تظل ذكرى الصالحين نسيماً للعليل، وبلسماً للمريض، وعبرةً للسائرين على طريق رب العالمين وموعظة للمتقين، وهذا ما سطره هؤلاء المجاهدون الذين رحلوا عنا في شهر مارس.
عبدالرزاق الصالح المطوع.. رحلة جهاد
على أرض الكويت ولد العم عبدالرزاق الصالح المطوع القناعي، في بيئة استطاعت أن تشكل شخصيته وتصنع سيرته وسط الناس، حيث اشتهر بالإحسان والعمل من أجل فلسطين، ورعاية الطلاب والفقراء، كما كان له دور في رعاية الطلاب المسلمين في اليابان.
لم يقتصر دوره وجهاده على هذا الباب فحسب، بل تعاون مع مجموعة من العلماء أمثال عبدالرحمن الدوسري، والشيخ أحمد خميس الخلف، والشيخ عبدالله النوري، في التصدي للقوانين الوضعية التي ينادي بها دعاة العلمانية والمستغربون من أبناء المســلمين.
وحينما تأسست جمعية الإرشاد الإسلامي عام 1952م، كان من جملة المصلحين الذين وضعوا بذورها مع محمد العدساني، وعبدالرزاق العسكر، وعلي الجسار، وعبدالعزيز المطوع.. وغيرهم.
وقد بادرت الجمعية لتشكيل وفد ضم الحاج عبدالرزاق الصالح المطوع، وعبدالله سلطان الكليب، وآخرين، للسفر إلى الأردن وتقديم العون والمساعدات المالية والعينية من الخيام والملابس والأغذية إلى اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم بالأردن عام 1952م.
وحينما تعسرت جمعية الإرشاد، سارع مع العديد من إخوانه في تكوين جمعية الإصلاح الاجتماعي عام 1963م.
وكان من مواقفه الحية إرساله تهنئة بالعيد للشيخ عبدالعزيز بن باز، في 28 رمضان 1384هـ، قال له فيها: «يا أخي، أيُّ عيد هذا والمسلمون في اليمن يضربون بالقنابل السامة، وهناك في دمشق حيث يُصلبون، وتُنهب أموالهم، وتُهتك حرمة المساجد، ويُنكَّل بهم أشد تنكيل ويُقتلون شر قتلة! لذا فإننا نأمل أن تضموا أصواتكم لأصواتنا؛ للتنديد بهؤلاء الطغاة، وتناشدوا المسؤولين عندكم لرفع عقيرتهم؛ احتجاجاً على مثل هذه الأعمال».
وقد ظل الشيخ عاملاً مجاهداً في مجالات عدة من مجالات الحياة حتى توفاه الله في 30 مارس 1981م.
يوسف الرفاعي.. والإعلام الإسلامي
ولد يوسف السيد هاشم السيد أحمد الرفاعي في جمادى الأولى 1351هـ/ 1932م، وتخرج في كلية الآداب جامعة الكويت في قسم التاريخ عام 1970م.
بدأ حياته الوظيفية في إدارة الجوازات والإقامة والسفر عام 1949م، ثم انتخب عضواً بمجلس الأمة عام 1963م عن دائرة شرق، وهو أول مجلس أمة بعد استقلال دولة الكويت، وقد تم انتخابه أميناً لسر المجلس، وفي عام 1964م عُيِّن وزيراً للبريد والبرق والمواصلات، ثم وزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء ورئيساً للمجلس البلدي ورئيساً لمجلس التخطيط من عام 1965م إلى 1970م، وذلك بجانب استمراره عضواً منتخباً في مجلس الأمة الكويتي حتى عام 1974م.
ومن أهم أعماله في المجلس إصدار قانون «منع الخمر» في الكويت، والوقوف في وجه الاختلاط داخل الجامعة والمدارس ومقاومة كل ما يمس الإسلام والمسلمين.
اهتم بالإعلام الإسلامي، حتى أصبح له دور بارز فيه سواء في التلفزيون أو الإذاعة أو الصحف المحلية، حتى إنه أسس مجلة «البلاغ»، وهي أول مجلة إسلامية أسبوعية سياسية في الكويت والخليج العربي.
أصبح رئيس مؤتمر العالم الإسلامي بأكراجي حتى نهاية عام 1992م، وأسس «الاتحاد العالمي الإسلامي للدعوة والإعلام»، وغيرها من الأعمال الكثيرة التي اهتمت بالمسلمين في باكستان وكشمير وأفغانستان، كما يعتبر من الأعضاء المؤسسين لجمعية الإصلاح الاجتماعي، لكنه لم يستمر فيها.
صعدت روحه لبارئها ليلة السبت 14 رجب 1439هـ/ 31 مارس 2018م.
عبدالله المحمود.. والعمل الإسلامي بالشارقة
ولد الشيخ عبدالله بن علي المحمود في 17 صفر 1327هـ/ 1909م، في مدينة الشارقة، وقد نشأ في بيت صلاح وتقوى، حيث حرص والده علي بن محمد المحمود –أكبر تاجر للؤلؤ في المنطقة– على حسن تربيته التربية الإسلامية.
درس بالمدرسة التيمية المحمودية التي أسسها والده، كما تلقى العلم على طائفة من المشايخ العلماء في الشارقة.
