تواصل الصين منذ سنوات مساعيها الحثيثة للحصول على مشاريع استثمارية كبيرة في العراق، تشمل مجالات الطاقة وإعادة الإعمار وغيرها.
ويرى مختصون أن هدف الصين الحقيقي هو إحياء مشروع “الحزام والطريق”، حيث يسعى العراق إلى أن يكون نقطة ربط رئيسية في طريق الحرير الجديد، ويخطط لتوسيع موانئه البحرية وتجديد خطوطه البرية، من أجل كسب مردودات إيجابية.
أهمية إستراتيجية
يجد المتتبع للعلاقات الصينية العراقية في بُعدها الحديث أن بدايتها تعود إلى عام 1958، عندما أيدت الصين تغيير نظام الحكم في العراق من ملكي إلى جمهوري، ثم تطورت خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث استفادت الصين اقتصاديا من “برنامج النفط مقابل الغذاء” لتعزز من تأثيرها في الساحة العراقية، ومن ثم ازداد هذا الوجود في المجال الاقتصادي بعد عام 2003، بحسب أستاذ العلوم السياسية الدكتور مثنى العبيدي.
ويضيف العبيدي أن صانع القرار الصيني يدرك أهمية العراق الإستراتيجية في السياسات الدولية وخاصة مكانته في السياسات الأميركية ومدى علاقته بها، وما يمكن أن يوفره العراق من أوراق ضغط وتأثير بين واشنطن وبكين، فضلا عما يمكن أن يشكله من قوة إقليمية فاعلة في حال تجاوزه لأزمته الحالية.
ويؤكد العبيدي أهمية الموقع الجغرافي للعراق من ناحية وجوده على رأس الخليج العربي، وما يمثله من حلقة وصل بين المنطقة العربية وجوارها الشرق أوسطي، مثلما يصل إيران ودول الخليج بأوروبا عبر تركيا، وهذا ما جعل الصين تصوّب سياستها نحو العراق لضمه إلى مشروع “طريق الحرير”.
استثمارات الطاقة
وتعتبر الشركات الصينية من أكبر المستثمرين في مجال الطاقة في العراق، وهذا يرجع بالدرجة الأساس إلى الاحتياطيات الكبيرة الموجودة في العراق، بالإضافة إلى سهولة الاستخراج النفطي بالنسبة لتلك الشركات، كما يرى الباحث المختص في شؤون التجارة والنقل الدكتور أحمد صدام عبد الصاحب.
ويبيّن عبد الصاحب أن الفرص الاستثمارية التي توفرت بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2011، قد ولدت رغبة من الكتل السياسية في العراق إلى الشركات الصينية أكثر من الشركات البريطانية والأميركية وغيرها.
ويشير إلى أن أهم الحقول النفطية والغازية التي تستثمرها الصين في العراق حقل الأحدب في محافظة واسط، والذي يدار إنتاجه من قبل شركة البترول الوطنية الصينية، أما الحقل الثاني والكبير فهو حقل حلفاية في مدينة العمارة، والذي يقدر فيه احتياطي كبير من النفط الخام هذا من قبل شركة “سي.إن.بي.سي” (CNPC) الصينية حيث تستحوذ على 50% من إجمالي الاستثمارات هناك.
ويتابع عبد الصاحب “كذلك في حقل الرميلة تشارك الصين شركة بريتيش بتروليوم (BP) البريطانية وهو أكبر حقول العراق، بالإضافة إلى حقول أخرى”.
وتقدر صادرات العراق من النفط الخام إلى الصين بنسبة 44% من إجمالي صادرات النفط، حسب بيانات موقع تتبع ناقلات النفط، وهذا يعكس قوة العلاقات الاقتصادية الصينية وتزايد حاجة الصين من النفط ولا سيما النفط الخام العراقي.
استثمارات أخرى
وينوه خبير التجارة والنقل إلى أن حجم التبادل التجاري بين العراق والصين يتجاوز 30 مليار دولار سنويا، وذلك لاعتماد السوق العراقي بشكل شبه كامل على السوق الإيراني والسوق الصيني، حيث إن السلع الصينية هي الأقل كلفة بالنسبة للمستهلك العراقي وتناسب جميع أو معظم طبقات المستهلكين وقدراتهم الشرائية.
ويبين عبد الصاحب أن الصين تحاول الاستثمار في مجالات الإسكان وغيرها، وذكرت موازنة عام 2021 أن الشركات الصينية تعتزم بناء مدارس وإنشاء مستشفيات بسعة 100 سرير للمستشفى الواحد، وهناك مشاريع أخرى مثل إكمال محطات الكهرباء وبناء 4 آلاف وحدة سكنية في ميسان، وخطط لبناء مدارس ومجمعات سكنية ضمن صفقة النفط مقابل الإعمار.
بدوره، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي النائب أحمد حمه رشيد إن الاتفاقية الصينية العراقية تم تجميدها، وكانت بحجم 500 مليار دولار، على أساس تسليم العراق قيمة 100 ألف برميل يوميا إلى الصين.
