لا أحد يعرف كيف ستنتهي الحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا، لكن معظم السيناريوهات تتراوح من السيئ إلى الأسوأ، ولفهم هذه السيناريوهات، دعونا نبدأ نتأمل حكاية أشهر فأر في العالم، فأر بوتين.
الفأر الذي ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه -عندما كان صبيًا فيما كان يعرف آنذاك بمدينة لينينجراد- طارده في أحد الممرات وحاصره، ولكن الفأر استدار وهاجم بوتين.
لماذا حرص بوتين على إعادة تدوير هذه الحكاية بين مراقبي روسيا في جميع أنحاء العالم؟ هذا تهديد آخر من تهديدات بوتين المستترة، أنا ذلك الفأر، ولكن لديّ مخالب نووية، لذا لا تحاصروني!
يجب أن نأخذ وجهة النظر هذه في الاعتبار -دعنا نسميها وجهة نظر عين الفأر- عند مناقشة جميع السيناريوهات الممكنة، إذا كان التحليل يتعلق بما هو جيد لروسيا، فما كان للغزو أن يبدأ على الإطلاق، وكان يمكن أن ينتهي في أي وقت بتسوية تفاوضية، فالحرب، على أي حال، لم تضر بالمصالح الوطنية فقط، من خلال عزل البلاد دوليًا ولكنها أدت لإفقار المزيد من سكان روسيا، وروسيا وهي ليست الفاعل المناسب، هي الجرذ المجازي في الكرملين.
كل الشواهد تدل على أن بوتين معزول في عالمه العقلي الخاص في الوقت الحاضر، فهو وعلى عكس أسلافه السوفييت، ليس لديه مكتب سياسي من حوله أو غيره من الضوابط والتوازنات الموثوقة، هو الذي يقرر وحده، ومثل غيره من الطغاة الحاليين والسابقين -يتبادر إلى الذهن صدام حسين- لديه سبب للقلق من أن فشله السياسي من غير المرجح أن ينتهي بتقاعد ممل، ولكنه هادئ أكثر من كونه شيئاً أكثر عنفاً ومفاجئاً، إذا نظرنا إليه من منظور الجرذ، فأغلب الممرات حوله مسدودة، مع أخذ ذلك في الاعتبار، تبدو السيناريوهات المتوقعة على النحو التالي:
الأوكرانيون يفوزون
لا يزال الدفاع الأوكراني البطولي الذي يصد القوات الروسية أمرًا مستبعدًا عسكريًا، لكنه بالطبع النتيجة المفضلة لمعظم دول العالم، إن أوكرانيا التي أصيبت بصدمة إذا انتصرت سترتبط باتحاد أوروبي متماسك ومصمم حديثًا وتسرع اندماجها في الغرب الديمقراطي، وسيكون لدى “الناتو” إحساس جديد بالهدف، الصين، وعينها على تايوان، ستفكر مرتين قبل أن تجلب لنفسها المشكلات.
وبوتين سيوضع في تلك الزاوية المجازية، بوتين الذي كان يتظاهر بأنه المدافع عن روسيا ضد الغرب العدواني المزعوم والمخلص للعرقية الروسية والأخوة السلاف في كل مكان، إن انتصار أوكرانيا سيجعل كل هذه الدعاية غير ممكنة، لن يستطيع النجاة من الهزيمة سياسياً وهو يعرف ذلك، لذلك لن يسمح بحدوث هذا السيناريو، وبدلاً من الانسحاب سيتبع أحد المسارات الثلاثة الأخرى.
عهد الإرهاب الروسي
يمكنه تصعيد الهجوم بشكل كبير، ولكن بالأسلحة التقليدية فقط، وهذا يعني في الأساس قصف أوكرانيا لإجبارها على الخضوع، سيكون فقدان أرواح المدنيين والعسكريين أمرًا مروعًا، لكن بوتين لن يهتم، سوف يدمج أوكرانيا الغاضبة والمستاءة، إما كدولة عميلة مستقلة اسميًا أو سيضمها لروسيا الكبرى، وربما يضيف بيلاروسيا كمقياس جيد.
ولقمع المعارضة في الداخل وفي أوكرانيا، سيتعين على بوتين استكمال تحويل روسيا إلى دولة بوليسية، والقضاء على البقايا الأخيرة لحرية التعبير واضطهادها، وستصبح إمبراطوريته منبوذة بشكل دائم في المجتمع الدولي، وسيبني بينه وبين العالم ستاراً حديدياً جديداً.
أفغانستان أخرى
وقد تتصاعد الحرب بشكل أقل دراماتيكية، ويرسل بوتين ما يكفي من القوة العسكرية الروسية إلى أوكرانيا لتجنب هزيمة صريحة، ويمكن أن تتحول أوكرانيا بعد ذلك إلى أفغانستان بالنسبة للزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف بعد عام 1979، أو بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها بعد عام 2001: مستنقع!
وستظل التكلفة البشرية مروعة، خاصة بالنسبة للأوكرانيين، وأيضًا للجنود الروس والروس العاديين الذين سيعانون من قمع ومشقة أسوأ من العقوبات، لن يتردد بوتين في ذلك، شريطة أن يعتقد أن مكانه في الكرملين سيظل آمنًا، ولكن من وجهة نظر عين الجرذ، سيبدو المستنقع إلى حد كبير مثل الانحشار في زاوية ذلك الرواق إلى أجل غير مسمى.
