في هذه الحلقة سنتطرق إلى أمر كأنه من الوهلة الأولى بعيد عن الموضوع، ولكن حينما ننظر له كآلية مبتكره من أجل سرعة الفهم والحفظ، يكون في حيز الموضوع، أو آلية من آليات الأمر إن لم تكن من صلبه.
[٦]: ابتكار العلماء لوسائل تؤدي إلى سرعة الحفظ وعدم النسيان كالألفيات في علوم الفقه والنحو والصرف، والأناشيد أيضًا في حفظ ما يمكن حفظه وخصوصًا للأطفال.
ومن هذه الابتكارات الألفيات عمومًا، ونكتفي بذكر ما قدمه الإمام السيوطي يرحمه الله تعالى، استشهادًا به في هذا المجال، فهو أكثر من ابتكر واشتهر وأبدع فيه.
وأيضًا أيها القارئ الكريم.. لا ينبغي أن ننسى الأغاني والأهازيج التي تسهل على طالب العلم، أو الأطفال لحفظ الحروف مثلاً والمفردات المطلوبة، سواء كان ذلك في الكويت أم في غيرها ” كأبجد هوّز ” مثلاً، وفي الكويت مثلاً كما ذكرنا: ” ألف لا شيلا؛ باء نقطه من تحت، تاء نقطتين من فوق ” … إلخ.
هي وسائل تسهل الأمور على الدارس الذي يحاول الحفظ، وهي ابتكارات ما سمعنا من يحرمها أو يبدعها، بل في غالبها ابتكرها العلماء الكبار كالألفيات، لسهولة هضم وحفظ العلوم تيسيرًا لطالب العلم.
نعم أيها القارئ الكريم.. تعمد تنوع الابتكار؛ من أجل تأصيل: إن الابتكار من أجل المصلحة العامة أمر جائز، وغير محرم مادام في حدود المباح، وعدم اصطدامه فيما هو محذور.
هذه الابتكارات الغنائية والأناشيد هي كما ابتكارات التمثيل والكتابة الدرامية، والحكايات القصصية والمسرحية، جميعها وسائل، وابتكارات، من أجل تسهيل عرض المعلومة، أو تسهيل حفظ المعلومة، أو تكريس مفاهيم وتربية تبرمج الأجيال في مواجهة العدو، أو تكريس لصورة ذهنية مطلوبة، أو اقلاعًا لصورة ذهنية كرسها العدو، أو للحذر منه ومن أفعاله وما شابه ذلك..
لن نطيل في هذا العنصر أو هذه النقطة السادسة، فلذلك سنختم بما يحمله العنصر السابع، أو النقطة السابعة، والتي ذكرنا بعدها بالقول المشهور: ” وهي مربط الفرس “. والناظر لها في الموقعين يراها متناقضة الوظيفة والنتيجة والمقصد، ولكن الوسيلة والآلية واحدة، وهي ما تنطق به الآيات في سورة يوسف، وهو السيناريو الذي تفاهم عليه إخوة يوسف لفعل الشر، قال تعالى في كتابه الكريم: ” (وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب ….) (من الآيات 16، 17، 18 من سورة يوسف) ” هذه وسيلتهم وأسلوبهم، لإقناع أبيهم ” الكذب ” ومقابل هذه الآية بنفس الأسلوب والوسيلة من أجل الوصول الى الخير وإصلاح ذات البين في نفس السورة؛ قال تعالى: ” (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون (70) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون (71) قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم (72)”. (سورة يوسف).
[٧]: هي الفيصل الذي لا جدال فيه وحوله، نفس الوسيلة تم استعمالها كذبا للشر، ونفسها تم استعمالها للخير كابتكار، وهذا ظاهر بالمقابلة بين الآيات في سورة يوسف ” المذكورة أعلاه ” التي بينت فعل إخوة يوسف بيوسف، وفعل سيدنا يوسف لكشف الحقيقة وإصلاح ذات البين، وفي كلا الموقفين التمثيل والسيناريو فارض نفسه، ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو من لا فطنة له.
في الحلقة القادمة (الأخيرة) سنتطرق إلى بعض التفصيل حول هذه الآيات وبيان الآلية التي استعملها إخوة يوسف للشر ونفس الآلية استعملها يوسف لإصلاح ذات البين وإظهار الحق والحقيقة.. والتي لا شك من حقنا نأخذها أصلاً ونبني عليها الابتكارات؛ بل والمؤسسات المنتجة للسيناريوهات والأعمال الدرامية، والإخبار عن العدو والصديق، وتصدير الخبر المرسوم والمنسجم مع سياسات الدولة وأهدافها واستراتيجياتها الإسلامية.
[حاول أن تجمعها ليتكامل الموضوع عندك]
ــــــــــــــــ
(*) إعلامي كويتي.