هل يمكن تصنيف حادثة «فلويد» على أنها ضمن إطار التمييز العنصري، أم أنها حادثة فردية لا تعبر بحال «على المستوى القانوني» عن هذا النوع من الجرائم؟
وفي المقابل، هل هذه الهَبَّة من المجتمع الأمريكي ضد هذه الحادثة تم تغذيتها سياسياً للإيقاع بالرئيس الأمريكي «دونالد ترمب»، أم أنها هَبَّة حقوقية حقيقية؟ وبالتالي: هل يمكن أن تكون حادثة «فلويد» مسماراً في نعش الرأسمالية الغربية باعتبارها حاضنة هذه «العنصرية» بعيداً عن التكييف القانوني للمصطلح؟ وهل ستكون أمريكا بعد مقتل «فلويد» هي أمريكا قبله، أم أن الحادثة ستفرض نوعاً من التغيير؟ وما حجمه ومساراته؟ وما السر الذي يجعل كل ترسانة القوانين الأمريكية والغربية وإعلانات حقوق الإنسان فاشلة إلى الآن في احتواء هذه الظاهرة؟
والسؤال الأبرز، في المقابل: هل نجح النموذج الإسلامي في احتواء تلك الظاهرة؟ أو بالأحرى: كيف نجح؟ وما الآليات التي امتلكها هذا النموذج وجعلته قادراً على تحقيق هذا الذي حققه من نجاح يتحاكى به الجميع؟
التكييف القانوني:
البداية مع التكييف القانوني ليكون هو المنطلق الأساسي لتعاطينا مع الحدث على مستوى الفهم والإدراك، ثم على مستوى التعامل والاستشراف لما ستؤول إليه الأحداث.
«هناك فارق بين جرائم التمييز العنصري، وجرائم الفصل العنصري، والجريمتان جرائم ضد الإنسانية لا بد لتحققهما من توافر ركنين أساسيين»، بهذه العبارة بدأ د. أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، حديثه لـ «المجتمع»، مشدداً على أن دوره كفقيه قانوني هو التأصيل بعيداً عن العواطف مع أو ضد في أي حادثة كانت.
وأكد سلامة أن أول هذين الركنين أن تكون تلك الممارسة بصورة ممنهجة ومتواترة ضد جماعة بعينها؛ عرقية كانت أو دينية أو مذهبية أو فكرية، والثاني أن تكون بيد الدولة وصادرة من أدواتها.
وبالنظر إلى حادثة «فلويد»، يرى أستاذ القانون الدولي أنها تخرج من هذا الإطار بداية حتى نستطيع فهم الحدث بصورة قانونية صحيحة، مؤكداً أنها وإن كانت بيد أدوات الدولة وهم رجال الشرطة، إلا أنها غير ممنهجة وغير متواترة ضد السود في عموم أمريكا وبصورة منهجية، فهي لا تعدو كونها حادثة فردية لها أسبابها المجتمعية أيضاً.
واستدرك سلامة: لا بد من النظر إلى الحادثة نظرة أكثر شمولاً، حيث درجت الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة، واعتباراً من عام 2003م، ومنذ ارتكاب الجنود الأمريكيين لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية سواء في العراق أو في أفغانستان أو في بقاع أخرى، إما على «تفليت» مرتكبي هذه الجرائم، بصور كثيرة منها أن يقوم الرئيس الأمريكي بإعفائهم.
وفضلاً عن ذلك -يتابع سلامة- وفي السنوات الأخيرة أيضاً، ارتُكبت جرائم حرب أو تعذيب أو قتل أو احتجاز تعسفي أو معاملة لا إنسانية أو معاملة مهينة، ضد مواطنين أمريكيين ذوي أصول أفريقية، ونتيجة أن مرتكبي هذه الجرائم بحق الضحايا لم يتم محاكمتهم المحاكمة الناجزة العادلة، ولم يحصل الضحايا وعائلاتهم على الإنصاف والتعويض اللازمين من الدولة الأمريكية؛ فما فتئت الشرطة الأمريكية بين الفينة والفينة على ارتكاب جرائم مماثلة وربما أشد قسوة ولا إنسانية من جريمة «فلويد».
