قال مدير مكتب الجزيرة في طهران عبدالقادر فايز، في مساحة حوارية على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تحت عنوان “الاتفاق النووي مع إيران والحرب على أوكرانيا وانعكاساتها على المنطقة”: إن الحرب الأوكرانية الروسية ستنتهي إلى نظام دولي جديد، أو تغيير في النظام الدولي الحالي التي إذا ما حدثت ستكون مهمة.
وأكد فايز أن هذه الحرب بالنسبة لإيران تتقاطع مع الأمن القومي الإيراني إستراتيجياً من بوابة الجيوسياسي؛ بمعنى أنه ضد توسع “الناتو” شرقاً بالنسبة لإيران مهم جداً، وتابع: هنا يتحدث البعض بأن روسيا تقوم بجزء مما تريده إيران لأن نجاح “الناتو” في تجاوز أوكرانيا بغض النظر على الحالة الروسية قد يشجع بعض الدول الموجود في محيط إيران أن تذهب في هذا الاتجاه أو على الأقل أو أن تقدم طلبات للانضمام إلى “الناتو” كجورجيا مثلاً بالدرجة الأولى وأذربيجان وأرمينيا، وهذا يمثل تهديداً بعيد المدى لإيران.
وأوضح فايز أن إيران ليست لاعباً رئيساً في هذه الحرب، لكن هي جزء منها إذا ما تحدثنا على المدى البعيد، أما طاولة فيينا والاتفاق الذي يجري حالياً في دول “5 + 1” هو اتفاق بين إيران وهذه الدول، بمعنى أنه ملف دولي يتقاطع مع الحرب الروسية الأوكرانية، فهو ملف له تبعاته على الداخل الإيراني ومتسارع.
وبيَّن فايز أن النجاح أو الفشل على طاولة المفاوضات في فيينا يعني الكثير بالنسبة لإيران، مبيناً أن هناك تقاطعاً بين الملفين، فلا يمكن أن نعزل كلا الملفين عن بعضهما بعضاً، لكن العزل شبه مستحيل، فنحن لا نتحدث عن اتفاق جديد، لكن نتحدث عن إحياء الاتفاق النووي السابق مع بعض التغييرات.
وتساءل فايز: ماذا لو وصلت إيران إلى اتفاق؟ وماذا يعني ذلك؟ وماذا لو استمرت الحرب الروسية في أوكرانيا؟ مشيراً إلى أن كلا الملفين ينعكس على منطقة الشرق الأوسط، وكلا الملفين سيؤدي دوراً مهماً على مستقبل العلاقات في الشرق الأوسط، وإذا ما ذهبنا أبعد من ذلك، سيؤدي دوراً مهماً في تحديد شكل الشرق الأوسط، فالمتواجدون على طاولة المفاوضات هم المتحاربون في الأراضي الأوكرانية.
وتابع: ماذا لو وصلنا إلى اتفاق في فيينا؟ وماذا يعني ذلك للشرق الأوسط؟ مبيناً أن إيران ستعود إلى سوق الطاقة الدولية، وسينعكس على تموضعها سياسياً واقتصادياً في مساحة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تحييد البرنامج النووي عن فكرة الخلافات المباشرة على الأقل بين طهران وأمريكا ومن خلفها الغرب، وهذا خبر سيئ بالنسبة لـ”إسرائيل”، إضافة إلى إعادة العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الحيز الطبيعي بمستويين؛ الأول: وقف عملية ما تسميه إيران استغلال العلاقة بين طهران والوكالة من بوابة النووي، وهذا أمر مهم جداً، والمستوى الثاني هو البدء في تحرير الأموال الإيرانية المجمدة وليس بالضرورة أن تحصل إيران على ذلك بصيغة الكاش، ونتحدث هنا عن أقل تقدير 140 مليار دولار، وبأبعد تقدير 190 مليار دولار، كما سيعني وقف العقوبات، وسيكون هناك حوار بين إيران والمملكة العربية السعودية، وكذلك ما يعرف بأنه نفوذ إيران في الدول العربية الذي يوسم من بعض الدول العربية على أنه نفوذ سلبي.
