دعا د. أنوار الله لودين، رئيس ومؤسس الجالية الأفغانية بالكويت، أبناء الحركات الإسلامية بأفغانستان إلى الاجتماع لإنجاح تجربة «طالبان» في الحكم بتأييدهم وتصحيح مسارهم؛ لأنها لو فشلت تلك التجربة هذه المرة بعد فشل التجربتين الأوليين؛ فلن يبقى لنا شيء نواجه به العالم الإسلامي، حسب قوله.
جاء هذا من خلال الحوار الذي أجرته معه “المجتمع” حول الحركات الإسلامية في أفغانستان، والطبيعة الدينية للشعب.
ود. لودين حاصل على الدكتوراه في الفقه المقارن، ويعمل معلماً بالمعهد الديني بقرطبة في الكويت، كما أنه عضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
بداية، نرحب بكم، واسمح لنا أن نبدأ من كلمة الرئيس الأمريكي بأن «أفغانستان مقبرة الغزاة»، ما دلالة هذا التصريح؟ وما انعكاساته على المستوى الأمريكي والدولي؟
– في البداية، أشكر مجلة «المجتمع» هذا الصرح الإعلامي الكبير والعريق، الذي يناقش قضايا الأمة الإسلامية شرقاً وغرباً، على منحي هذه الفرصة لهذا اللقاء.
أما ما يتعلق بكلام الرئيس الأمريكي «بايدن» بأن أفغانستان مقبرة الغزاة، سأنقل كلاماً للدبلوماسي المشهور «هنري كيسنجر» في كتابه «النظام العالمي» حين يتكلم عن القضية الأفغانية، فقال: «تبين أن التحذيرات الأولية حول أفغانستان بوصفها مقبرة الإمبراطوريات بلا أساس»، لكن الآن الرئيس الأمريكي يؤكد أنه بالفعل أفغانستان مقبرة الغزاة والإمبراطوريات، وهذا الواقع لا ينكره أي ناظر منصف؛ حيث تم هزيمة الإنجليز في عام 1919م، ثم الاتحاد السوفييتي بجيوشه الحُمر، في عام 1992م، الذي تفكك بعد ذلك، ورأينا خروج أكثر من 10 دول إسلامية من بطنه، والآن في عام 2021م حصل الانتصار، واندحر الجيش الأمريكي ومن حوله من قوات «الناتو»، فهذا انتصار كبير للشعب الأفغاني.
وتأثير هذا التصريح قوي، وسيكتب التاريخ أن هذه الجهود البسيطة من الشعب الأفغاني استطاعت أن تهزم هذه الإمبراطورية، وكذلك انعكاساته قوية على الشعب الأمريكي، والدليل أن شعبية «بايدن» بدأت في الانحسار وتتراجع عند الشعب الأمريكي، فهو اعتراف منه بالهزيمة.
الشعب الأفغاني طوال تاريخه لم يُستعمَر فلم يُلوث دينه بالثقافات الغربية وحافظ على طبيعته الإسلامية النقية
ظهرت في تاريخ الجهاد الأفغاني روح إسلامية عالية منتمية لدينها وثقافتها؛ فنرجو أن تلقي الضوء على الطبيعة الدينية للشعب الأفغاني.
– بالنسبة للروح الدينية الإسلامية للشعب الأفغاني؛ فالكلام فيها ذو شجون، فالشعب الأفغاني شعب شجاع، فيه من الميزات الكثيرة، وأغلبها مأخوذ من روح الدين الإسلامي، مثل: الشهامة، والشجاعة، وإكرام الضيف، والغيرة على الدين، والغيرة على الأراضي الإسلامية.
كذلك اشتُهر عن الأفغاني أنه لا يُسلّم بندقيته لأحد، وإذا سلّم بندقيته لأحد يعتبر من العيب، وربما يتسبب ذلك في عدم التقائه مع نسائه بعد هزيمته؛ لذلك فقيم الدين متجذّرة في الشعب الأفغاني، وربما هناك قضية لم ينتبه إليها الكثير من الناس، وهي أن الشعب الأفغاني طوال تاريخه لم يُستعمَر، وبالتالي لم يُلوث دينه بالثقافات الغربية، فبقي على طبيعته الإسلامية النقية، لكن قد تكون دخلت بعض العادات، التي شاب بعضها شيء من الخرافات، لكن حب الشعب الأفغاني للدين غير طبيعي.
