يجري بيكا هافيستو، المبعوث الأوروبي الخاص وزير الخارجية الفنلندي، محادثات مكثفة في الخرطوم وأديس أبابا خلال المدة من السابع وحتى التاسع من فبراير الجاري، في محاولة لنزع فتيل التوتر بين الخرطوم وأديس أبابا على خلفية الخلافات الحدودية وتعثر مفاوضات سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على بعد 15 كيلومتراً من الحدود السودانية.
وأفادت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى السودان، في بيان لها، بأن مهمة هافيستو تنحصر في المساعدة على تخفيف التوترات بين السودان وإثيوبيا، والوصول إلى سبل دعم المجتمع الدولي للحلول السلمية للأزمة الحالية التي تواجه المنطقة.
فرص ضئيلة
ورغم الثقل الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي لدى البلدين، فإن وزير الخارجية السوداني الأسبق طه أيوب يتوقع أن تواجه جولة هافيستو تعقيدات تقلل من فرص نجاحها.
ويوضح أيوب، لـ”سكاي نيوز عربية”، أن الجناح العسكري في النظام السوداني والحكومة الإثيوبية بزعامة آبي أحمد يريدان استثمار النزاع الحالي في تقوية موقفيهما على المستوى الداخلي، مشيراً إلى أن الجناح العسكري في النظام السوداني يواجه أزمة الشرعية المنقوصة، التي يود أن يستكملها عبر الفوز بجماهيرية يمكن الاستناد إليها مستقبلاً، ما يجعل التحرك الأخير في الحدود الشرقية فرصة لصرف الأنظار عن الأزمات الأمنية والمشكلات الاقتصادية الداخلية.
في المقابل، يرى أيوب أن آبي أحمد يواجه تحديات كبيرة، أبرزها عدم حصوله على التأييد الكافي من قبائل الأمهرا التي لديها مصلحة كبرى في منطقة الفشقة التي تدور حولها الحرب الحالية، ما يجعل رئيس الوزراء الإثيوبي يسبح وسط أمواج متلاطمة، ويواجه ضغوطاً خارجية كبيرة تزيد أيضًا بسبب موقفه من منطقة التيجراي، حيث سبق وأن طالبه الاتحاد الأوروبي مرات عديدة بأن يكون أداؤه على قدر جائزة “نوبل” للسلام التي حصل عليها.
الوضع على الأرض
وأشار أيوب إلى عامل آخر قد يساهم في تعقيد مهمة الوساطة الأوروبية ويتمثل في حقيقة الوضع على الأرض، حيث لن تقبل أديس أبابا بأقل من عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل شن السودان عمليات عسكرية بالمنطقة، وذلك لكسب تأييد الأمهرا، في حين ترى الخرطوم أنها حررت أراضي محتلة من قبل إثيوبيا.
ولا يستبعد أيوب تحقيق الوساطة الأوروبية بعض النجاحات التي فشلت فيها المحاولات الأفريقية، حيث يتمتع الاتحاد الأوروبي بعلاقات وطيدة مع البلدين، خاصة وأنهما بحاجة إلى المساعدات المادية والتنموية والفنية من الاتحاد الأوروبي.
وعلى عكس الاتحاد الأوروبي، تحيط بالوساطة الأفريقية تعقيدات عديدة، أهما تخوف الاتحاد الأفريقي من رد الفعل الإثيوبي حال تمسك الأفارقة بالتزام أديس أبابا بالقرارات السابقة الصادرة عن منظمة الوحدة الأفريقية التي تقضي بالاعتراف بالحدود الموروثة عن الاستعمار خاصة وأن إثيوبيا هي دولة المقر.
أزمة الحدود
منذ نوفمبر الماضي، تشهد منطقة الحدود المشتركة بين السودان وإثيوبيا توتراً، حيث أعاد الجيش السوداني سيطرته على العديد من المواقع والنقاط في منطقة الفشقة الحدودية شرق السودان، وهو ما اعتبرته أديس أبابا محاولة لاستغلال نزاعها الداخلي في إقليم التيجراي.
وتحدثت تقارير إعلامية عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، الجمعة الماضي، في أحدث اشتباكات عند الشريط الحدودي بين البلدين، في وقت لم يصدر فيه أي بيان رسمي ينفي أو يؤكد تلك التقارير.
