لا تزال إقالة وزير الداخلية التونسي السابق توفيق شرف الدين تخرج أثقالها، وتكشف عن المزيد من الأسرار والخفايا، وتظهر دوافع الإقالة وما أقدم عليه الوزير المقال، الذي تبيّن أنه كان على علم بأنه مشمول مع آخرين بتغييرات على تركيبة الحكومة في إطار تقييم عمل كل وزير، كما كشف عن ذلك نواب في البرلمان، فضلاً عمّا أكده رئيس الحكومة هشام المشيشي نفسه من داخل وزارة الداخلية التي يتولى بنفسه تسييرها في انتظار تعيين وزير جديد للداخلية حول ما أقدم عليه الوزير المقال، من إرباك، وكانت هناك إمكانية لاختراق المؤسسة الأمنية، على حد قوله.
أما وزير الخارجية الأسبق رفيق عبدالسلام، فقد أكد أن رئيس الحكومة من حقه تغيير أي وزير، وأن الرئيس قيس سعيّد ليس من صلاحياته تعيين وزير الداخلية، وأشار إلى أن الدستور التونسي منح التونسيين حصانة من الانقلابات والارتداد والتقلبات.
المشيشي: كانت هناك إمكانية لاختراق المؤسسة الأمنية
إمكانية الاختراق
كما أشار مراسل “المجتمع”، أمس الأربعاء، فإن الأسباب الحقيقية وراء تعجيل الإطاحة بوزير الداخلية هي التغييرات التي أحدثها داخل هياكل الوزارة، ومن بينها إعفاء 39 من القيادات الأمنية، وقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، في أول تعليق له على إقالة وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين: “كانت هناك إمكانية لاختراق الوزارة”.
وتابع أثناء لقائه بعدد من القيادات الأمنية بمقر وزارة الداخلية: “لا يمكن أن أسمح بأي إرباك للمؤسسة الأمنية”، وأكد المشيشي ضرورة “احترام إطارات وزارة الداخلية وقياداتها”.
وشدّد رئيس الحكومة على أن “البناء الأمني في وزارة الداخلية متماسك، ولا أسمح بأي إرباك له خاصة في هذا الظرف الذي تعرفه البلاد”.
وجدّد تأكيده على أنه “كانت هناك إمكانية لاختراق المؤسسة الأمنية بمسّ ذلك العدد الكبير من القيادات (39 قيادياً)، ودون علمي، ولا علم قيادات وزارة الداخلية”.
العياري: التغيير الحكومي جاهز منذ شهر ووزير الداخلية أراد استباق التغيير فكان أول المغادرين
أول المغادرين
النائب عن كتلة “أمل وعمل” بالبرلمان ياسين العياري كشف، في تدوين له على صفحته بـ”فيسبوك”، عن وجود توجه لتغيير حكومي يشمل وزير الداخلية، وأن الأخير كان يعلم بذلك، وأن ما قام به من إعفاء لقيادات وتعيينات أمنية على أعلى مستوى دون التنسيق والرجوع إلى رئيس الحكومة، كان محاولة منه لاستباق التغيير.
وأكد أن الوزير المقال توفيق شرف الدين كان محامياً لرجل الأعمال الذي وقع إيقافه أخيراً في سوسة (الساحل التونسي)، وأن النيابة هي من قررت إيقاف الأخير وليس وزير الداخلية المقال.
وبخصوص التحوير الوزاري، أشار العياري إلى أنه جاهز منذ شهر، وسيعرض على البرلمان في ظرف أيام معدودة.
وذكر العياري أن وزير الداخلية المقال لم يفتح ربع ملف (بخصوص الفساد)، وعلق متهكماً: “وزير الداخلية المقال أراد أن يستبق التحوير، فكان له ذلك، لقد كان الأول في التحوير”.
وحمل العياري على منتقدي إقالة وزير الداخلية من المعارضة الذين هلّلوا في وقت سابق لإقالة 6 وزراء من حكومة إلياس الفخفاخ، علاوة على إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد؛ لأنه لم يتواطأ معه في قضية تضارب المصالح، وإقالة وزير الخارجية دون إبداء أسباب، وإقالة رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وإقالة رئيس الهيئة العامة للمقاومين وشهداء الثورة، واعتبروا ذلك دليل قوة وممارسة لصلاحيات رئيس الحكومة، وتغيّرت نظرتهم عندما أقال المشيشي وزير داخلية اتخذ قرارات إعفاء وتعيين دون رجوع لرئيس الحكومة، كما ينص على ذلك القانون، ووصف العياري ذلك بأنه “من الرقاعة بمكان”.
عبدالسلام: دستورنا منحنا حصانة من الانقلابات
ليست ضيعة محروس
إلى ذلك، قال وزير الخارجية الأسبق، والقيادي في حركة النهضة رفيق عبدالسلام: “يجب على الجميع أن يدرك أن تونس لها دولة وليست ضيعة محروس، والدولة معناها دستور وضوابط قانون”.
وتابع: “إقالة وزير الداخلية ليست جريمة تحتاج إلى تبرير، بل هو إجراء عادي من صميم اختصاص رئيس الحكومة الذي من حقه أن يغير ويعزل وفق تقييم موضوعي للأداء والأخطاء أيضاً، بلغة أخرى هو عضو في حكومة وليس منخرطاً في نادي امتياز خاص”، يعني اختيارات القصر.
وتابع: “رئيس الدولة له مقامه ومهامه وصلاحياته التي ضبطها الدستور، ولا يحتاج أن يصرخ في وجوهنا كل مرة، أنا الرئيس، وأنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، لأنه فعلاً هو كذلك، ولكن وزارة الداخلية قطعاً ليست من مشمولاته”.
ووجه كلامه لسعيّد: “سيدي الرئيس، نحن نريد دولة مؤسسات وقانون تحترم رجالها ونساءها ودستورها وثورتها التي حررتها من السلطوية الفردية، والحمد لله أن دستورنا مهما كانت عيوبه، فإنه منحنا حصانة من الانقلابات والارتداد والتقلبات، لأنه بكل بساطة صنع توازناً بين السلطات، ولم يجعله في يد شخص واحد أو هيئة واحدة، وهذا هو المعنى الرئيس للحرية والديمقراطية”.