“الأيام العشر” من ذي الحجة أيام مميزة، ومحطة ربانية في دين الإسلام، يعتقد المسلمون، حسب النصوص الواردة، أنها أيام لها أفضلية في كل شيء عن باقي الأيام، فهي محطة تتكثف فيها الأجور من العزيز الغفور الرحمن الرحيم؛ كما هي العشر الأواخر من رمضان، فهي محطة وهبة ربانية من رب غفور عفو كريم؛ لذلك على المسلم أن يكثر فيها العبادة والأعمال الصالحة، وهي كما هو معلوم أيام موسم الحج التي نعايشها ونعيشها، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومن الجميع صالح الأعمال.
نعم أيها القارئ الكريم، الأيام الأُول من شهر ذي الحجة هي الأيام المباركة كما هي الليالي العشر الأواخر من رمضان، بل البعض يرجح أنها أفضل من العشر الأواخر كأيام.
في هذه الأيام المباركة يتضاعف الأجر، كما أن المعصية فيها أشنع، وفيها تغفر الذنوب، وهي أيام كما بينتها الشريعة بنصوص عديدة في كتاب الله تعالى وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يحث الله تعالى على عمل الخير فيها، صغر أم كبر، قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (البقرة: 203).
ورد في هذه الأيام المباركة العديد من الأعمال والأذكار، وأوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمل بالدعاء والأذكار في هذه الأيام التي منحها الله تعالى لعباده رحمة بهم وهو أرحم الراحمين العفو الغفور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” (رواه أحمد).
هذه الأيام الفضيلة فيها الحج؛ ويوم الحج كما قال صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة”، وصوم يوم عرفة لغير الحاج له ما له في الميزان، وكما قال صلى الله عليه وسلم: “صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”، ويوم عرفة كما هو معلوم لغير الحاج يوم التاسع من ذي الحجة، يوم يكفر سنتين، فأي نعمة هذه! وأي هبة للعبد من المعبود! ما أعظمك وأنت أرحم الراحمين!
هذه الأيام العظيمة فيها من السنن التي يجب أن يحرص عليها المسلم ما استطاع.
بداية أن يحرم صيام العاشر من ذي الحجة؛ وذلك باتفاق كل المذاهب والعلماء؛ لأن اليوم العاشر هو اليوم الأول من أيام عيد الأضحى وقد ورد فيه نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيضاً من السُّنة صيام يوم عرفة لغير الحاج، كما أسلفنا، وصيام الأيام التسعة من الأول إلى التاسع من ذي الحجة، والحرص على السُّنة فيها؛ صلاة وصدقة وقيامًا بالليل، وصلاة الضحى وما شابه، فهذه السنن لها أجر في هذه الأيام أكبر وأعلى من غيرها من أيام.
لا شك التهليل فيها والتكبير والتحميد، وقول: لا إله إلا الله، من أحب الأمور والأذكار فيها، فلنكثر منه أخي في الله.
وقد بين الله عظمة هذه الأيام بقسمه فيها بقوله: (وَالْفَجْرِ {1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ {2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ {3}) (الفجر)، هذا القسم لدليل قاطع في فضلها؛ وكيف لا تكون الأفضل وهي فيها يوم النحر، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفضل الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر”، ويوم القر هو الذي يلي يوم النحر، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
نعم، وجب على المسلم الكيس اغتنام هذه المنحة الإلهية ويستقبلها بالتوبة النصوح الصادقة، حيث استغلال الطاعات فيها والذكر والثبات وعدم الرجوع إلى الطريق المعوج ما استطاع، والسعي بكل ما يستطيع المسلم الابتعاد عن المعاصي وخطوات الشيطان، فالمعصية في هذه الأيام أكثر جرمًا كما الحسنة أكثر أجرًا، والمعاصي لا شك هي من الأمور التي تجعل الإنسان في غفلة عن مواسم الخير والعطاء الرباني، ولا شك المؤمن والمسلم الحصيف الكيس الفطن أشد حرصًا على العمل الصالح في هذه الأيام واقتناص خيرها وفلاحها، ولا شك من أصر على هذا، فإن الله تعالى معينه لا ريب، ويوفقه لذلك ويحجر الشيطان عنه والنفس الأمارة بالسوء.
نختم بهذه المعلومة، ذو الحجة الشهر المحرم من الشهور العربية كما نطلق عليها من السنة القمرية أو من التقويم الهجري، وهو الشهر الثاني من الأشهر الحرم، وفي عهد كلاب بن مرة، الجد الخامس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أطلق عليه هذا الاسم “ذو الحجة”، وفيه الحج، وكان ذلك حسب التقويم الميلادي 412م تاريخ إطلاق هذا الاسم عليه.
________________________
(*) إعلامي كويتي.