كان الشيخ المحمود من الحريصين على قراءة الصحف؛ للاطلاع على ما يجري في العالم خاصة العالم العربي والإسلامي، وشارك مع إبراهيم المدفع، وعبدالله المطوع، ومبارك الناخي في تأسيس صحيفة «عمان» عام 1927م، وصحيفة «العمود» عام 1930م، وصحيفة «صوت العصافير» عام 1933م.
اتسم الشيخ بتواضعه وصدق لهجته وقوة حجته وعمق إيمانه وجرأته في الحق ونصرته للمظلومين وتصديه للظالمين، وإسداء النصيحة لكل مسلم، لا يهاب في الله لومة لائم، كما عرفوا علمه وفضله وإخلاصه في النصح والمشورة، حتى إنه وجه رسائل دعوية إلى حكام الإمارات جميعاً حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد الذي استشرى بانتشار الخمور ودور اللهو والفساد في الفنادق وغيرها.
شغل مناصب عدة في إمارة الشارقة؛ فقد كان أول مدير للشؤون الإسلامية والأوقاف بها؛ حيث نهضت على يديه كثيراً، واختير عضواً في الهيئة التأسيسية لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضواً بالمجلس الأعلى العالمي للمساجد، كما كان عضواً في مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
بذل الشيخ من ماله وجهده وعلمه الكثير مدافعاً عن الإسلام، وزار دولة الكويت كثيراً وعضد علاقته بعبدالعزيز، وعبدالله المطوع، وبجمعية الإصلاح الاجتماعي، ووصفه الداعية عبدالبديع صقر بقوله: «إن الشيخ عبدالله علي المحمود مضرب المثل في الدعوة، فقد كان طاقة عجيبة».
وفي ليلة الإثنين 27 جمادى الأولى 1402هـ/ 22 مارس 1982م، رحل الشيخ بعد رحلة طويلة في خدمة الإسلام.
سالم البهنساوي.. رجل الفكر والقانون
ولد بمصر وسجن بها، وعاش في الكويت وفيها دفن، بعد وفاته في أذربيجان، حيث نقل جثمانه إليها، وقد عاش الرجل غريباً، ومات غريباً، لكنها كانت غربة عن الأرض وليست عن الدين.
ولد المستشار سالم علي إمام البهنساوي عام 1932م في قرية السعديين بمحافظة الشرقية بمصر في بيئة إسلامية نقية، والتحق بالتعليم، وتدرج فيه حتى حصل على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) بمصر عام 1955م.
عمل مديراً للتأمينات الاجتماعية بالمنصورة من عام 1956 حتى 1959م، ونقل للعمل بمدينة شبين الكوم بالمنوفية عام 1959م، واستمر هناك حتى عام 1964م.
انضم لجماعة الإخوان المسلمين وهو طالب، وبسبب التزامه بالنهج الإسلامي تعرض للاعتقال أثناء دراسته عام 1954م، ثم أعيد اعتقاله في سبتمبر 1965م تنفيذاً لقرار جمال عبدالناصر باعتقال كل من اعتقل سابقاً، وظل بالسجن حتى مايو 1971م.
شارك البهنساوي، المستشار حسن الهضيبي في كتابة أبحاث من كتاب «دعاة لا قضاة»، وفصَّل ما كتبه سيد قطب في كتاب «معالم في الطريق»، وألَّف حول ذلك كتابه «أضواء على معالم في الطريق».
بعد خروجه من السجن سافر إلى دولة الكويت عام 1973م، وعمل بالهيئة العامة لشؤون القصر بوزارة العدل، وظل في منصبه هذا حتى بلوغه سن التقاعد عام 1992م، ثم تم اختياره ليعمل مستشاراً لوكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
قام بصياغة الكثير من القوانين المدنية ذات الصبغة الإسلامية للهيئة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية، كما شارك في صياغة دساتير بعض الدول الإسلامية.
أصدر البهنساوي ما يربو على 26 كتاباً، وخاض حواراً مريراً مع دعاة العلمانية، الذين اتخذوا من الطعن في تصرفات بعض المنتمين للتيار الإسلامي ستاراً للطعن في الإسلام ذاته، سواء على هيئة مناظرات أو من خلال كتبه وكتاباته في الصحف والمجلات، أو حتى في الندوات التي شارك فيها.
وعلى أعتاب «باكو» العاصمة الأذرية، وأثناء مشاركته في مؤتمر عن «الوسطية في الإسلام»، صادحاً بكلمة الحق، صعدت روحه إلى بارئها بعد أن صلى فجر الجمعة في الفندق جماعة مع د. عادل الفلاح، وكيل وزارة الأوقاف الكويتية حينها، وصحبه الكرام، في 3 صفر 1427هـ/ 3 مارس 2006م، وحمل جثمانه ليحتضنه ثرى الكويت.
_________________________________________________________________________
1- فلاح المديرس: جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، دار قرطاس للنشر، 1999م.
2- الموقع الرسمي للسيد يوسف السيد هاشم الرفاعي:
3- عبدالله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، جـ1، طـ8، دار البشير، طنطا، مصر، 2008م، صـ553.
4- جاسم محمد المطوع: حديث الذكريات مع المستشار سالم البهنساوي، 30 يونيو 2011م، – وعبدالله العقيل، أعلام الحركة الإسلامية.