الرجال في كل عصر لهم علامات وآثار، والمخلصون منهم يتركون أثراً واضحاً في عموم الناس، ويسير حبُّهم في الوجدان، فالرجل الصالح يترك أثراً صالحاً أينما حلّ، والمؤمن كالغيث أينما حل نفع.
ولقد رحل في سبتمبر العديد من المصلحين والدعاة الذين نشير إلى سِيَر بعضهم في السطور التالية:
يوسف النفيسي.. أول رئيس لـ«الإصلاح» بالكويت
كثيراً ما تجود الحركات الإسلامية برجال صنعوا تاريخ هذه الأمة، ومنهم العم يوسف عبدالله النفيسي الذي ساهم بمعاونة رجال مخلصين في بناء أركان دولة الكويت.
ولد يوسف عبدالله النفيسي في منطقة القبلة بالعاصمة الكويت عام 1321هـ/ 1903م، ويقال: إن عائلة النفيسي نزحت إلى الكويت عام 1892م بعد أن كانت تستوطن منطقة وسط الجزيرة العربية.
كان واحداً من أوائل الطلبة الذين التحقوا بالمدرسة المباركية التي افتتحت في 22 ديسمبر 1911م، قبل أن يعمل بالتجارة حيث اشتهر بالاستقامة والورع وطيب الخلق.
وما إن حلت حقبة الستينيات حتى وقع الاختيار عليه –ضمن عدد من الرجال– في مهمة حصر الكويتيين ومنحهم وثائق الجنسية الكويتية.
وبعد استقلال الكويت عام 1961م، وفي 22 يوليو 1963م أُشهرت «جمعية الإصلاح الاجتماعي» وفقاً لأحكام القانون رقم (24 لسنة 1962)، بهدف الحفاظ على الأخلاق والهوية الإسلامية للشعب الكويتي.
وفي 16 المحرم 1383هـ/ 9 يونيو 1963م، عقد أول اجتماع لجمعية الإصلاح، تم فيه انتخاب الهيئة الإدارية للجمعية؛ حيث اختير يوسف النفيسي رئيساً للجمعية، وظل كذلك حتى 21 شعبان 1391هـ/ 21 أكتوبر 1971م، حينما سلم الراية لخليفته العم يوسف الحجي لظروفه الصحية.
سعى العم النفيسي –بالتعاون مع إخوانه في الجمعية– لغرس القيم وتحقيق الأهداف النبيلة في المجتمع الكويتي، وذلك بمنع كثير من المنكرات وإقرار كثير من المعروف، بإنشاء لجان الزكاة وإصدار الكتب ونشرات التوعية الإسلامية، ونشر الفضيلة بين الشباب قولاً وعملاً.
رحل العم يوسف النفيسي بعد رحلة طويلة زخرت بالعمل من أجل وطنه ودينه عن عمر ناهز 91 عاماً في 11 ربيع الآخر 1415هـ/ 17 سبتمبر 1994م.
محمد مهدي عاكف.. ونهر من العطاء
رحل محمد مهدي عاكف يوم 22 سبتمبر 2017م بعد رحلة من العطاء على جميع المستويات، التي تركت نموذجاً فريداً للشباب في العمل والثبات والصبر والاحتساب.
ولد عاكف في مركز أجا بمحافظة الدقهلية بمصر، في 12 يوليو 1928م، ونشأ في بيئة متدينة؛ فقد حرص الأب والأم على غرس معاني المسؤولية والرجولة في نفوس أبنائهما؛ وهو ما تحقق بالفعل في كل واحد منهم.
سافرت الأسرة للعيش في القاهرة، وتخرج عاكف في كلية التربية الرياضية، وتعرف على الشيخ حسن البنا عام 1940م، وقد برزت مواهبه في العمل وسط جماعة الإخوان المسلمين حتى صار أحد قادتها رغم صغر سنه.
وصار قائداً للفدائيين بجامعة إبراهيم باشا (عين شمس حالياً) أثناء حرب القنال عام 1952م، وهو ما جلب عليه نقمة الأنظمة التي زجت به في السجن ليقضي نحو 20 عاماً من عمره خلف السجون –بعد أن خفف عنه حكم الإعدام- حتى خرج عام 1975م.
انطلق عاكف للعمل في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ثم رئيساً لمركز ميونخ الإسلامي حيث كانت له بصمات في النهوض به، قبل أن يعود إلى مصر ويصبح عضواً بمكتب الإرشاد للإخوان، وعضواً في البرلمان المصري عام 1987م، ليعود بعدها للسجن مرات ومرات في عهد مبارك.
ووسط تدافع الأحداث، يرحل المستشار مأمون الهضيبي ليختار الإخوان مهدي عاكف ليقود سفينتهم قبل أن يتخلى عنها طواعية عام 2010م، لكنه شارك في الأحداث، وكانت له آراء سديدة إلى أن غُيب في السجون 7 سنوات قبل أن يموت فيها عام 2017م.
عبدالكريم الخطيب.. بين العمل الإسلامي والسياسي
بعد رحلة حافلة بالعمل لخدمة الإسلام، وتربية أبناء وطنه، والتصدي للمستعمر الفرنسي، وقيادة العمل الإسلامي، وخوض الحياة السياسية، رحل العالم الجليل عبدالكريم عمر الخطيب عن عمر ناهز 87 عاماً، يوم 26 رمضان 1429م/ 27 سبتمبر 2008م.
ولد الخطيب في 2 مارس 1921م، بمدينة الجديدة جنوب الدار البيضاء بالمغرب، لأسرة مهتمة بالعلم تنحدر من أصول جزائرية بمدينة معسكر.
