مالي دولة إسلامية قديمة قامت فيها ممالك إسلامية منذ القرن السابع الهجري، عرفت في المصادر التاريخية العربية باسم السودان الغربي أو بلاد التكرور، ويبلغ عدد سكانها نحو 15 مليوناً، يمثل المسلمون 90% منهم، وينتشر بينهم المذهب المالكي وكذلك الطرق الصوفية، ويعيش أغلب السكان في المنطقة الجنوبية من البلاد حيث يجري نهرا النيجر والسنغال، وليس لها حدود ساحلية، وتبلغ مساحتها 1240000 كيلومتر مربع، تحيط بها عدة دول؛ النيجر وبوركينا فاسو شرقاً، وموريتانيا والسنغال غرباً، والجزائر شمالاً، وغينيا وكوت ديفوار جنوباً، وعاصمتها باماكو، وخضعت للاحتلال الفرنسي واستقلت عنه عام 1960م، والفرنسية هي اللغة الرسمية في مالي، لكن توجد لغات أفريقية تستخدم على نطاق واسع أيضاً.
تنقسم مالي إلى عدة مناطق، هي: باماكو العاصمة، وكايس، وكوليكورو، وسيكاسو، وسيغو، وموبتي، وتومبكتو، وغاو، وكيدال، ويسود فيها النظام القبلي، ومن أهم القبائل فيها: الطوارق الأمازيغ، والبمبرا، والماندينغو، والفولاني.
وهي دولة فقيرة رغم تعدد مواردها؛ حيث تمتلك ثروات مائية ومعدنية متنوعة، فهي تعد ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، ويشكل التعدين والصناعة جزءاً ضئيلاً من مصادر الدخل القومي فيها، وتعاني من سوء الخدمات الأساسية في التعليم؛ فمعظم السكان أميّون لا يعرفون القراءة والكتابة، و27% فقط من الأطفال يلتحقون بالمدارس، ويوجد بها مدارس عربية أشهرها مدارس دار القرآن والحديث بمدينة طوبى، وكلية الدراسات الإسلامية.
ويعيش معظم السكان في القرى، ويعتمدون في دخلهم على الزراعة، وأكثر من ثلثي السكان يعيشون تحت خط الفقر، والرعاية الصحية سيئة للغاية؛ حيث تعاني المستشفيات من نقص المتطلبات الأساسية في ظل وباء «كورونا» حالياً، وتنتشر فيها الملاريا التي تتسبب في أكبر نسبة للوفيات بين الأطفال، وتعاني مناطق كثيرة من سوء التغذية.
السلطة بقبضة الجيش
شهدت مالي منذ استقلالها حتى اليوم (1960 – 2020م) سيطرة الجيش على مقاليد الأمور في البلاد، فقد تولى خمسة رؤساء تم الانقلاب على أربعة منهم، وهم:
– «موديبو كايتا»، عام 1960م، الذي حكم مالي بقبضة عسكرية طوال 8 سنوات، شكل خلالها «مجلساً عسكرياً للتحرير الوطني» أوكلت له مهمة قيادة البلاد، حتى قام الملازم «موسى تراوري» بالانقلاب العسكري عليه، في 19 نوفمبر 1968م.
– تولى قائد الانقلاب «موسى تراوري» رئاسة الدولة لمدة 23 عاماً (1968 – 1991م)، شكل خلالها «لجنة عسكرية» جمع فيها منصب رئيسي الدولة والحكومة، حتى قام الكولونيل «أمادو توري» بإنهاء حكمه بالانقلاب العسكري عليه، في 26 مارس 1991م، عقب انتفاضة شعبية تندد بتدهور الأوضاع الاقتصادية.
– تولى قائد الانقلاب «أمادو توري» رئاسة الدولة لفترة انتقالية لمدة عام، عقد فيها انتخابات رئاسية، فاز فيها المعارض «ألفا عمر كوناري»، عام 1992م، الذي استمر في الحكم لولاية رئاسية ثانية حتى عام 2002م، تنسمت فيها مالي عبير الحكم الديمقراطي، فقد عمل «كوناري» على محاربة الفساد وتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأصبح وسيطاً بارزاً في النزاعات الأفريقية.
– وعاد الجنرال «أمادو توماني توري» إلى الحياة السياسية ليتم انتخابه، في 8 يونيو 2002م؛ ثم أعيد انتخابه مرة ثانية، عام 2007، حتى قام الكابتن «أمادو سانوغو» بالانقلاب العسكري عليه، في 21 مارس 2012م، وأعلن الاتحاد الأفريقي تجميد عضوية مالي على إثر الانقلاب، وأدانت دول أوروبية وأمريكا الانقلاب، كما أدانت دول الجوار مع مالي الانقلاب ووصفته بأنه غير دستوري.
– نظم المجلس العسكري الانتقالي انتخابات رئاسية، عام 2013م، فاز فيها «إبراهيم أبو بكر كيايتا»، حتى أطاح به الجيش بانقلاب عسكري، في 18 أغسطس 2020م، على خلفية تظاهرات ضده؛ ليخرج الرئيس بعد اعتقاله بساعات يعلن استقالته حقناً للدماء، وأعلن قادة الجيش تشكيل «اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب»، وتعهدوا بانتقال سياسي مدني يؤدي إلى انتخابات عامة، مؤكداً أن كل الاتفاقات الدولية التي أبرمتها مالي ستُحترم.
