وعدناكم في المقال السابق؛ أن نبدأ هذا المقال بالنقطة أو العنصر الخامس والذي يخص ” لعب الأحباش في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[٥]: لعب الأحباش في مسجد وسول الله صلى الله عليه وسلم:
كان عرض الأحباش في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبارة عن تمثيلية عسكرية، تظهر فن المبارزة للأحباش في الحربة والدرق، أو الترس.
نعم أيها القارئ الكريم، هو عرض لتراثهم الحربي لبيان فنونهم القتالية فيما بينهم تمثيلاً لا حقيقة، أي هي تمارين للعرض فقط وبيان دقة هذه الفنون القتالية التي ابتكرها الأجداد والآباء، وبيان شدتهم القتالية بالتمثيل من غير إصابات حقيقية؛ أي: تمثيل الأمر كوسيلة لتوصيل المعلومة بشكل أكثر بيانًا ودقة، وأكثر تشويقًا واجتذابا للمشاهد بشكل عملي، وعرض عيني ومشاهد من قبل الآخرين.. ولم يكن هذا تحت هامش الكذب كما يدع البعض إطلاقًا؛ أن التمثيل من الكذب المطلق!
وللعلم أيها القارئ الكريم؛ هذا العرض للأحباش يحوي الأضلاع الثلاثة للمسرح أو السينما وهي – الأضلاع – ” العرض للمادة.. العارض أو الممثل للعرض.. الجمهور أو المشاهد “.. فهذا العرض من وجهة نظري هو الأرضية التي يعتمد عليها شرعًا لكل من أراد أن ينشئ مسرحًا أو داراً للسينما، فهو يشكل الأضلاع الثلاثة كما أسلفنا والله تعالى أعلم.
نعم أيها القارئ الكريم.. إن المتابعة والمشاهدة لها مكانتها في الوسط الإعلامي وبشكل الخصوص ” سينما.. تلفاز.. مسرح ” لطبيعتهم الفنية وطبيعتهم كآلية تخص الوسيلة الإعلامية المرئية، فهي بطبيعتها تتطلب المكان المناسب للمشاهدة والمتابعة لفهم ما يعرض، وفهم مقاصد العرض والاستفادة منه، فلذلك كانت لمكانة ومكان المشاهد أو المستمع والمتفرج اهتمامًا كبيرًا في الوسط الإعلامي، حيث الحرص على راحة المشاهد، وعدم انزعاجه لاستيعاب ما يعرض عليه بالشكل الصحيح وبوضع مريح ولا يشغله شاغل عن مضمون العرض ومقاصده.
كان لعب الأحباش بالسلاح مع بعض الحركات القتالية المعقولة لاشك المرضي عنها نبوياً؛ وإلا لو كانت غير ذلك لما قبلها صلى الله عليه وسلم أن تعرض في أي مكان ناهيك عن مسجده أو ساحة المسجد.
كان اللعب بالسلاح هو كما اللعب بالسيف في العرضة في الخليج والجزيرة العربية، وأيضًا عند بعض البلدان اللعب بالسيف والترس كما في اليمن وبلاد الشام ولعب العصا في بلاد المغرب.. وهنا في هذه الحادثة لا أعني عين الحادثة أو العمل ” لعب الاحباش ” بقدر ما أعني الخدمات التي تقدم للوسيلة، لتعمل الوسيلة بشكل أجمل، وأكثر وضوحًا كعرض للجمهور للفرجة والاستمتاع مع وضوح المعلومة المقصودة من العرض مع سعة النشر والانتشار.. وللعلم أيها القارئ الكريم؛ لقد ذكر بعض أهل الاختصاص، أن ” الفرجة ” تعني الراحة من الغم.
وحينما نتابع حديث أم المؤمنين السيدة عائشة وعرضها للرواية ومحتوى الرواية نجدها بالفعل هي تعني بهذا المعنى.. تقول رضي الله عنها: ” وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبِي.
وهذا اللعب كما أسلفنا هو عبارة عن عرض قتالي تمثيلي يقدمه الأحباش كتدريب للأجيال، وهو أيضًا من الممكن أن يندرج تحت التدريب بمفهوم قول الله تعالى: ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ… ” (من الآية 60 الأنفال).
[حاول أن تجمعها ليتكامل الموضوع عندك]
ـــــــــــــــ
(*) إعلامي كويتي.