أعرب العديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاعتبارية في تونس عن رفضها التمديد في الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو الماضي؛ حيث أصدر أمراً رئاسياً يقضي بالتمديد في التدابير الاستثنائية إلى إشعار آخر.
فبعد أن كانت هناك آمال بأن يكتفي سعيّد بفترة الشهر الواحد التي حددها في قراره الأول، وأن يعيد الأمور إلى نصابها، فوجئ الجميع بإصراره على تمديد هذه الإجراءات إلى أجل غير مسمى، في خطوة رأتها مؤسسات المجتمع المدني والحقوقي تكريساً لحكم الرجل الواحد في خطوة دكتاتورية غير مسبوقة.
البداية مع حركة «النهضة» التي أكدت، في بيان لها حصلت «المجتمع» على نسخة منه، تمسّكها بموقفها المبدئي المعلن منذ الساعات الأولى للقرارات الرئاسية، مساء 25 يوليو الماضي، الذي يعتبر تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن النواب خرقاً جسيماً للدستور ومخالفة صريحة لمقتضيات الفصل (80) منه في التنصيص على إبقاء المجلس في حالة انعقاد دائم، وفي تعبير بيان صدر عن الحركة، مساء الثلاثاء 24 أغسطس الماضي.
«النهضة» دعت لمعالجة أولويات الشعب ووضع حدّ للاعتداء على حقوقه الدستورية
وعبرت حركة النهضة عن انشغالها العميق بالغموض الذي يكتنف مستقبل البلاد بعد الأمر الرئاسي بالتمديد الذي يلغي مراقبة البرلمان الذي يمنح الدستور لرئيسه أو 30 من أعضائه حق طلب إنهاء الإجراءات الاستثنائية.
ودعت حركة النهضة إلى استئناف المسار الديمقراطي المُعطّل منذ 25 يوليو، والعودة السريعة إلى السير العادي لدواليب الدولة كما ينص على ذلك الفصل (80) من الدستور، واعتماد الحوار سبيلاً وحيداً لحلّ مختلف المشكلات.
وأكّدت الحركة حاجة البلاد الملحّة إلى الانصراف إلى معالجة أولويات الشعب الاقتصادية والمالية والتنموية واستحقاقات العودة المدرسية والجامعية والموسم الفلاحي، وما يقتضيه ذلك من تسريع بتعيين الشخصية المكلفة بتشكيل حكومة وعرضها لنيل ثقة البرلمان وإعطائها الشرعية القوية اللازمة لمجابهة أوضاع تونس الصعبة.
وطالبت الحركة بوضع حدّ لما تعرض ويتعرض له عدد من المواطنين من ضروب متنوعة من الاعتداء على حقوقهم الدستورية؛ سواء باحتجازهم في بيوتهم أو بمنعهم من السفر أو التضييق على حرياتهم في التعبير أو إحالتهم على القضاء بمخالفة الدستور والقوانين.
دكتاتورية مطلقة
إلى ذلك، اعتبر حزب «حراك تونس الإرادة»، الذي يتزعمه الرئيس التونسي الأسبق محمد منصف المرزوقي، أن التمديد في التدابير الاستثنائية ليوم 25 يوليو الماضي خطوة جديدة نحو الدكتاتورية المطلقة.
وأكد الحزب، في بيان له الأربعاء 25 أغسطس، أن الرئاسة في تونس انحرفت بالسلطة، ووضعت نفسها بالقوة العسكرية والأمنية في موقع أفضلية للاعتداء على سائر المؤسسات السياسية والدستورية، وأن هذه الأفضلية لم يمنحها إياها الدستور الذي فصل بين السلطات ووزع السلط بينها.
وعلّق على قول سعيّد بأن البرلمان «الخطر الداهم والجاثم»، يمثّل اعترافاً صريحاً منه بأنه قام بانقلاب أزاح به السلطة التشريعية التي تمثل محور النظام السياسي حسب الدستور، خدمة لأجندة سياسية وتحقيقاً لرغبات دول تمثل أنظمتُها نموذجاً للاستبداد المتوحّش وللفساد ولتبذير ثروات شعوبها، وفق ما جاء في نص البيان.