وسبقت الجهود الحالية محاولة أجرتها بريطانيا عندما زار وزير خارجيتها دومينيك راب البلدين، في يناير الماضي، لكن يبدو أن مهمته لم تحقق التقدم المطلوب، حيث استبقتها إثيوبيا بتصريحات على لسان سفيرها لدى الخرطوم، يبلتال أمرو المو، نهاية ديسمبر الماضي، قال فيها: إن بريطانيا تحاملت على بلاده، لكن الوثائق التاريخية تؤكد أن تخطيط الحدود بين البلدين في العام 1902 تم باتفاق كامل بين حكومة بريطانيا وإمبراطور إثيوبيا آنذاك منليك الثاني.
وأشار الباحث في الشؤون الأفريقية خالد عمار إلى أن تداعيات الحرب في إقليم التيجراي قد تشكل ورقة ضغط يمكن أن يستخدمها الأوروبيون في جعل موقف إثيوبيا أكثر مرونة حيال التوترات الحدودية الحالية مع السودان.
ويقول عمار، لموقع “سكاي نيوز عربية”: إن حرص إثيوبيا على الحفاظ على علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي كان واضحاً من خلال الزيارة التي قام بها آبي أحمد إلى ألمانيا في أعقاب انتقاد الاتحاد لمسلكه في حرب التيجراي، وتلويحه بوقف المساعدات التي ظل يقدمها للحكومة الإثيوبية لسنوات طويلة.
ولا يستبعد عمار أن يكون آبي أحمد قد توصل بالفعل لتفاهمات مع الأوروبيين ومنحهم الضوء الأخضر لممارسة دور ما في الملفات الخلافية بين البلدين.
لكن في الجانب الآخر، لا يتوقع أن يمضي آبي أحمد بعيدًا في تقديم التنازلات، نظرًا للضغوط الداخلية وحاجته لدعم إثنية الأمهرا التي تدعي الحق في أراضي الفشقة، في حين تؤكد الخرطوم سودانيتها بالأدلة والوثائق التاريخية.
سد النهضة
ومن المتوقع أن يسعى وفد الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى تقريب وجهات النظر وتقليص الفجوة بين الخرطوم وأديس أبابا بشأن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا بتكلفة تقدر بنحو 5 مليارات دولار، ويتوقع له أن يكون أحد عمالقة الطاقة في العالم بطاقة إنتاجية تبلغ 6 آلاف ميغاوط سنوياً.
وترى الخرطوم أن موقفها حيال سد النهضة يتمحور حول مفاهيم ثابتة تقوم على الوصول إلى اتفاق ملزم يتضمن آلية تنسيق محكمة تضمن تعظيم الفوائد من السد الإثيوبي ومنع أي أضرار قد تلحق بالسودان جراء تشغيله أو ملء بحيرته.
وتطالب الخرطوم بإعطاء دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي يستند إلى منطق عدم السماح بإطالة أمد التفاوض ومنح الفرصة لتقريب وجهات النظر بين السودان وإثيوبيا ومصر في ظل التباين الواضح في بعض الجوانب المهمة بين هذه البلدان.
وفي هذا الإطار، يقول خبير السدود صادق شرفي، لموقع “سكاي نيوز”: إن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى طرق باب ملف سد النهضة من خلال حزمة من القضايا الملحة مثل أزمة إقليم التيجراي، حيث يمكن للأوروبيين استخدام المساعدات كورقة ضغط على أديس أبابا.
ومن المتوقع أن يسعى الاتحاد الأوروبي خلال الأيام المقبلة إلى ممارسة دور أكبر في تقريب وجهات النظر بين البلدان الثلاثة المعنية بمفاوضات سد النهضة (مصر والسودان وإثيوبيا) ويظهر ذلك جلياً من خلال الندوات والمؤتمرات العلمية التي تنظمها جامعات عدة، ومراكز للدراسات، فيما يتعلق بملف السد الذي تتعثر حتى الآن مفاوضاته تحت مظلة الاتحاد الأفريقي لأسباب عزاها شرفي إلى التعقيدات التي تحيط بالعلاقة بين إثيوبيا وعدد من الدول المجاورة لها، وبالأخص كينيا إضافة إلى التباينات الواضحة في مواقف بلدان حوض النيل.