قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا”، وكان السلف رضوان الله عليهم يستقبلون شهر رمضان في ستة أشهر ويودعونه في ستة أشهر، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: “اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ وبَلِّغْنَا رَمَضَانَ”.
وها هو يأتي من جديد، لم يعد بيننا وبينه إلا أيام وساعات قلائل لتهل علينا أعظم نفحات الدهر والزمان، إنه شهر المغفرة والرحمات، جعله الله ميدانًا رحبًا وسوقًا مليئة بالبركات والطاعات، تكثر فيه أبواب الخير وتُتاح أسباب العتق من النيران، فمن أدركه ولم يغفر له فيه فقد خاب وخسر، كما أخبر أمين الوحي جبريل عليه السلام، وشهر رمضان كما يفد علينا نفد عليه، نستقبله ويستقبلنا، فكيف يستقبلنا شهر رمضان؟
1- بالمغفرة:
أخرج الإمام ابن خزيمة رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ماذا يستقبِلُكم وتستقبلون ثلاثَ مرَّاتٍ؟ فقال عمرُ بنُ الخطَّابِ: يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحيٌ نزل؟ قال: “لا”، قال: عدوٌّ حضر؟ قال “لا”، قال: “إنَّ اللهَ يغفِرُ في أوَّلِ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ لكلِّ أهلِ هذه القِبلةِ وأشار بيدِه إليها”(1).
2- بخمس لم تعط لأمة قبلنا:
عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً لم يعطهن نبي قبلي، وأما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله عز وجل إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدًا، وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعاً”، فقال رجل: أهي ليلة القدر؟ فقال: “لا، ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وُفُّوا أجورهم”(2).
3- بفتح أبواب الجنان وغلق أبواب النيران:
أخرج الترمذي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ: صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَردَةُ الجنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النيرانِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، وينادي مُنادٍ يا باغِيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أقصِرْ وللهِ عُتَقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ”(3).
4- بالبركة والرحمة ومباهاة الملائكة:
عن سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومًا وحضر رمضانُ: “أتاكم رمضانُ شهرُ بركةٍ يغشاكم اللهُ فيه فيُنزِلُ الرَّحمةَ ويحُطُّ الخطايا ويستجيبُ فيه الدُّعاءَ ينظرُ اللهُ تعالَى إلى تنافُسِكم فيه ويُباهي بكم ملائكتَه فأروا اللهَ من أنفسِكم خيرًا فإنَّ الشَّقِيَّ من حُرم فيه رحمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ”(4).
5- بالدعوات المستجابة:
عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم”(5).
6- بعظيم الأجر وفرحتين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: “كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا الذي أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”(6).
7- بمغفرة ما تقدم من الذنوب:
قال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”(7).
8- بتكفير الذنوب إذا اجْتُنِبتِ الكبائِر:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصلواتُ الخمْسُ، والجُمعةُ إلى الجُمعةِ، ورَمضانُ إلى رمضانَ: مُكَفِّراتٌ لما بينهُنَّ إذا اجْتُنِبتِ الكبائِرُ”(8).
9- بالشفاعة يوم القيامة:
قال صلى الله عليه وسلم: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة: يقول الصيام أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن ربّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان”(9).
10- بالتحصين والوقاية من النار:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الصِّيامُ جُنَّةٌ وحصنٌ حصينٌ من النَّارِ”(10).
فهل هناك أحد يستقبلنا مثلما يستقبلنا شهر رمضان؟! فاللهم بلغنا رمضان واجعلنا نُحسن استقباله كما يحسن استقبالنا.. اللهم آمين.
____________________________________
(1) أخرجه ابن خزيمة (1885)، والعقيلي في (الضعفاء الكبير) (3/265)، والطبراني في (المعجم الأوسط) (4935).
(2) رواه الإمام البيهقي.
(3) أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642).
(4) الترغيب والترهيب، 2/117.
(5) أخرجه الترمذي (3598)، وابن ماجه (1752)، وأحمد (8030) باختلاف يسير، والبغوي في (شرح السنة) (1395).
(6) متفق عليه.
(7) متفق عليه.
(8) أخرجه مسلم (233) باختلاف يسير، والبيهقي في (شعب الإيمان) (2982) واللفظ له.
(9) رواه الإمام أحمد.
(10) أخرجه أحمد (9214) واللفظ له، والبيهقي في (شعب الإيمان) (3571).