ويرى سلامة أن هذه الجرائم تكاد تكون ظاهرة أمريكية تعتور المجتمع الأمريكي، ولا تستثنى منها المؤسسات التنفيذية والقضائية والتشريعية، ومن ثم وبالنظر إلى تشدق الولايات المتحدة الأمريكية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فلزاماً أن تقوم بدراسة شاملة يقوم بها المتخصصون والمعنيون على مختلف الصُّعد، وخاصة علماء الاجتماع والنفس والعرقيات، ودراسة كيفية استشراف ودرء كافة العوامل والعقبات والبواعث والنوازع التي تشجع الشرطة الأمريكية على عدم اعتبار التشريعات القانونية الأمريكية والتعليمات والتوجيهات التنفيذية الشرطية في التعامل مع المواطنين، سواء كانوا مشتبهاً بهم أو متهمين أو محتجزين.
تغيير ثقافي متدرج
«تغيير الأوضاع المتعلقة بأشكال التمييز العنصري هو في الأصل تغيير ثقافي تعليمي، يؤدي إلى تغيير قانوني وسياسي، فالعملية تدريجية، وليست بزرٍّ يتم الضغط عليه لتحدث تغييراً»، هكذا أكد د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، في معرض إجابته عن سؤال طرحته «المجتمع»، وهو: هل ستكون حادثة «فلويد» كسابقاتها من الحوادث المصنفة «عنصرية» سرعان ما سيزول أثرها، أم أن أمريكا بعدها لن تكون هي أمريكا قبل الحادثة؟
وللتأكيد على أن التغيير في أمريكا والغرب في موضوع العنصرية هو في الأصل تغيير ثقافي متدرج، عاد أستاذ علم الاجتماع السياسي للتاريخ، قائلاً: عندما ننظر إلى تاريخ أمريكا نجد أن الدستور الأمريكي الذي تم وضعه عام 1788م لم يتم فيه ذكر السود، ولا المرأة تحديداً، فالمرأة والسود لم يكن لهم حق التصويت، وظلت هناك محاولات حثيثة لنيل هذا الحق، حتى عندما ظهرت المؤسسات الأمريكية كالشرطة مثلاً، كان عملها الأساسي يرتكز على ملاحقة العبيد السود الهاربين من مُلّاكهم، وبالتالي فإن تاريخ هذه المؤسسات وثقافتها التي كانت سائدة بداخلها والقوانين التي كانت تعمل بناء عليها كان تاريخاً مُتحيزاً ضد «المُلونين»، و»المُلونون» بالمناسبة هم «African American”، وليسوا الأفارقة المهاجرين في هذه الأيام، وهذا يجب أخذه في الاعتبار.
وتابع صادق أن الأمر كان في بعض الأوقات يرتبط بما يمكن أن نسميه المصلحة، ففي الولايات الجنوبية مثلاً كانت هناك رؤية اقتصادية مفادها استمرار العبيد؛ لأنهم عصب مزارع القطن والتبغ، ولكن الولايات الشمالية رفضت؛ بحجة أن ولاياتهم ولايات صناعية لا مكان للعبيد فيها، وهنا هدد الجنوبيون بالانفصال، ويشاء الله أن تحدث الحرب، فتتحرر القوانين، عام 1863م، ويتم النص على تحرير العبيد.
