تشهد تونس هذه الأيام حركية كبيرة استعدادا للتصويت لسحب الثقة من رئيس البرلمان السيد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس. وذلك بعد الاجتماع الأخير لمجلس شورى حركة النهضة وقراره سحب الثقة من حكومة السيد إلياس الفخفاخ بسبب شبهة تضارب المصالح، ورد هذا الأخير عليها بالتهديد بطرد وزرائها من الحكومة مدعوما بموقف الرئيس المتمسك ظاهريّا بروح الدستور المتربص واقعيّا بالتيار الذي يمكن أن يعطل مسار رؤيته الجديدة للنظام السياسي، وبدعم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تهيمن عليه أطراف يسارية تتحين الفرصة منذ 2011 للتخلص نهائيّا من التيار الإسلامي كما فعلت سابقا حين تحالفت مع بن علي.
هذه الأحداث تفتح الباب على مصراعيه للبحث في السيناريوهات الممكنة لمستقبل حركة النهضة التونسية التي تعتبر العمود الفقري للحكومة الحالية بحكم الدستور وإكراهات الواقع.
السيناريو الأول أن رئيس الحكومة سينجح في الحصول على الأصوات المطلوبة للتخلص من وزراء النهضة إن قرر المرور عبر البرلمان (هناك احتمال تعيين وزراء بالنيابة وبالتالي لن يضطر لفعل ذلك) وهو أمر وارد لاعتبارات عديدة ترتبط بطبيعة تركيبة البرلمان نفسها ولمساندة قد تأتي من بعض النواب المستقلين المتلونين ممن لهم مصالح شخصية تتعارض مع حل البرلمان والمتمسكين بالحصانة التي تحميهم من التتبعات العدلية والقضائية وأيضا ممن يعرفون بالعداء الشديد للتيار الإسلامي.
هناك أسباب عدة قد تدفع البعض لمنح الثقة لوزراء الفخفاخ الجدد وهو سيناريو قد يخرج حركة النهضة من الحكومة، ولكن تحافظ على الدور الأساسي كفاعل مركزي في البرلمان؛ بحيث لا تمر قوانين إلا بدعمها وموافقتها خاصة إذا ما التقت مع قلب تونس والكرامة. ومحافظتها على هذا الدور مرتبط بقبول رئيس الحكومة ومن خلفه باللعبة الديمقراطية.
لكن السيناريو الأسود أن حصول الفخفاخ على الثقة للوزراء الجدد قد يدفعه بتأثير من بعض القوى المحيطة به في الداخل وداعميه في الخارج لاتخاذ قرار التخلص النهائي من حركة النهضة وتكرار السيناريو المصري باسم محاربة الأخونة وهي حرب قذرة تجد دعما قويّا من محور الشر ومن فرنسا ومن القوى الفرنكوفونية المهيمنة على كل مفاصل الدولة في تونس، مستغلا بعض قيادات الداخلية التي تحن إلى ماضي هيمنتها على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تونس.
السيناريو الثاني هو عدم حصول وزراء الفخفاخ على ثقة البرلمان وبالتالي تسقط الحكومة ليعود الأمر من جديد إلى الرئيس ليختار شخصية وطنية تشكل حكومة جديدة بالتشاور مع الأحزاب الكبرى التي يتشكل منها البرلمان، وهنا يأتي السيناريو الأخطر لحركة النهضة وهو محاولة بعض الأحزاب المنافِسة العمل على إقصائها تماما من الحياة السياسية ووضعها على الرف عبر التحالف فيما بينها ومع الرئيس لاختيار شخصية وطنية ليست بالضرورة مقبولة من حركة النهضة بل يجب أن تكون على استعداد لضربها عبر إعادة فتح الملفات التي وضعها المرحوم الباجي قايد السبسي مثل الغرفة السرية والتسفير وغيرها، أو وضع ملفات جديدة تبرر حل الحركة أمام الرأي العام ومطاردة قادتها ومنتسبيها واستنساخ السيناريو المصري تماما في تونس.
إن اللقاءات الأخيرة بين أطراف المنظومة القديمة وبعض القوى اليسارية الاستئصالية وحتى بعض القوى المحسوبة على الثورة وبعض قيادات المنظمات المهنية الوطنية كان الهدف منها الاستعداد للانقضاض على حركة النهضة. ويبدو أن هناك أجنحة محيطة بالرئيس تشجع مثل هذا السيناريو ظنا منها أنه سيفتح الطريق على مصراعيه للرئيس حتى يغير النظام السياسي، ويمسك كل السلطات في يديه وأن يحقق رؤيته الخاصة لما يسميه السلطة المباشرة للشعب والديمقراطية الشعبية.
السيناريو الثالث هو أن تتمكن حركة النهضة بالتحالف مع قلب تونس والكرامة وبعض المستقلين من فرض ديمومة المسار الديمقراطي حتى وإن تمكن رئيس الحكومة من الاستمرار عبر آلية الوزراء بالنيابة دون المرور بالبرلمان، وذلك بإسقاط لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان أولا وإجبار الحكومة على التفاوض مع المعارضة الجديدة حول كل القوانين التي تهم الشأن العام، وعدم تمرير أي قانون دون أن يكون محل إجماع حقيقي، وفي هذه الحالة على حركة النهضة ترك رئاسة اللجنة المالية لقلب تونس وحسن إدارة حوارها مع المستقلين داخل البرلمان، وأن تتخذ قرارا أهم وهو استقالة رئيس البرلمان من رئاسته ومن البرلمان عموما وتفرغه لإدارة الحركة أو استقالته من رئاسة الحركة وتفرغه للبرلمان فالجمع بينهما أضر بالحركة أكثر مما نفعها.
إن السيناريو الأخير يمكن من تحقيق توازن إيجابي بين السلطة التشريعية والتنفيذية ويضمن انكباب الكل على المصلحة العامة والتخلص من الوضع الرديء الحالي للبرلمان، وأيضا ينزع كل مبررات التوتر والتعطيل الذي تمارسه نائبة الدستوري الحر.
لقد تأكد في المدة الأخيرة التدخل المباشر لبعض الأطراف الخارجية العربية والغربية للدفع نحو هذا السيناريو الأخير باعتبار أن السيناريوهات الأخرى قد تتسبب في احتراب أهلي لا تريده القوى الفاعلة في المنطقة خاصة مع الوضع المتفجر في ليبيا، ومن المتوقع أن تنزل الجزائر بكل ثقلها لمنع أي انحراف في تونس نحو السيناريو المصري لما له من عواقب وخيمة على استقرار الجزائر والمنطقة عموما ولذلك ستكون الأسابيع القادمة ذات تأثير بالغ على مستقبل تونس.
* المصدر: مدونات الجزيرة.