حلت، أمس الإثنين، الذكرى الـ29 لهدم مسجد بابري التاريخي في الهند، في ظل استهداف واضح للمسلمين وميراثهم الحضاري الذي امتد لنحو 8 قرون حكم خلالها المسلمون الهند.
وضع حجر الأساس للمعبد الهندوسي
في 6 ديسمبر 1992م، اقتحمت حشود هندوسية متطرفة مسجد بابري وهدموه أمام الكاميرات بحجة أنه بني على أنقاض معبد هندوسي، إلا أن هذه المزاعم تحولت إلى إجراءات على أرض الوقع فعلياً، ففي 5 أغسطس 2020م وضعت الحكومة الهندية حجر الأساس للمعبد الهندوسي محل مسجد بابري بحضور رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
ولطي صفحة المسجد وجريمة هدمه، قضت محكمة هندية، في 30 سبتمبر 2020، ببراءة المتهمين الرئيسين في هدم المسجد بحجة عدم وجود دليل على تورطهم، رغم أن جريمة هدم المسجد موثقة كاملة بالفيديو.
جاء ذلك بعد نحو عام من حكم قضائي أصدرته المحكمة العليا في الهند، في 9 نوفمبر 2019م، بأحقية الهندوس في أرض مسجد بابري، الواقع بمدينة “أيوديا” بولاية أوتار براديش، وقضت بمنح المسلمين أرضاً بديلة لبناء مسجد جديد عليها.
هذه الإجراءات سبقتها مسيرة طويلة من استهداف المسجد الذي بناه السلطان المغولي المسلم ظهير الدين محمد بابر عام 1528م، وأصبح من وقتها منارة للإسلام في الهند.
استهداف واضح للمسلمين وميراثهم الحضاري الممتد لـ8 قرون حكموا خلالها الهند
نزاع هندوسي
بدأ الهندوس يزعمون أن هذا المسجد التاريخي تم بناؤه على أنقاض معبد هندوسي للإله المسمى “رام”، وبدأت مظاهر النزاع عام 1853م عندما قتل نحو 70 شخصاً في مواجهات بين الهندوس والمسلمين على أرض المسجد.
وفي عام 1854م قتل حوالي 700 شخص آخرين على خلفية النزاع نفسه، وفي عام 1934م تعرض المسجد لأضرار على أثر مواجهات بين الهندوس والمسلمين على خلفية مقتل بقرة، وفي ديسمبر 1949م هندوس يقتحمون المسجد ويضعون تماثيل لآلهتهم رام وسينا.
الشرطة تتدخل
هنا تدخلت الشرطة في الأمر وأغلقت المسجد ووضعته تحت الحراسة باعتباره محل نزاع.
وفي نوفمبر 1984م، رئيس الوزراء راجيف غاندي يسمح للهندوس بوضع حجر أساس لمعبد هندوسي في ساحة مسجد بابري.
بعد هذا النزاع، قضت إحدى المحاكم بفتح أبواب المسجد أمام الهندوس وإقامة شعائرهم الهندوسية داخله.
وفي عام 1986م جلب الهندوس مواد البناء لمحيط المسجد لبناء معبد، وفي عام 1990م قاد أل كي أدفاني، زعيم حزب “بهاراتيا جاناتا” (الحاكم حالياً) مسيرة تطالب بإقامة معبد هندوسي محل المسجد.
اقتحم مئات من الهندوس المتطرفين لمسجد بابري
بعد ذلك بعامين، وتحديداً في 6 ديسمبر 1992 اقتحم مئات من الهندوس المتطرفين المسجد وهدموه، لتحدث مواجهات جديدة بين المسلمين والهندوس قتل فيها حوالي 2000 شخص.
وفي ديسمبر 2000م، أعلن رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي تأييده مطالب الهندوس ببناء معبد مكان المسجد، حتى إن الحزب استغل أصوات الهندوس انتخابياً في هذه القضية.
المخطط الهندوسي يتوسع ليستهدف الإرث الحضاري للمسلمين في الهند
واستمراراً للتدخل لصالح الهندوسي، قضت محكمة “الله آباد العليا” في عام 2010م بتقسيم المسجد إلى 3 أقسام؛ أحدهم للمسلمين، وقسمين للهندوس، لكن كل الأطراف لم تقبل بهذا الحكم.
وخلال نوفمبر 2010، اتهم تقرير حكومي مسرب زعماء من المعارضة الهندوسية وذكر أن حزب “بهاراتيا جاناتا” أدى دوراً في التخطيط لهدم مسجد بابري، حتى إنه في 30 مايو 2017م وجهت محكمة مدينة “لكناو – لكهنؤ” رسمياً اتهاماً للمؤسس المشارك للحزب الحاكم إل كيه أدفاني، نائب رئيس وزراء سابق، و11 آخرين بعضهم من الحزب القومي الهندوسي، بالتآمر الجنائي في هدم مسجد بابري، إلا أنه تمت تبرئتهم لاحقاً.
مسجد “كياني وابي”
وفي مدينة “واراناسي” يعاني مسجد “كياني وابي” من مخطط مماثل لما تعرض له مسجد بابري، فمسجد كيان وابي بناه الإمبراطور المغولي أورانك زيب عام 1664م، بجوار معبد هندوسي، لكن حالياً يتعرض لمزاعم هندوسية بأنه بني على أنقاض معبد “فيشواناث” ويطالبون الآن بمنحهم حق ملكية الموقع لإعادة بناء المعبد، والقضية حالياً أمام المحكمة العليا.
مخطط متكامل
المخطط الهندوسي يتوسع ليستهدف الإرث الحضاري للمسلمين في الهند وليس مسجد بابري وحده، حتى إن مسلمي الهند يتخوفون من أن يكون هذا مقدمة جديدة للسطو على مساجدهم والاستيلاء عليها من قبل الهندوس، خاصة مع تسريب مخطط هندوسي يستهدف نحو 1200 مسجد بالهند.
استهداف المساجد بهذا الشكل هو جزء من مخطط هندوسي بدأ تطبيقه عام 2017 بتغيير أسماء محطات القطارات والمطارات وغيرها من المعالم التي تحمل أسماء ذات دلالة إسلامية إلى أسماء هندوسية.
يأتي هذا في ظل استهداف واضح للمسلمين في عموم الهند سواء بتحميلهم المسؤولية عن انتشار فيروس كورونا بحجة أنه نوع من الجهاد يمارسه المسلمون ضد الهندوس، أو استهدافهم في ولايات آسام وتريبورا، وأحداث دلهي خلال فبراير 2020، فضلاً عما تشهده ولاية “جامو وكشمير” من إجراءات تستهدف تحويل الأغلبية المسلمة بالولاية إلى أقلية.