وهنا يستدرك أستاذ علم الاجتماع السياسي قائلاً: لكن الممارسة لم تكن بهذه الصورة، فقد ظهرت حركات في الجنوب تندد بهذا الأمر، مثل حركة “KKK” التي كانت ترى أنه لا يحق للعبد أن يمشيَ حُرَّ نفسه، لا أمير عليه ولا سيد، فقامت بمذابح ومجازر ضدهم، وكانوا يصلبونهم على الشجر، إلى أن حدث ما يسمى تاريخياً بـ “الهجرة العظيمة”، بين عامي 1916 و1970م، انتقل على إثرها كثيرون من الأمريكيين الأفارقة من الجنوب إلى الشمال بسبب العنف العنصري.
ثقافة مجتمعية
ويخلص صادق من هذه التطوافة التاريخية إلى القول: إنه ليس معنى أن القانون ينص على شيء، أنه يُطبق على أرض الواقع، قلّما تجد من يتبع القانون، فالأمر يحتاج إلى ثقافة مجتمعية يتشربها العقل الجمعي في المجتمع.
ويدلل على ذلك قائلاً: في مصر مثلاً، بوصفها إحدى أكبر الدول العربية، فإن القانون فيها مثلاً لا يمنع المرأة من حق الترشح لأي منصب، ولكن ثقافياً؛ هل سنقبل بوجود «رئيسة الوزراء»، أو «شيخة الأزهر»؟ الوعي الجمعي لا يتقبل هذا حتى الآن! أنا قمت بوضع قوانين تمنح المرأة حق التعليم، والعمل، والترشح للمناصب العليا في البلاد، ولكن مجتمعياً لا يمكن قبول ذلك.
واستطرد صادق: أيضاً لا بد من التأكيد على أن العنصرية لا تقتصر على اللون، فهناك عنصرية الجنسية؛ فهذا أمريكي وهذا مصري وهذا خليجي وهذا صومالي، وهناك عنصرية الطبقية؛ فهذا غني وهذا فقير، وهناك العنصرية المذهبية بين السُّنة والشيعة والبروتستانت والأرثوذكس، والعنصرية السياسية، وكل تلك الأنواع تعج بها المجتمعات وتحتاج إلى تغيير ثقافي متدرج؛ بحيث تنشأ الأجيال على هذه الفكرة السمحة، ثم يأتي دور القوانين بعد ذلك لتكون عنواناً على تولي الدولة مقاليد الأمور.
واختتم صادق قائلاً: أريد أن أؤكد أن عالمنا العربي والإسلامي مليء بالممارسات العنصرية مختلفة الصور، وربما نظرة واحدة على مواقع التواصل العربية ترى كيف هي العنصرية الفكرية، والسياسية والمذهبية، بل والطبقية في بعض الأحيان، ولذلك فأنا أعجب من أنَّ من يمارسون كل هذه العنصرية ينشغلون بأمريكا وما حدث فيها!
فمشكلتنا هي انشغالنا بغيرنا –المتفوق علينا- وإهمالنا أنفسنا، ونحن أحق بها من أي أحد آخر.
النموذج الإسلامي.. لا مقارنة
«حينما تريد أن تعرف عظمة الإسلام كمنهج قادر على احتواء البشر جميعاً تحت مظلته على اختلاف أعراقهم وألوانهم ولغاتهم؛ فإن عليك أن تدرك أن حقوق الإنسان فيه جزء من الإيمان بالخالق جل وعلا، وأن فكرة الإيمان بالتبعية من أهم الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان»، بهذه العبارة المفتاحية استهل د. محمد أبو ليلة، أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية في جامعة الأزهر، حديثه لـ «المجتمع»، في معرض إجابته عن سؤال حول النموذج الإسلامي ونجاحه في احتواء ظاهرة العنصرية.. كيف نجح؟ وما الآليات التي ساعدته للوصول لهذا الاحتواء؟ تلك الآليات التي وضعت بلال بن رباح بجانب أبي بكر الصديق، ووضعت صهيب الرومي بجانب عبدالرحمن بن عوف؟
وقال د. أبو ليلة: إن فلسفة حقوق الإنسان في الإسلام تسمو فوق فكرة القوانين والدساتير والإعلانات الحقوقية، تسمو لدرجة أن تكون جزءاً من الاعتقاد، جزءاً من الثقافة الروحية التي يعيش بها المسلم، وفي القرآن والسُّنة آيات كثيرة تؤصل تلك المعاني وتجعل المسلم متشرباً تلك الثقافة بعيداً عن فكرة القوانين ذات المرجعية الأرضية التي فشلت فشلاً ذريعاً في دول كثيرة؛ لأنها لم تستند إلى قاعدة روحية قادرة على دعمها في أوقات المحن.