أعطنا فكرة عن خريطة الحركات السياسية والإسلامية ومناطق تأثيرها؟
– الحركات كثيرة، وعلى رأسها «طالبان»، وهي حركة ليست كما يُنشر عنها أنها صوفية، أو بدعية، وإنما هي حركة مذهبية، تنتمي إلى المذهب الحنفي، وهو المذهب الرسمي في القانون والدستور الأفغاني، وربما تكون حركة «طالبان» متأثرة بالمدرسة «الدويباندية»، الذين لهم فهم خاص لبعض أمور الدين، فقد يكون هناك بعض قصر النظر في فهم بعض القضايا، لكنها حركة إسلامية أصيلة.
وهناك حركات جهادية قديماً كانت موجودة، لكن بدأت تتلاشى، مثل حزب الجمعية الإسلامية التي كان يرأسها الشهيد برهان الدين رباني، رحمه الله، وأثرها في الواقع قليل، وحدثت فيها انشقاقات أكثر من مرة، وآخرها حينما صار ابن الشيخ برهان الدين رباني وهو صلاح الدين رباني رئيساً لها، فانشق عنه نائبه أو الأمين العام للحركة محمد نور، وصارت الجمعية الآن في الفترة الأخيرة من شقين، وكان قبلها انشقاقات أخرى، والآن أثرها ليس قوياً في الساحة، وإن كانت موجودة، وأثرهم الكبير في المناطق الشمالية للبلاد.
كذلك يوجد على الساحة حزب إسلامي للمهندس حكمتيار، وهو بتنظيمه ونظمه حزب قوي، وما زال مؤثراً جداً في المجتمع في الشباب والطلاب وفي الجامعات، وشبابهم متحمس للعمل باستمرار، وعندهم قدرة على التنظيم في أي وقت، ولهم علاقات طيبة مع «طالبان»، خاصة بعد الغزو الأمريكي، فقد أعلن حكمتيار الجهاد ضد أمريكا، ثم قبل عامين عمل مصالحة مع حكومة أشرف غني، ولكن الصلح لم يكن ناجحاً، فقد خرج من الصف القتالي إلى النزاع، أو الجهاد السياسي.
وكانت هناك حركات أخرى موجودة مثل حركة الاتحاد الإسلامي للشيخ سياف، لكن الآن ليس له أثر؛ لأنه نفسه خارج البلاد.
كذلك يوجد في الساحة جماعة مؤثرة جداً أكثر من الجميع، وهي جمعية الإصلاح الأفغانية، ولها فروع في جميع المحافظات، وبعيدة عن النزاعات القبلية والطائفية، والمناطق القوية، أو اللسانية، فهي تجمع جميع طوائف أو قبائل أفغانستان، وهي مؤثرة وخطها معتدل، فهي تنتهج المنهج الإسلامي الوسطي، وليسوا في أي جانب من الحركات المغالية؛ ويقومون بعمل تربوي دعوي فكري وسط الشعب الأفغاني.
من يقود «طالبان» الآن هم جيل الشباب الذين درسوا بالجامعات ورأوا العالم وما فيه من سياسات وتوازن القوى
هل استفادت الحركات الإسلامية من تجربة الجهاد ضد السوفييت وما تبعها من اختلافات كان لها تداعيات كارثية على أفغانستان؟
– أظن أن منهم من استفاد من التجربة، ومنهم من لم يستفد، مع الأسف الشديد، ما زال بعض الأشخاص والجماعات لديهم أفكار إقصائية وعنصرية، لكن هناك جماعات تفكر بروية واعتدال.
