1- محاولة اغتيال أمير الكويت:
في السادس من رمضان 1405هـ/ 25 مايو 1985، وفي تمام الساعة التاسعة والربع من صباح ذلك اليوم تعرض موكب أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح -رحمه الله- لاعتداء عن طريق سيارة مفخخة، فبينما كان في طريقه إلى مكتبه في قصر السيف حاولت إحدى السيارات الواقفة عند الرصيف الأوسط من الطريق اقتحام موكبه مما أدى إلى انفجارها بما تحمله من مواد متفجرة واحتراق عدد من سيارات الموكب والسيارات الأخرى القريبة، وقد أسفر الحادث عن سقوط ثلاثة شهداء، اثنان من حرس سمو الأمير، والثالث من المارة إضافة إلى الجاني وأصيب عدد كبير من جراء الانفجار بجروح مختلفة منهم 12 شخصاً من المارة.
تفاصيل العملية
كان الموكب المعتاد للشيخ جابر الأحمد الصباح -رحمه الله- قادماً من قصر دسمان في طريقه إلى قصر السيف، متخذاً سبيله إلى شارع الخليج العربي، حيث كان الموكب مؤلفاً من عدة سيارات، تتقدم وتلي سيارة الأمير، بحيث كانت في المقدمة سيارة تابعة لإدارة المرور، تليها إحدى سيارات الحرس الأميري، ومن خلفها سيارتان أخريان، ثم تأتي سيارة الأمير، حيث كان يجلس كعادته في المقعد المجاور لسائقه، ويحف السيارة من جانبيها وإلى الخلف قليلاً، سيارتان من سيارات الحرس الأميري، إحداهما من الناحية اليمنى والأخرى من الناحية اليسرى، ثم تأتي من بعد إحدى سيارات وحدة الأمن الخاص التابعة للحرس الأميري، وتليها السيارات الاحتياطية لسمو الأمير، وأخيراً كانت سيارة النجدة.
وقد جرت الترتيبات الأمنية الخاصة بسير موكب سموه، على أن تصدر الأوامر قبل أن يغادر الموكب بإغلاق إشارات المرور الضوئية، في وجه السيارات التي تغدو وتروح على جانبي الطريق الذي يسلكه الموكب، بحيث يضحى خالياً، وجاء موكب الأمير إلى أن شارف الوصول إلى قصر السيف، ولدى اقترابه من موقع محطة البنزين، لاحظ سائق سيارة المرور الأمامية أن هناك سيارة بيضاء من طراز نيسان يابانية الصنع قادمة من الجانب الآخر من الطريق، وقد أعطى سائقها إشارة ضوئية تشير إلى اعتزامه دخول فتحة الرصيف الأوسط، لينعطف إلى الجانب الأيمن الذي يمر به الموكب فكان طبيعياً وفي نطاق الإجراءات الأمنية المتبعة في مثل هذه الحالات، أن تندفع سيارة المرور نحو فتحة الانعطاف، ولكن السيارة لم تكن قد بلغت بعد فتحة الانعطاف، فمضت سيارة المرور، في حين تولت السيارة التالية، وهي سيارة الحرس الأميري بقيادة العريف محمد استكمال المهمة، مسرعة نحو فتحة ولوج السيارة مستخدمة وسائل التحذير من المضي في الانعطاف، فتوقفت السيارة بداخل الفتحة للحظات استغرقها مرور مقدمة سيارة الحرس الأميري، ثم ما لبث قائد السيارة الدخيلة أن اندفع ليقتحم مسيرة الموكب، فاصطدمت سيارته بالمؤخرة اليسرى لسيارة الحرس، فدوى انفجار هائل، أعقبه اندلاع نيران في مكان الاصطدام ودخان كثيف خيم على تلك البقعة المنكوبة بالشظايا والأشلاء البشرية التي تطايرت وتناثرت هنا وهناك.
وترتب على شدة الانفجار أن اندفعت سيارة الحرس الأميري نحو سيارة الأمير، واصطدمت من جانبها الأيسر، فدفعتها بدورها إلى الناحية اليمنى من الطريق بعيداً عن مكان الانفجار، إلى أن توقفت إلى جوار الرصيف من موقع محطة البنزين، حيث كان يقف العريف بالمباحث الجنائية المنوط به مراقبة الموكب في ذلك المكان تاركاً سيارته خلف محطة البنزين، والذي ما أن رأى صاحب السمو من الباب الأيمن لسيارته حتى هبَّ لمساعدته بمعاونة الملازم أول عبد الوهاب، والنقيب جعفر، والرقيب سليمان، والجندي حسين، وسارعوا إلى نقل سموه بسيارة رجل المباحث إلى مستشفى الأميري حيث تم اتخاذ الإسعافات اللازمة له.