وقال الحزب في بيانه: إن الرئيس سعيداً كان عاملاً مشجّعاً لمخطّط تهوين البرلمان ولم يساعد إطلاقاً على الإصلاح، معتبراً أنه لو كان حريصاً على إصلاح المسار الديمقراطي لاتبع الحلول التي أقرّها الدستور لمعالجة الأزمة السياسية بما يؤدي إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها في الآجال المحددة.
وجدد «حراك تونس الإرادة» دعوة سعيّد إلى الكف عن المغامرة بمستقبل الشعب والبلاد، والاحتكام إلى الحوار تحت سقف الدستور لتحقيق الإصلاح السياسي والمؤسساتي والقضاء على «لوبيات» الفساد بمجهود جماعي متضافر.
من جهته، أعرب حزب «الأمل»، الذي أسسه السياسي المخضرم محمد نجيب الشابي، عن انشغاله من التمديد في التدابير الاستثنائية في ظل ضبابية الرؤية، وغياب تصور واضح للخطوات المقبلة لرفع هذه الإجراءات وعودة المؤسسات لأداء عملها.
وأكد الحزب تمسكه بالفصل بين السلطات والعودة للمؤسسات الشرعية، وذلك في بيان أصدره الثلاثاء 24 أغسطس، إثر لقاء جمع وفداً من الحزب بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة نقابية) نور الدين الطبوبي بمقر الاتحاد.
وقد عبر وفد الحزب عن تخوفه مما قد ينتج عن جمع كل السلطات في يد الرئيس، منذ 25 يوليو الماضي، في غياب السلطة الرقابية، وعلى رأسها البرلمان والمحكمة الدستورية.
وأعرب كذلك عن انشغاله بالأزمة العامة التي تمر بها البلاد سياسياً واقتصادياً، إضافة إلى الشلل الكامل لمؤسسات الحكم والهيئات الدستورية، وفق نص البيان.
إلى المجهول
من ناحيته، جدد حزب «ائتلاف الكرامة» الإعلان عن رفضه لكل القرارات الرئاسية التي عقبت انقلاب 25 يوليو التي أدخلت البلاد في المجهول، وندّد بمواصلة تجميد عمل السلطة التشريعيّة ورفع الحصانة على النواب بشكل مخالف تماماً للدستور، كاستهداف عدد من نواب ائتلاف الكرامة بمحاكمة عسكرية غريبة وعجيبة على وقائع سبق وأن تعهد بها القضاء العدلي منذ مارس الماضي.
وأدان المكتب السياسي للائتلاف، إثر اجتماعه الأربعاء 25 أغسطس، عن بُعد مع أعضاء الكتلة البرلمانية، كل أشكال التضييق على الحريّات العامّة والعقوبات الجماعيّة التي تستهدف السياسيين ونواب شعب والقضاة والمحامين ورجال الأعمال وأصحاب الرأي وحرمان المواطنين من حقوقهم المدنية التي جاءت بها ثورة الحرية والكرامة وأقرّها دستور الثورة الذي توافقت عليه أغلبية واسعة جداً من التونسيين.
وأكد أن عواقب هذه الممارسات الدكتاتورية واحتكار السلطات تحت مسمى الإجراءات الاستثنائية لم ولن يحقق شيئاً مما عجزت عن تحقيقه الديمقراطية المتعثرة.
كما أكد اصطفاف الحزب بكل قوة مع مطالب الشعب المشروعة في العيش الكريم، وفي التوزيع العادل للثروة، وفي المقاومة الحقيقية للفساد ولأساطين المافيا والاحتكار التي لطالما تفادت أجهزة الدولة التصدي لها لوجود من يحميها من داخل منظومات الحكم المتعاقبة.
وجدّد الائتلاف دعمه لكل جهد يستهدف التحشيد لجبهة وطنية لمناهضة الانقلاب والعودة للشرعية الدستورية في أقرب الآجال، ودعمه لأي مسار قانوني في تتبع كل من استغل التدابير الاستثنائية لخرق القانون والتعدي على الحريات العامة والخاصة مباشرة أو بالتعليمات، وذلك أمام القضاء الداخلي أو الدولي عند الضرورة.