لكن حالياً الموجود على الساحة الذي يظهر أنه هو السلطة الرسمية هم «طالبان»، وهذه التجربة الثانية التي يدخلون فيها إلى الحكم، في المرة الأولى في العام 1996م كان تمثيلهم وتفسيرهم للفكر الإسلامي سيئاً، فكرههم الناس، لأن فهمهم كان خطأ، لكن ما نراه الآن ظاهراً على الأقل إلى هذه اللحظة أنهم تغيّروا، ولي ملاحظتان في هذا السياق:
الأولى: أن من جاء في العام 1996م كان هم آباء «طالبان» الآن، وبعضهم استشهد، وبعضهم من كبار السن وجلسوا في البيوت، لكن من يقود الحركة الآن هم جيل الشباب، الذين درسوا في الجامعات وأخذوا تخصصات، ورأوا العالم وما يدور فيه من السياسات، وتوازن القوى، ويظهر أنهم استفادوا من التجربة السابقة، وربما نلاحظ هذا جلياً وواضحاً أمامنا أنهم غيّروا أسلوبهم مع الشعب ومع المخالف والدول المجاورة والأجنبية، حتى مع الأمريكيين الذين حاربوهم 20 عاماً، الآن يتعاملون معهم بدبلوماسية رائعة.
الثانية: ما يظهر الآن أن «طالبان» استفادت من التجربة السابقة لها، وللمجاهدين معها وقبلها مع الاتحاد السوفييتي، فهذه تجربة جديدة، ولو سارت في هذا المسار، فسيقف معها الكثير من الحركات ويؤيدونها.
ونحن في أفغانستان كان لنا ثلاث تجارب في تسلم الإسلاميين للحكم، لكن مع الأسف التجربتان الأوليان كانتا فاشلتين إلى أبعد الحدود؛ تجربة المجاهدين مع السوفييت، وتجربة «طالبان» في عام 1996م، لكن إذا كانت «طالبان» تسير على ما عليه الآن في الظاهر، فأنا أنادي من هذا المنبر مجلة «المجتمع» جميعَ الحركات الإسلامية في أفغانستان أن يؤيدوا «طالبان» ويصححوا مسارها، إذا استطاعوا، وأن يشاركوها في بناء الحكومة والدولة الإسلامية من جديد لمساعدة جميع المسلمين في العالم؛ لأنه -لا قدر الله- لو فشلت هذه التجربة هذه المرة، فلن يبقى لنا شيء نواجه به العالم الإسلامي، فهذه هي التجربة الثالثة، ويجب أن تُستثمر، وأن يجتمع أفراد جميع الحركات الإسلامية بأفغانستان، ويبذلوا جهودهم لنجاح هذه التجربة بطريقة حكيمة.
جمعية «الإصلاح» قائمة على الشورى وكل 4 سنوات تتجدد القيادة عن طريق الانتخابات
نريد إلقاء الضوء بصورة أكثر تكثيفاً على جمعية الإصلاح الأفغانية؛ من حيث نشأتها، ودورها في المجتمع.
– جمعية الإصلاح الأفغانية تأسست عام 1991م في باكستان، حينما بدأ الجهاد الأفغاني يغيّر مسيره وبدأ في الاختلافات؛ حيث بدأ بعض الشباب يفكرون في خط آخر، ونذكّر بأن جميع الحركات الإسلامية الجهادية السابقة كان منشؤها إسلامياً أصيلاً، مستوحاة من تجربة مصر في الفكر الإسلامي المعتدل، لكن مع سنوات الجهاد والتربية الجهادية بدأ ينحرف بعضها رويداً رويداً عن الخط الأصيل الذي تربوا عليه في أفغانستان من قبل الثورة، من هنا بدأ التفكير في خط جديد لتصحيح المسار، فأنشؤوا المركز الثقافي في بيشاور، وبدؤوا يدعون الشباب للتربية من جديد على الفكر الإسلامي المعتدل، وقاموا بتنظيم المؤتمرات والدراسات والحلقات التربوية، ولا شك أنهم كانوا من نفس المجتمع الذي يعيشون فيه، وكان المجتمع جهادياً في باكستان، لذا كانت لهم مشاركات رائعة جداً بالجهاد، فمنهم قادة، ومنهم جنود، ومنهم من كان من العلماء والدعاة في هذه الجبهات؛ فكانت هذه البداية نواة «جمعية الإصلاح الأفغانية»، وبدأت حركتهم تنتشر، وصارت لهم علاقات مع الحركات الإسلامية القريبة من فكرهم.