لكن أستاذ الدراسات الإسلامية يعود فيستدرك ويقول: ليس معنى ذلك أننا ضد هذه الإعلانات أو القوانين، مطلقاً، نحن مع كل ما يدعم التواصل البشري، لكننا نؤكد أن ديننا الحنيف فيه ما ليس في غيره، فهل يمكن قياس إعلان حقوق الإنسان في أثره مثلاً مع خطبة الوداع التي ألقاها نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا المقطع الملهم الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب.. لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح»؟ هل يمكن أن يقاس مثلاً أي قانون ضد العنصرية في العرب أو أمريكا مع وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم ذاهبون للحرب في غزوة «مؤتة»، أو في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم يوم «فتح مكة»؟!
ويتابع: لن أتعرض هنا لسيل من الآيات القرآنية التي تمثل ضمانة أساسية لتلك الحقوق الإنسانية أياً كان صاحبها أبيض أو أسود سيداً أو عبداً، ويكفي أنه جعل الاعتقاد فيه سبحانه وتعالى أهم تلك الحقوق حين قال عز وجل: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: 256)، وحين قال: (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) (الكهف: 29)، وحين قال مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99).
ويرى أبو ليلة أن ما أعطى المنهج الإسلامي تفرداً في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن سبقه فيها، هو أنه حوَّلها من مجال التنظير إلى التطبيق على يد النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره القائد والرئيس المقتدى به، وإلا فمن الذي ساوى بين المهاجرين والأنصار في الحقوق والواجبات؟ من الذي جعل إماء المدينة وجواريها في الإسلام كعائشة، وحفصة، وأسماء؟ ومن الذي جعل سعد بن عبادة مساوياً لبلال بن رباح، وعبدالله بن مسعود؟ ومن الذي جعل أبا بكر مساوياً لأقل صحابي نسباً سواء في المدينة أو في مكة؟ رضي الله عنهم جميعاً.
النبي القدوة
ويتابع أبو ليلة: مَنْ الذي طبَّق القانون على الجميع معلناً الصرخة المدوية في أسماع التاريخ: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها..»، بعد أن أخبرهم أن هلاك من سبقهم كان بسبب عنصريتهم في تطبيق القوانين على الفقراء والضعفاء وإعفاء ذوي المال والسلطان؟
ويتساءل أستاذ الدراسات الإسلامية: مَنْ الذي حمى حق الحياة للإنسان أياً كان؛ مسلماً أو غير مسلم؟ مَنْ الذي جاء بتشريع يجعل الزكاة فريضة يدفعها الغني ليحمل الفقير ويعينه، ليربط المجتمع كله برباط المحبة، بعيداً عن العنصرية الطبقية التي تتمثل في شعبين مختلفي الهموم؛ شعب في «الكمباوند» وآخر في العشوائيات، والأهم أن هذه الزكاة لا تقف عند المسلمين فقط، بل يمكن أن تدفع لغير المسلم داخل المجتمع الإسلامي، لأهل الكتاب، بل للكفار أنفسهم، لأن حماية حق الحياة لا يرتبط بالدين ولا بالعنصر ولا بالجنس أياً كان، بل ضمنه الإسلام للجميع؟
وعلى مستوى المرأة، يؤكد أبو ليلة أن الإسلام حمى حقوقها على مستوى النصوص، وعلى مستوى التطبيق، فهناك نصوص تند عن الحصر تؤكد حقوق المرأة، وقد كُتبت فيها مجلدات من المستشرقين أنفسهم، وعلى مستوى التطبيق؛ هناك عصر تتيه به البشرية كلها، كانت المرأة فيه أيقونة التكريم داخل المجتمع المسلم؛ أماً وأختاً وزوجة وبنتاً.