كما أدان أي محاولات لاختلاق وافتعال روايات وقصص وهمية بهدف بث الرعب في قلوب التونسيين، أو ضرب علاقاتنا بأقرب جيراننا (يقصد ليبيا والجزائر)، وفق ما جاء في نص البيان.
وأدان الحزب كل الدعوات الشعبوية إلى مزيد الانحراف بالمسار الحالي والسقوط به إلى هاوية الإقصاء والتناحر بين التونسيين والتونسيات والذهاب به إلى ما لا يُحمد عقباه.
وشدد على أن الحل الوحيد للخروج من كل المطبات التي تعترض تونس الآن هو الإعراض عن الإملاءات الخارجية، وبخاصة تلك التي تضمر العمل على ضرب مسار الانتقال الديمقراطي، وتهدد نسيجنا المجتمعي، والاستعاضة عن ذلك بأن يخفض الجميع جناح التواضع لشركائه في الوطن، وأن يجلس الجميع ودون إقصاء وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، ووضع المصلحة العليا للوطن فوق أي اعتبار وتقديم ما ينفع الناس، والخروج بتونس سليمة معافاة وبائياً واجتماعياً واقتصادياً.
«العمال»: تمديد التدابير الاستثنائية لمدة غير معلومة حلقة في المسار الانقلابي
تعمد الغموض
وفي سياق متصل، اعتبر حزب العمال اليساري أن تمديد التدابير الاستثنائية لمدة غير معلومة يمثل حلقة من حلقات المسار الانقلابي الذي فتحه الرئيس سعيد، لتحييد خصومه في منظومة الحكم والاستيلاء على كافة السلطات.
وأضاف، في بيان أصدره الأربعاء 25 أغسطس، أن هذا التمديد يسمح لسعيد بمواصلة احتكار كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية دون الخضوع لأي رقابة، واستكمال انقلابه على الدستور، مستنكراً مواصلة تعمّد الرئيس سعيّد الغموض في كل ما يتعلق بالخطوات التي سيقطعها مستقبلاً.
وأشار الحزب، في بيانه، إلى أن سعيّداً لم يقم بأي إجراءات أو حتى مؤشرات جدية وعميقة سواء لمقاومة الفساد المالي والسياسي والإداري، أو فتح ملف الاغتيالات السياسية والإرهاب وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر، أو التخفيف من انعكاسات الأزمة الاقتصادية والمالية على حياة غالبية التونسيين، على حد قوله.
واتهم الحزب سعيداً ببيع الكلام للعمال والكادحين والمفقّرين وخاصة الشبان منهم، مقابل طمأنة أرباب العمل والمال على مصالحهم والقوى الخارجية الإقليمية والدولية التي لها مصالح في تونس التي أصبحت تتدخل في شؤونها بشكل سافر.
وانتقد طريقة سعيد الانفرادية في إقالة وتعيين المسؤولين خاصة في الأجهزة الأمنية والإدارية، وتدخله في القضاء وتوجيهه التهم علناً، وحشر المؤسسة العسكرية تدريجياً في الحياة السياسية، إلى جانب وضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية.
وعلى الصعيد الحقوقي الدولي، اعتبرت اللجنة الدولية للحقوقيين لأجل إعلاء العدالة وحقوق الإنسان -التي تنشط في القارات الخمس، وتتألف من 60 عضواً من القضاة والمحامين البارزين من جميع مناطق العالم، وتعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال سيادة القانون- أن المرسوم الذي يهدف إلى الإبقاء على تعطيل عمل البرلمان، ورفع الحصانة النيابية عن أعضائه، هو اعتداء مستجد يشنه الرئيس التونسي على فصل السلطات، وسيادة القانون، وعلى النظام الدستوري في تونس، مؤكدة أن الدستور التونسي واضح وليس للرئيس أي سلطة لتعطيل عمل البرلمان ولتجريد النوّاب من حصانتهم البرلمانية وأن يقوم الرئيس مقام النائب العام.
وجددت اللجنة الدولية نداءها للقضاء لأن يفرض رقابته على استيلاء الرئيس على السلطة، خاصة في ظل غياب المحكمة الدستورية، وهي الجهة التي يوكلها الدستور التونسي بمراجعة الظروف التي يتم خلالها إعلان الحالة الاستثنائية وفرضها.