كان لـ«الإصلاح» دور كبير في أحداث أفغانستان بعد دخول المجاهدين في عام 1992م، فعملت من خلال مركز ثقافي إسلامي في أفغانستان؛ حتى جاءت حكومة كرازاي، وكنا بحاجة إلى أن ننشئ جمعية رسمية في الحكومة، فتم تسجيل الجمعية باسم «الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية»، ولها فروع نسوية ناشطة.
وجمعية الإصلاح قائمة على مبدأ الشورى، وكل 4 سنوات تتجدد فيها القيادة عن طريق الانتخابات، من أصغر حلقة إلى القيادة العليا؛ لذلك نجدها جمعية متماسكة ومنظمة تنظيماً جيداً.
وفي الأحداث الأخيرة، كان لأعضائها جهود كبيرة في تحقيق الصلح بين الحكومة و«طالبان»، وأنشؤوا لجنة خاصة يرأسها أحد القضاة، التقوا مع الأطراف المختلفة أكثر من مرة، وحاولوا أن يجمعوا كلمة الطرفين على أمر وسط.
وللجمعية نشاطات شبابية، فهم منتشرون في 34 محافظة، ولهم نشاط كبير في المجتمع الأفغاني؛ من الدروس، والمؤتمرات، والدورات التدريبية والمهارية، والخُطب وإنشاء مراكز ومساجد، ودور الأيتام، وعندها اتحاد للأطباء، وآخر للمعلمين، ولها جامعات، مثل جامعة السلام في كابل، وفي قندوز، وكذلك دور المعلمين، ومدارس ثانوية دينية، وعامة، ومدارس متوسطة وابتدائية، وتمتلك الجمعية قنوات تلفزيونية في هيرات وكابل، وفي شرق أفغانستان، وأيضاً إذاعات، ومجلات أسبوعية وشهرية.
ونشاطات الجمعية مؤثرة جداً، ولم تألُ جهداً في مساعدة الشعب الأفغاني، فلها فروع منتشرة في أنحاء البلاد للمساعدات الإنسانية حين وقوع زلزال، أو فيضانات، أو حروب، فشباب الجمعية يصلون إلى المناطق المنكوبة بأقصى سرعة، ويقومون بجمع التبرعات والمساعدات من الناس ويوزعونها على المحتاجين والمتضررين.
وبهذه المناسبة، نحن في هذه المرحلة نحتاج الكثير، فالبلد مدمّر، ويحتاج إلى إعادة البناء والتعمير، لذلك نحتاج إلى مساعدات إخواننا المسلمين في أنحاء العالم.
على ذكر احتياجاتكم الكثيرة في مجال العمل الخيري والإنساني، كيف ترون الموقف الكويتي في هذا الجانب بالنسبة لكم؟
– لو لم يكن العمل الخيري الكويتي ناجحاً لما حصلت الكويت على هذه المكانة الرفيعة، والدليل أن الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد يرحمه الله أخذ لقب «قائد العمل الإنساني في العالم»، وهذا لم يأت من فراغ، بل من الجهد الذي يبذله الشعب الكويتي والحكومة في العالم، وسوف أحكي قصة قصيرة، حينما نزلت إلى أفغانستان في إحدى مناطق كابل، كان بيت أحد أقاربي بالقرب من مسجد يطلقون عليه «المسجد الكويتي»، وهذا المسجد بُني قبل 50 عاماً، فخير الكويت ممتد لعقود مضت.
لذا، نحن نثني على العمل الخيري في الكويت، وهو عمل مبارك ونعتز به، ونعتبر أنفسنا جزءاً من هذا العمل، حيث نشارك إخواننا في جمعية الإصلاح بمكتب التعاون في مثل هذه النشاطات، وهذا العمل كما هو واضح خارج الكويت، وواضح أيضاً داخل الكويت مع الجاليات الإسلامية، وأنا بصفتي منسقاً للجالية الأفغانية أشعر بذلك، وأن هذا الخير واصل لجميع الناس، ولو أردت أن أذكر هذه المساعدات التي قمنا نحن بتوزيعها على الجالية الأفغانية خلال أزمة «كورونا» فإن ذلك يحتاج إلى وقت ومساحة كبيرين.
لذلك، نرجو أن تمتد هذه الأيادي الخيِّرة إلى أفغانستان بإعادة البناء؛ من مستشفيات، ومدارس، ومراكز تعليمية وتدريبية ومصانع وغيرها الكثير.