ويعرب عن اعتقاده بأن الاتفاقية الصينية كانت من أسباب إزاحة عادل عبد المهدي، والمجيء بحكومة الكاظمي التي جمدت الاتفاقية.
الحزام والطريق
ويعتقد الخبير الاقتصادي عبد الحسن محيي الشمري أن الصين تريد منافسة أميركا وأوروبا والسيطرة على العالم اقتصاديا، وهذا حق من حقوقها، ولديها كتلة نقدية هائلة ممكن استخدامها في مشاريع عملاقة وكبيرة لتوصيل بضاعتها إلى أوروبا بأقل التكاليف، وطريق الحرير هو الأفضل لتحقيق هذه الأهداف.
ويضيف أن الصين تسعى لتكوين طرق سريعة تختصر المسافات والزمن وتقلل المخاطر، وبالتالي يعتبر العراق البلد المحوري في هذا الموضوع، ويوجد صراع بين أميركا والصين على العراق، وسعت الصين لجذب العراق للمشاركة في طريق الحرير، خصوصا أن ميناء الفاو الكبير هو المفصل الرئيسي في هذا المشروع.
ويرجح الخبير الاقتصادي أن البصرة هي مفصل رئيسي أفضل من دبي، ويؤكد ذلك تلك الحرب الشعواء بين الصين وأميركا وحلفائها على موضوع ميناء الفاو الكبير.
ويشدد على أن هدف بكين الرئيسي في العراق هو طريق الحرير، لأن النفط ممكن أن تأخذه الصين من أي دولة أخرى، بينما مشروع حزام الطريق سيقلل الكلف كثيرا على النقل وينعكس إيجابيا على السلع الصينية المصدرة إلى أوروبا وتكون المنافسة واقعية.
ويوضح الشمري أنه إذا ما تم طريق الحرير فإن البواخر الصينية تأتي إلى ميناء الفاو وتفرغ حمولتها وتنقل عن طريق السكك الحديدية الذي يسمى الميناء الجاف إلى البحر الأبيض المتوسط أو إلى تركيا، وهناك تنافس كبير بين الدول لجني ثمار هذا المشروع.
مكاسب ومخاطر
ويقول أستاذ الجغرافيا السياسية المساعد الدكتور مثنى المزروعي إن إحياء طريق الحرير بدأت به الصين عندما أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 وأفصح عن إستراتيجية الحزام والطريق، وهذه الإستراتيجية هدفها الأساسي هو إحياء الطرق البرية والبحرية التي كانت تتخذها الصين ممرات للوصول إلى قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وفي حديثه، يرى المزروعي أن هذا المشروع مهم جدا وفيه فوائد اقتصادية كبيرة، إذا تم استثماره بطريقة ذكية ومن قبل إدارة نموذجية للحكومة العراقية، خصوصا إذا أنجز ميناء الفاو الذي سيعد حينها إنجازا كبيرا للحكومة.
ويشير إلى أن الصين تفضل ميناء الفاو لأن الغاطس يصل عمق 24 مترا، بينما غاطس ميناء مبارك لا يتجاوز 16 مترا في أحسن حالاته، وهذا يمنع السفن ذات الغاطس العالي من الوصول إليه، وهذا المشروع إذا ما تمت إدارته من قبل الحكومة العراقية وتم التعامل بذكاء وحرفية ومهنية، فبالتأكيد سيغير كثيرا من واقع الاقتصاد العراقي لأنه سيعزز العراق بموارد اقتصادية جديدة، بحسب المزروعي.
وينقل عن دراسات وبحوث تقديرها بأن عائدات مشروع طريق الحرير تتراوح بين 20-60 مليار دولار سنويا، وهذا بالتأكيد سيرفع من قيمة الاقتصاد العراقي ويوفر فرص عمل ويقضي على البطالة والفقر، مستدركا بأن المشروع يحتاج إلى سنوات وخطط عمل واسعة وأموال طائلة لجني ثماره.
وحول المخاطر المتوقعة من هذا المشروع، يقول المزروعي إن أموال المشروع إذا فقدت بسبب الفساد فهذا سيضع العراق في التزامات كبيرة جدا أمام الصين، وستكبل الاقتصاد العراقي بالديون ويخسر العراق كثيرا بعد أن تضع الصين يدها بالكامل على المشروع.
ويحذر من أن واشنطن قد تحاول إعاقة دخول العراق ضمن المشروع الصيني، وستصنع الكثير من المشاكل للحكومة العراقية، وهذا بالتأكيد سينعكس على الداخل العراقي اقتصاديا وأمنيا.
ودعا خبير الجغرافيا السياسية حكومة العراق إلى دخول المشروع بشكل منظم ومدروس، من خلال تشكيل لجان مختصة لدراسة هذا المشروع الذي يعزز الاقتصاد العراقي.