الإجابة للدكتور عجيل النشمي
إذا لم أتمكن من تقبيل الحجر الأسود، فهل يجوز لي أن أشير إليه ثم أقبِّل يدي؟
– ورد عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم محجن معه، ويقبِّل المحجن» (مسلم 2/927)، وعن نافع رضي الله عنه قال: «رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يستلم الحجر بيده، ثم يقبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (مسلم 2/624)، وعن عطاء رضي الله عنه قال: «رأيت عبدالله بن عمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وجابر بن عبدالله إذا استلموا الحجر قبَّلوا أيديهم» (سنن البيهقي 5/75).
وبناء على هذه الأحاديث، اتفق الفقهاء في المذاهب الأربعة على أن من يستلم الحجر بيده أو بمحجن أو بغيره، فقبل يده أو المحجن أنه جائز، ولكنهم اختلفوا في محل السؤال؛ وهو إن أشار بيده دون أن يستلم الحجر، هل يقبِّل يده، فذهب الحنفية والشافعية إلى جواز أن يقبِّل يده واستدلوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” (البخاري 13/251، ومسلم 2/975).
وذهب المالكية والحنابلة إلى عدم جواز تقبيل اليد بعد أن يشير بها إلى الحجر، واستدلوا بأن هذه الهيئة والطريقة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضي الله عنهم، وهذا القول أولى وأحوط.
هل يجوز للمرأة السفر بدون محرم مع رفقة مأمونة من النساء لأداء الحج؟
– الفقهاء على خلاف في سفر المرأة دون محرم، فالأكثر والأغلب على حرمة سفر المرأة لغير ضرورة إلا مع محرم، ويقصد بالمحرم الزوج وكل من يحرم عليه الزواج من المرأة على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة.
واستندوا إلى أدلة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم”، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج؟ فقال: “اخرج معها”، وحديث: “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم”، ومن الفقهاء من قال بجواز السفر بدون محرم بشرط أمن الفتنة وأمن الطريق، مثل أن تكون مع رفقة نســـاء، وأصحاب هذا الرأي منهم الحســــن البصـــري، والأوزاعي، وداود الظاهري، وهو قول عند الشافعية والحنابلة.
ويستند المجيزون لسفرها دون محرم إلى حديث عدي بن حاتم مرفوعاً: “يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها” (البخاري 3400)، وما ثبت عن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه عن جده أنه قال: أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجّة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وبعض الفقهاء في أيامنا هذه يجيزون سفر المرأة دون محرم ولو للترفيه وخاصة إذا كانت بالطائرة لوجود العدد الكبير من النساء ووجود أمن الطريق من بلدها إلى البلد الذي تقصد السفر إليه.
والذي يظهر لي ترجيح المنع لقوة أدلة المانعين سفرها دون محرم إلا للحج مع نسوة ثقات كما هي حال الذهاب في حملات الحج سواء بالطائرة أو عن طريق البر.. والله أعلم.
الإجابة للدكتور علي القره داغي
هل يجوز توقف الحج والعمرة بسبب كورونا؟
– الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الفقهاء اتفقوا على جواز ترك الحج عند خوف الطريق، بل إن الاستطاعة (لأداء الحج) لن تتحقق إلا مع الأمن والأمان؛ ولذلك فالأمراض الوبائية تعد من الأعذار المبيحة لترك الحج والعمرة بشرط أن يكون الخوف قائماً على غلبة الظن بوجود المرض، أو انتشاره بسبب الحج والعمرة، والخوف من انتشار المرض بسبب الحج والعمرة يقدره أهل الاختصاص من الأطباء ويصدر بشأنه قرار من السعودية.
وفي حال إبقاء العمرة أو الحج مفتوحين فحينئذ يعود التقدير للدولة التي ظهر فيها الوباء بمنع مواطنيها من أداء الحج خوفاً من نقل الوباء إلى الحجيج والمعتمرين.
والإسلام يوجب الأخذ بأسباب الوقاية من الوباء والعلاج والحجر الصحي كما تفرضه الجهات الصحية المختصة، ولا يجوز خروج مَن كان في البلد الذي فيه الوباء إلى بلد آخر حتى لا ينتشر المرض، والإسلام يمنع دخول المنطقة الموبوءة لعدم جواز التسبب في تهلكة الإنسان لنفسه، والله أعلم.
الإجابة للجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية
هل يؤثر انتشار فيروس «كورونا» على أداء مناسك فريضة الحج هذا العام؟
– الحج ركن من أركان الإسلام، لقول الله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً» (رواه البخاري ومسلم)، وباتفاق الفقهاء؛ فإن في الآية والحديث دلالة على أن الاستطاعة شرط لوجوب الحج على المسلم، ويقصد بها الاستطاعة بالزاد والراحلة وأمن الطريق وعدم المانع من الوصول، لقوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286).