درس الطب في الجزائر العاصمة، واختير نائباً لرئيس جمعية الطلبة المسلمين لشمال أفريقيا خلال السنة الدراسية 1944 – 1945م، قبل أن يسافر إلى جامعة السوربون بفرنسا ليستكمل دراسة الجراحة والعمل بها قبل أن يعود للمغرب عام 1951م، فكان أول جراح في البلاد، وفتح أول عيادة للجراحة بمدينة الدار البيضاء قدم فيها خدمات للمقاومين ضد الاستعمار.
انتخب عام 1956م مسؤولاً أعلى للمقاومة المسلحة، وعيّنه الملك محمد الخامس وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية عام 1960م، ثم عين وزيراً للصحة، قبل أن يصبح رئيس أول برلمان عرفه التاريخ المغربي الحديث (1963 – 7 يونيو 1965م).
كان من المناضلين ضد المحتل الفرنسي، وساهم في تأسيس قيادة جيش التحرير المعروفة بـ»لجنة تطوان»، كما أسس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، في فبراير 1967م، وقد اختير وزيراً عام 1972م، ثم نائباً في البرلمان عام 1977م.
بعد هروب توفيق الشاوي إبان عهد عبدالناصر، توثقت الصلة بين الخطيب، والشاوي، وأسس للعمل الإسلامي بالمغرب، وفي بداية التسعينيات فتح الأبواب لأبناء الحركة الإسلامية من حركة «الإصلاح والتجديد»، و»رابطة المستقبل الإسلامي» للعمل الحزبي السياسي، حيث اختير أميناً عاماً للحزب عام 1996م، وفاز في انتخابات عام 1997م بـ9 مقاعد، وفي عام 1998م تغير اسم الحزب إلى العدالة والتنمية، ويصبح سعد الدين العثماني أميناً عاماً عام 2004م في حين أصبح الخطيب الرئيس المؤسس للحزب.
كان للخطيب صوت عال في قضايا أفغانستان والبوسنة والهرسك، وزار مخيمات اللاجئين الأفغان في بيشاور وباكستان، وظل يعيش لدينه ووطنه حتى توفاه الله.
محمود عبدالكريم.. وعالمية الإسكواش
ربما لم يسمع الكثيرون عن محمود عبدالكريم، رغم أنه كان أحد الرياضيين أصحاب الأخلاق العالية والقيم النبيلة.
في حي إمبابة بمحافظة الجيزة بمصر، ولد محمود عبدالكريم، في يونيو 1912م، بأسرة فقيرة؛ وهو ما دفعه للعمل صغيراً في النوادي الإنجليزية، خاصة نادي الجزيرة (الأهلي حالياً)؛ حيث لفتت نظره لعبة الإسكواش التي أدخلها الإنجليز لمصر حينها.
كانت مهمة محمود هي جمع الكرات للاعبين، وفي يوم أعطاه أحد الضباط الإنجليز مضرب إسكواش كان مكسوراً وخيوطه ممزقة، لكنه فرح به، وأثناء عودته لمنزله، شاهد أحد اللاعبين الإنجليز يلعب وحده، فنادى عليه أن يلعب معه، وشرح له قواعد اللعبة وفنونها، وانتهت المباراة بهزيمة محمود وهو ما ترك في نفسه أثراً، كيف لمحتل أن يهزمه حتى ولو كانت هذه أول مرة يمسك فيها بالمضرب؟! ومن ثم أخذ عهداً على نفسه بالتدريب لهزيمة الإنجليزي، إلا أن الحلم كبر ليتحدى النجم الإنجليزي الأسطورة «جيم دير» (Jim Dear)، وتوسط بعض الوجهاء لدى سفير مصر بإنجلترا عبدالفتاح عمرو باشا –الذي كان بطلاً عالمياً للإسكواش أيضاً- كي يتقدم بطلب التحدي للاتحاد الإنجليزي للإسكواش وقد كان.
أقيمت المباراة على ملعب نادي لانسداون بلندن، حيث هزم عبدالكريم الإنجليزي “جيم دير” في هذه المباراة، وتوج بطلاً للعالم عام 1947م، ثم استمر 4 أعوام متتالية حتى عام 1951م بطلاً للعالم في لعبة الإسكواش، قبل أن يعتزل ويتجه للتدريب عام 1952م، وينتقل للعيش والتدريب في مونتريال بكندا، وظل بها حتى عاد لمصر عام 1984م وأصبح مدير الإسكواش بنادي “الجزيرة”.
لقد كانت كلمات عبدالكريم الذي لخص بها تفوقه وبلوغه العالمية حينما قال: “الأخلاق يا بني هي التي تدفع بالإنسان للأمام” ملخصاً لحياة هذه الشخصية.
ظل عبدالكريم محافظاً على مبدئه في حسن الخلق حتى توفاه الله يوم 9 سبتمبر 1999م، عن عمر ناهز 87 عاماً ودفن بالقاهرة.
_________________________________________________________________________
1- مجلة المجتمع: العدد 1118، الموافق 21 ربيع الآخر 1415هـ، 27 سبتمبر 1994م، ص 10، والعدد التالي 1119 ص 6، 7.
2- مهدي عاكف: إخوان ويكي، https://bit.ly/3h4gRxT
3- د. عبدالكريم الخطيب: موقع إخوان ويكي، https://bit.ly/2Dy5RKm
4- محمد يسري مرشد: حكايات على هامش الجونة، الثلاثاء 24 أبريل 2018م، https://bit.ly/39kP6x9، وحسن المستكاوي: النادي الأهلي، طـ1، دار الشروق، القاهرة، 2017م.