ويستمر سيناريو الانقلابات العسكرية في مالي في التكرار تحت دعوى تحقيق مطالب الشعب، ويصبح أي رئيس يتولى السلطة مهدداً بانقلاب الجيش عليه حتى لو كان قائداً سابقاً في الجيش.
احتلال فرنسي غير مباشر
استقلت مالي عن فرنسا عام 1960م، لكن قرارها السياسي والاقتصادي لم يستقل عنها، فقد عملت فرنسا على تغيير طريقة الاحتلال العسكري المباشر بالاحتلال غير المباشر، واحتفظت لنفسها بقواعد عسكرية في منطقة غرب أفريقيا تخول لها التدخل العسكري في أي وقت تتهدد فيه مصالحها.
وارتبطت مالي بفرنسا بروابط سياسية وعسكرية واقتصادية وبمعاهدات تضمن تبعية مالي لفرنسا، ومن تلك المعاهدات:
– اتفاقية الدفاع العسكري المشترك التي تجمع فرنسا بـ21 دولة أفريقية من بينها مالي؛ تُحتِّم عليها مساعدة دولة مالي في حالة نشوب صراعات تهدد كيان الدولة.
– ربطت فرنسا مستعمراتها السابقة بما فيها مالي بـ»منطقة الفرنك الفرنسي الأفريقي» (CFA)، وهي عملة موحدة لمجموعة دول غرب أفريقيا بما فيها مالي.
وتترسخ عقيدة سياسية وأمنية لدى فرنسا بأهمية الحفاظ على النظام المؤيد لها في مالي، ومن ثم فإن أي تغييرات تطرأ في مالي تتعارض مع أهداف ومصالح فرنسا؛ فإنها تقوم بالتدخل السريع لاستعادة الأوضاع، والحيلولة دون حدوث تغييرات سياسية يمكن أن يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على المصالح الفرنسية هناك، فعلاقة فرنسا بدول أفريقيا بما فيها مالي مصيرية لها، فهي تتعلّق ببقاء واستمرار فرنسا كقوة عالمية؛ حيث تسيطر المؤسسات والشركات الفرنسية في مالي على 65% من قطاع الخدمات، و20% في التجارة، و15% في قطاع الصناعة، وعدد المستثمرين الفرنسيّين في مالي يبلغ نحو 5 آلاف مستثمر.
وتُعتبر فرنسا المستورد الأول للمواد الخام من غالبية دول غرب أفريقيا بشكل عام، ودولة مالي بوجه خاص، كما تعد مالي سوقاً كبيرة للصناعات الفرنسية.
التدخلات العسكرية الفرنسية
وعقب الانقلاب العسكري على الرئيس المالي «أمادو توماني توري»، في 21 مارس 2012م، استولت الجماعات الإسلامية المسلحة على شمال مالي الذي تعتبره فرنسا منطقة نفوذ حيوي؛ فسارعت فرنسا إلى بدء عملية عسكرية هناك مستغلة قواعدها العسكرية في منطقة غرب أفريقيا، ولم تنتظر قراراً من مجلس الأمن، متذرعة بحماية مالي من النموذج الصومالي والمحافظة على سلطة الدولة.
لم يكن التدخل العسكري الفرنسي في مالي الأول، إذ تدخّلت فرنسا منذ عام 1960م أكثر من 40 مرّة في نزاعات أفريقية، فأحياناً تتدخّل لفائدة أنظمة سلطويّة أو دكتاتورية، وأحياناً أخرى لمساندة جانب سياسي على حساب آخر، بيد أن مصالح فرنسا كانت دائماً الدافع الثابت لتدخّلاتها العسكرية في أفريقيا، وإن كانت بمسوغات متغيّرة، وكان واضحاً حرص فرنسا وبعض الدول داخل النظام الدولي على تضخيم ما حدث في مالي جرّاء الانقلاب العسكري الأخير، في عام 2012م، وتصويره على أنه إرهاب، وأنه لا بد لفرنسا أن تتدخل لإعادة سيادة مالي على أراضيها، إلا أن الواقع يشير إلى أن الدافع الرئيس لفرنسا كان الحفاظ على مصالحها والإبقاء عليها، ومنع قيام كيان إسلامي يهدد مصالحها في المنطقة، والسعي لاسترجاع نفوذها ومكانتها، والسيطرة على ما تملكه مالي وتزخر به من ثروات وموارد أولية مهمّة، وهذا يجسّد إعادة ترتيب المنطقة، وإعادة توزيع الموارد الحيوية بين الشركات المتعددة الجنسيات.
_______________________________________________________________________________________
1- عادل مساوي، المواقف الدولية من الأزمة في شمال مالي، ورقة مقدمة في ندوة «المغرب العربي والتحولات الإقليمية الراهنة»، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، فبراير 2013.
2- عبير الفقي: أزمة مالي والوجود الفرنسي الاستعمار في شكله الجديد، المجلة الأفريقية للعلوم السياسية، سبتمبر 2018.
3- عبير شليغم: التدخل الفرنسي في مالي: البعد النيوكولونيالي تجاه أفريقيا، المركز العربي للبحوث والدراسات، الأحد 15 فبراير 2015.
4- حسين جواد قبيسي، ملابسات التدخل الفرنسي العسكري في مالي مجلة أفق، العدد 301، يناير 2013.
5- مادي إبراهيم كانتي، التدخل العسكري الفرنسي في مالي، آفاق أفريقية، المجلد 11، العدد 38، 2013.