وأشارت اللجنة، في بيان، إلى أن مكتسبات الثورة في تونس على المحكّ، وعلى البرلمان والقضاء ضمان ألا يكون أي رئيس قادراً على تقويضها أو على إعادة تونس إلى ماضيها الاستبدادي.
تدخل سافر بالقضاء
وفي رسالة شديدة اللهجة من القاضي التونسي رضا مجدوب إلى الرئيس سعيّد، قال له فيها: «لا تنسَ أنك اليوم رئيس الدولة، وغداً متهم أمام القضاء، فحافظ على استقلاليته إن كنت بريئاً».
وتابع: «سي قيس (سي كلمة يقولها التونسيون لبعضهم بعضاً)، حين تقول: إنك لم تتدخل في القضاء، وتصرح: كيف تركوه؟ (متهماً)، والآخر لماذا لم يوقفوه؟ والمتهمون في شركة الفسفاط لماذا تركوهم؟ وتتشنج وتقول: القضاء يتحمل مسؤوليته، نعم القضاء يتحمل مسؤوليته كاملة اليوم وغداً، لكن القرارات والأحكام القضائية تصدر بناء على ما توفر بالملف وليس مجاملة لك ولا خوفاً منك ولا من غيرك»، وفق الرسالة.
وتابع: «كلامك هذا يعتبر تدخلاً سافراً في القضاء ومحاولة منك للتأثير عليه في ملفات معينة أنت تجهلها ولم تطلع عليها، وبذلك تكون قد ارتكبت جريمة شنيعة قد تحاكم من أجلها لولا الحصانة الرئاسية».
وواصل في رسالته: «كلنا يعلم أنك تتكلم عن ملفات لم تطلع عليها، والعاقل هو الذي يلتزم الصمت في حالة جهله بالتفاصيل، قد تقف أنت يوماً أمامي كمتهم، فهل تقبل أن أكون أنا تحت تأثير إيحاءات ممن سيخلفك في قرطاج ومع تهريجه الشعبوي الذي يقوم مقام الڨرط (البرسيم) للشعب؟».
وفي سياق متصل، ذكر عضو مجلس نواب الشعب عماد الدايمي، في صفحته الرسمية على «فيسبوك»، أن إعلان تمديد الإجراءات الاستثنائية في منتصف الليل والناس نيام بإرادة فردية دون تشاور ولا حوار إلا مع الوزراء والسفراء الأجانب، ودون أدنى تقييم لحصيلة الشهر الأول من حالة الاستثناء ومدى تنفيذ الشعارات، في كل هذا هل ما زلنا نحتاج إلى دليل آخر أننا نتقدم بسرعة في نفق مظلم؟
وعلى الطرف الآخر من الأزمة، جدّد حزب «التّحالف من أجل تونس»، في بيان له الثلاثاء 24 أغسطس، دعمه ومساندته لقرار رئيس الجمهورية القاضي بالتمديد في الإجراءات الاستثنائية، وبين أنه ينتظر أن يقترن الإعلان عن الحكومة الجديدة بإعلان ملامح المشروع المجتمعي والسياسي والاقتصادي للجمهورية الثالثة، مجدداً مطالبته رئيس الدولة بالرد على كل المشككين في مسار الإصلاحات، بمزيد من الطمأنة للشعب التونسي والمجتمع الدولي كذلك، فيما يتعلق باحترام الحقوق والحريات مع استكمال مسار المحاسبة لكل من ألحقوا ضرراً بالدولة ومؤسساتها وبمصالح وحقوق الشعب التونسي.
ودعا الحزب الرئيس سعيّداً إلى إجراء استفتاء شعبي لتغيير نظام الحكم وإصلاح المنظومة الانتخابية والدعوة لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، فضلاً عن ضرورة تفعيل الفصل (163) من القانون الانتخابي التونسي، والعمل على محاسبة المتورطين الفاسدين الذين تسللوا بالغش لمؤسسات الحكم، وفق ما كشفه تقرير دائرة المحاسبات، من التجاوزات والجرائم الانتخابية لعام 2019م.