التصعيد من أجل التهدئة
إذا كان بوتين حقًا مثل الجرذ الذي هاجمه، فسيفكر على الأقل في خيار آخر –وسيكون حرفيًا الخيار النووي- وهذا ما ألمح إليه بالفعل، وبذريعة أن “الناتو” والاتحاد الأوروبي يحاصرونه من خلال دعم أوكرانيا بالأسلحة وغيرها من الموارد، يمكنه شن ضربة نووية واحدة أو أكثر “محدودة” بما يسمى بالرؤوس الحربية التكتيكية (منخفضة القوة).
كان يراهن على أن الغرب لن ينتقم نيابة عن أوكرانيا، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تبادل نووي بأسلحة “إستراتيجية” أكبر، ينتهي بالتدمير المتبادل المؤكد (MAD)، كما كان معروفاً خلال الحرب الباردة، ولكنه مثل الفأر، سيخاطر.
أوكرانيا، مثل اليابان في عام 1945، لن يكون أمامها خيار سوى الاستسلام، لهذا السبب يطلق المتمرّدون العسكريون على هذه الإستراتيجية “التصعيد من أجل التهدئة”، لكن العالم لن يكون كما كان، ستنضم مدن أخرى إلى هيروشيما وناجازاكي، أسماء أخرى ستندرج في قائمة مصير البشرية، ومع ذلك، يمكن لبوتين أن يقول: إنه أخرج نفسه من زاوية ممر معين.
ثورة روسية أخرى
هناك أيضًا سيناريوهات أكثر تفاؤلاً، على الرغم من ستار الدعاية والمعلومات المضللة لبوتين، فهناك عدد كاف من الروس يفهمون ظروف غزوه غير المبرر والمخاطر الكارثية، وهؤلاء يمكنهم أن يثوروا، وقد يتخذ هذا شكل حركة واسعة النطاق تتمحور حول زعيم معارض مثل أليكسي نافالني، أو قد يكون انقلاباً من داخل النخبة.
ولكن ولسوء الحظ، لا يبدو في الأفق أي نوع من التمرد المحتمل في الوقت الحالي، وربما يثبط الروس أن البيلاروسيين المجاورين يقاومون دكتاتورهم بشكل بطولي منذ أغسطس 2020، دون نجاح ويواجهون الكثير من القمع الوحشي، وأي عضو في الدائرة المقربة من بوتين يفكر في الانقلاب سيتذكر مصير المتآمرين حول كلاوس فون شتاوفنبرج (الذي حاول قتل هتلر) في عام 1944.
ومع ذلك، فإن ثورة روسية محلية ستكون أفضل نتيجة إلى حد بعيد، وعندها قد يلقي النظام الجديد في موسكو اللوم في الهجوم على بوتين وحده، وهذا صحيح، ولذلك يمكن لروسيا أن تنسحب دون أن تبدو ضعيفة، ويمكن للمجتمع الدولي أن يرحب بعودة روسيا بأذرع مفتوحة، وعندها، سيصبح العالم، بما فيه روسيا، مكانًا أفضل.
الصين تتدخل
السيناريو الثاني الأفضل ولكن الأكثر منطقية يتعلق ببكين، فرسميًا، الصين في عهد الرئيس شي جين بينج، إن لم تكن حليفًا لروسيا، فهي على الأقل شريكها في مواجهة الغرب الذي تقوده أمريكا، لكن الصين تعتبر نفسها قوة صاعدة وروسيا تنهار، كما يراها شي، وبوتين يمكن أن يكون مفيدًا في أحياناً ولكنه يعتبر أيضًا مسؤولية محتملة.
الصين في صراع عميق بشأن هجوم بوتين؛ لأنه ينتهك السيادة الوطنية لدولة أخرى، وهو المبدأ الذي سيتذرع به شي إذا ابتلع تايوان (التي يعتبرها مقاطعة صينية) ويطالب الولايات المتحدة بالبقاء خارج البلاد، والصين، التي تمتلك ترسانة نووية صغيرة ولكنها سريعة النمو، لن تقبل بالتأكيد باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية والفوضى العالمية التي ستنتج عنها.
وقد أدى تناقض شي مع بكين إلى إلقاء خطاب مزدوج غير مستدام، في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، وصوتت 141 دولة على استنكار عدوان بوتين، كان بإمكان الصين أن تنضم إلى المارقين الأربعة (بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسورية) الذين صوتوا مع روسيا ضد القرار، ولكنها، بدلاً من ذلك، امتنعت مع 34 دولة أخرى عن التصويت.
إذا قررت الصين كبح جماح بوتين، فسيكون لها هي النفوذ، يمكن أن يسحب شريان الحياة الاقتصادي والدبلوماسي الذي تحتاجه موسكو، في الوقت نفسه يمكن أن تجد في تكتم أبواب مصيدة سرية في نهاية الممرات، بعد كل شيء، فإن أفضل طريقة للتعامل مع الفئران المحاصرة هي عادةً تركها تهرب قبل أن تتسبب في المزيد من الضرر.
وإذا قررت الصين كبح جماح بوتين، فسيكون لها النفوذ، وتستطيع الصين أن تفتح شرايين الحياة الاقتصادية والدبلوماسية التي تحتاجها موسكو، وفي الوقت نفسه، تستطيع أن تجد سراً أبواباً في نهاية الممرات، فأفضل طريقة للتعامل مع الفئران المحاصرة هي عادة السماح لها بالهروب قبل أن تسبب في المزيد من الضرر.
____________________
المصدر: “بلومبيرج”.