ويرى أبو ليلة أن الإسلام لم يقف عند حقوق الإنسان في أوقات الرخاء، بل أكد حقوق الأسرى والمحاربين بطريقة تقف أمامها المحاولات البشرية عاجزة عن الوصول إلى هذا الرقي الذي ضمنه التشريع الإسلامي لهذه الفئات، يكفيك أن تعلم أن النبي نهى أصحابه وتابعيه من بعدهم عن متابعة المنهزم.. لماذا؟ إنها فلسفة أسمى من فكرة النصر والقضاء على الأعداء ذاتها، إنها فلسفة قائمة على فكرة الرغبة في أن ينجو الجميع ويعطى الآبق فرصة تلو فرصة ليتم عرض الإسلام عليه بصورة أكثر وضوحاً؛ لعل الله يكتب له النجاة، فكرة قائمة على الحب والرحمة للبشر.. كل البشر.
الرِّق.. شغب على الإسلام
وعن سؤال حول ما يشغب به البعض على الإسلام من أنه لم يشرع تشريعاً واضحاً ضد جريمة الرِّق، قال أبو ليلة: هذه النقطة على وجه التحديد هي من محامد هذا الدين العظيم، وأحد الدلائل الواضحة على أنه دين إلهي وليس تشريعاً بشرياً.
وأوضح أبو ليلة: في التشريعات الصادرة من البشر هناك محاولة لفرض الرؤى دون اعتبار لطبائع المجتمعات ولا لسنن الكون، وحينما يأتي الإسلام وجريمة الرِّق هي أحد روافد الاقتصاد العالمي، فإنه لا يمكن وهو دين إلهي المصدر أن يكون مصادماً لمصالح الناس حتى لا ينفر منه كثيرون، بل القدرة والإبداع يتجليان في أن تستطيع جعل الناس أنفسهم ينفرون من تلك الظاهرة، ويتركونها دون أن تمارَس عليهم سطوة، وهذا ما حدث.
ويتابع: وهذا ما فعله الإسلام العظيم حين أكد أن الحرية أسمى حق للإنسان في تلك الحياة، بنصوص كثيرة، وممارسة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم هذه الوصايا المبثوثة في مصادر الإسلام قرآناً وسُنة بالرقيق، حيث يوصي بهم خيراً وباحترام آدميتهم، ثم هذه السلسلة من التشريعات التي تجعل العتق أحد مكفرات ذنوب كثيرة في القرآن الكريم، ثم التشجيع على التحرير لا على الاستعباد، ووضع مجموعة من الآليات الضامنة لحقوق الرقيق وحقوق من يملكونهم، فأباح للرقيق أن يكاتبوا أسيادهم، وأباح للأسياد أن يحرروهم بعد وفاتهم، إلى آخر تلك الآليات التي أسهمت بالفعل في اختفاء هذه الظاهرة بعد ذلك ولم توجد إلا لظروف سياسية لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد.
واختتم أبو ليلة قائلاً: ونحن إذ ننتقد المجتمع الغربي على هذه العنصرية المتجذرة، ونفخر بنموذجنا الإسلامي، فإننا ننادي على المسلمين أن يقضوا على العنصرية بينهم بكل صورها؛ سياسية اجتماعية فكرية، ولا بد للمجتمعات الإسلامية أن تطبق قواعد الإسلام، وأهمها «الناس سواسية كأسنان المشط»، فأسوأ أنواع العنصرية في العالم الإسلامي هو ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية المفتقدة داخل تلك المجتمعات.