وثمة علاقة بين الاستطاعة والضرورة، التي تعرف بأنها: بلوغ المكلف حداً إن لم يفعل المحظور هلك (الأشباه والنظائر للسيوطي، ص 82)، وينعكس هذا المفهوم على فريضة الحج في مواطن عديدة تمثل خوفاً على الحجيج في ظل جائحة «كورونا»، لكن مع ملاحظة أننا لا نلجأ لفكرة الضرورة حالة وجود مخرج شرعي آخر مبني على التيسير الثابت بقوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، ومثل كون المسألة من المجتهدات، فكما هو معلوم أنه «لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه».
ولذا، فإن الخوف من انتشار عدوى فيروس «كورونا» بسبب المبيت بمنى يمكن دفعها من خلال التعويل والإفتاء بالمذهب الحنفي القائل: إن المبيت بمنى سُنة وليس واجباً، كما يمكن التعويل على الفتوى بأن الحج على التراخي وليس على الفور من أجل تقليل الرغبة الجامحة لدى الكثيرين في الأداء الفوري، بل يمكن الإفتاء بمنع من حج سلفاً من طلب الحج هذا العام باعتبار حجه الثاني المراد من قبيل المندوب، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فقال: «يا أيها الناس، إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم»، ثم قال «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (رواه أحمد ومسلم والنسائي)، فيه دليل على أن الأمر لا يقتضي التكرار.
وإذا لم تسعفنا قواعد التيسير في محاصرة عدوى الفيروس، وبما يؤدي إلى ظن الهلاك للأنفس، فلا بد إذاً من إعمال حكم الضرورة بضوابطها الشرعية من وجوب إزالة الضرر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مسنداً، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً: عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضاً).
فضلاً على أنه تقدر الضرورة بقدرها، وأن يتحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأعظم، وكون الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ومن ثم يمكن ظهور أثر هذه الضرورة في فريضة الحج في مواطن عديدة؛ منها على سبيل المثال وليس الحصر: تحديد عدد الحجاج بما يحقق القدر المطلوب للتباعد، ومنع الحجاج من الخارج إعمالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يورد ممرض على مصح» (رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه).
وسيظهر أثر الضرورة على مسألة رمي الجمار؛ حيث يباح لمن لديهم أمراض مزمنة تجعلهم أقرب إلى العدوى أو تفاقم المرض عند الإصابة بأن ينيبوا غيرهم لرمي الجمار عنهم، فضلاً عن إمكانية منع الحجيج من أداء الجماعة والجمعة إلا في حدود تحقق التباعد المطلوب، بجانب إمكانية منع غير الحجيج من دخول المسجد الحرام لعدم المزاحمة.
وينعكس أمر الضرورة في الحج على الميقات المكاني للإحرام؛ حيث يتزاحم الناس من أجل الاغتسال والصلاة في مساجد بذاتها، ومن ثم يمكن توجيه الناس بالاغتسال قبل الميقات والإحرام عند المرور من الميقات دون نزول في المساجد من أجل ضرورة التباعد ومنع الزحام، كما سيكون للضرورة أثر في إباحة بعض محظورات الإحرام مثل جواز أن تلبس المرأة القفازين وستر وجهها وقاية وخوفاً من الفيروس، إذ يباح لها ستر وجهها لمرور الرجال، فخوفاً من الفيروس والعدوى أولى، ومثل استخدام الصابون في الجسد والثياب باعتباره قاتلاً للفيروس، رغم أن المحرم لا يتطيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته الدابة «لا تمسوه بطيب» (رواه مسلم)، كما أن من يحتاج لتغطية وجهه ورأسه للضرورة كالأطقم الطبية يجوز له ذلك رغم النهي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تخمروا وجهه ولا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً» (أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما).
كذلك تنعكس الضرورة على الحج فتسقط السنن والمندوبات التي تؤدي إلى التزاحم مثل منع الناس من تقبيل الحجر الأسود منعاً للتزاحم ونقل الفيروس عن طريق تلامس رطوبات الفم والأنف، باعتبار أن تقبيل الحجر من المندوبات، ومثل منع سُنة صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم الثابت بقوله تعالى: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة: 125)، فتسقط الضرورة هذا المندوب خوفاً من التزاحم وانتشار العدوى، ومثله سُنة الوقوف للدعاء عند الصفا والمروة.