وأكد فايز أنه في حال فشل المفاوضات في فيينا ستكون خيارات إيران مفتوحة في التعامل مع برنامجها النووي في حدود ما تتحدث عنه من احتياجات داخلية، وسيعني رقابة دولية أقل على هذا البرنامج الموجود في هذه الدولة الإقليمية في الشرق الأوسط، بمعنى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستنظر بعين عمياء في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وسيجر ذلك إلى مواجهة مع إيران؛ مما قد يؤدي إلى تصعيد العقوبات.
وتساءل فايز: هل فشل الاتفاق سيعطي إشارة لـ”إسرائيل” أن تتحرك بطريقة منفردة بالتعامل مع هذا الملف؟ فإذا ما حدث ذلك ستكون هناك منفردة بالنسبة لـ”إسرائيل”؛ مما قد يؤدي إلى نشوب حرب في المنطقة، وهناك تصريح للرئيس الإيراني منذ فترة، أكد فيه أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية من قبل “إسرائيل” سيجرنا إلى حرب ستغير الشرق الأوسط.
وبين فايز أن الظروف الدولية الآن في أمريكا أو في الحرب الروسية في أوكرانيا وغيرها من العوامل قد تدفع إلى العودة إلى اتفاق فيينا، وهناك دفع إيجابي في تصريحات المسؤولين، ولكن هناك ملاحظة بأن هذا الدفع الإيجابي في هذا الاتجاه محدداته الرئيسة تقيسها كل دولة على حدة، فالثلاثي الأوروبي متوجس من عدم التسريع في الاتفاق مع إيران، فالتأخير في عملية الوصول إلى اتفاق يعني بالضرورة تطور التقنية في البرنامج النووي؛ لذلك الثلاثي الأوروبي يدفع بهذا الاتجاه.
وقال فايز: إن هناك تطوراً في الموقف الروسي تجاه الملف النووي الإيراني، وهو تطور بدائي ولا يمكن أن نمسك به بشكل واضح، لماذا تتحدث روسيا عن هذه الضمانات الآن وهناك مطالبة من طهران بتوضيحه؟ مؤكداً أن الاتفاق النووي ليس فقط ذاً بُعد اقتصادي، بالرغم من أهميته لإيران، فهناك بُعدان آخران؛ بُعد أمني وسياسي، وهو مهم للشرق الأوسط، بمعنى أن البُعد الأمني سيفرض على إيران والدول العربية التموضع مرة أخرى.
وأضاف فايز: إذا كانت إيران تخضع لضغط شديد من قبل الدول الغربية وأمريكا وغير مرتاحة ومحملة بالعقوبات؛ سيكون لديك دولة في وضع إقليمي غير مريح، أما إذا جرى الاتفاق ستكون إيران مرتاحة نوعاً ما؛ مما سيؤثر في السياسات الخارجية لها مع البعد الإقليمي، ومنها الدول العربية وغيرها، وهو تأثير إيجابي، أما القول بأن هذا الأمر لم يحدث حينما حدث اتفاق في عام 2015م نستطيع أن نقول: إنه لم يكن هناك الوقت الكافي لرسم هذه السياسة، وأؤكد أن البعد الأمني لهذا الاتفاق هو بُعد شرق أوسطي، فإذا كانت إيران تسير في ساحة مريحة هذا يعني على الأقل لدى صانع القرار أن يعيد ترتيب أوراقه في السياسة الإقليمية الخارجية.
وتابع فايز: أما البعد الآخر الذي كنت أريد الحديث عنه هو ما يسمى بملفات الإقليم المهمة؛ سواء في اليمن أم سورية أم العراق أم القضية الفلسطينية، هذه الملفات كذلك مهمة، فإذا حصل اتفاق شيء، وإذا لم يحصل اتفاق شيء آخر، والكل يدرك أن إيران لاعب في هذه الملفات إذا ما كان هناك قدرة على بناء حوار إقليمي حقيقي، لذلك بتقديري سيختلف البعد السياسي والأمني في حالة حدوث الاتفاق من عدمه.