وفي موقع الانفجار كانت ألسنة النيران تتصاعد فيما الشظايا حطمت واجهات محال تجارية وسيارات كانت قريبة من الموقع، ومن شدة تأثير المواد المتفجرة في السيارة اليابانية لم يعد لها أثر يذكر غير قطع صغيرة من محركها الفولاذي فيما لم يتبق من أشلاء قائدها سوى قطع متناثرة هناك.
شهيدان وجرحى
وقد سقط في ذلك الانفجار شهيدان ومصابان، فالمركبة الأولى التي اصطدمت أولاً بالمركبة الملغومة سقط فيها شهيدان هما محمد قبلان الذي كان يقودها، وهادي محمد الذي كان يجلس خلفه في المقعد الخلفي، فيما نجا بأعجوبة في هذه المركبة التي دمرت وتحولت إلى عجينة حديدية صغيرة أحمد مطر، وحسن حمدان اللذان أصيبا بجروح خطيرة وتلقيا العلاج في لندن على نفقة الشيخ جابر الأحمد الصباح -رحمه الله- ليعودا بعدها سالمين إلى الكويت.
وفي المركبة الثانية في الموكب الأميري، أصيب كل طاقمها بجروح خطيرة، وهم كل من نواف عبيد، ومناور عجيل، ومحمد نهار، وسعد نزال، وفي المركبة الثالثة التي كانت أقل تضررًا كان طاقم الحماية هم الضابط عبدالوهاب المفرح، وحسين سالم، وزيد سالم، وعويد لزام، وكانت إصاباتهم متفرقة، فيما كان قائد المركبة المدنية التي أقلّت الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى المستشفى هو زويد مبارك العتيبي.
2- فتح بلاد السند:
استولى قراصنة السند من الديبل بعلم من ملكهم “داهر” على 18 سفينة بكل ما فيها من الهدايا والبحارة والنساء المسلمات، اللائي عمل آباؤهن بالتجارة وماتوا في سرنديب وسيلان، وصرخت مسلمة من بني يربوع “وا حجاج، وا حجاج”، وطار الخبر للحجاج باستغاثتها، وحاول الحجاج بن يوسف الثقفي استرداد النساء والبحارة بالطرق السلمية، ولكن “داهر” اعتذر بأنه لا سلطان له على القراصنة، فثارت ثائرة الحجاج، فأعد الحجاج جيشاً تلو الآخر، الأول بقيادة “عبد الله بن نهبان” فاستشهد، ثم أرسل الحجاج “بديل بن طهفة البجلي” ففاز بالشهادة دون أن يصل إلى أمر حاسم؛ فاستشاط الحجاج غضباً بعد أن رأى قوّاته تتساقط شهيداً وراء شهيد، فأقسم ليفتحن هذه البلاد، وينشر الإسلام في ربوعها، وقرّر القيام بحملة منظمة، ووافق الخليفة الوليد بن عبد الملك، وبعد أن تعهد له الحجاج أن يرد إلى خزينة الدولة ضعف ما ينفقه على فتح بلاد السند، وقد وقع اختيار الحجاج على محمد بن القاسم الثقفي ليقود جيش الفتح؛ لما رآه فيه من حزم وبسالة وفدائية، فجهّزه بكل ما يحتاج إليه في ميدان القتال من عتاد، وتحرك البطل محمد بن القاسم الثقفي بجيشه المكون من عشرين ألف مقاتل من خيرة الأبطال وصفوة الجنود، واجتاز الجيش حدود إيران إلى الهند، وبرزت مواهب محمد بن القاسم الفذة في القيادة وإدارة المعارك، فحفر الخنادق ورفع الرايات والأعلام ونصب المنجنيقات، ومن بينها منجنيق يقال له: العروس كان يقوم بتشغيله خمسمائة، تقذف منه الصخور إلى داخل الحصون فيدكها دكًّا، وبعد ذلك اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل “كراتشي حاليا”، فخندق الجيش بخيوله وأعلامه واستعد لمقاتلة الجيش السندي بقيادة الملك “الراجة داهر” حاكم الإقليم، في معركة مصيرية في 6 رمضان 63هـ/ 14 مايو 682م، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين، واستمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند ليطهرها من الوثنية، فنجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وانتهت فتوحاته عند الملقان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية الشمال، فرفرف عليها علم الإسلام، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب (باكستان حاليًّا)(1).
3- حصار المعتصم مدينة عمورية:
استغل الإمبراطور توفيل البيزنطي انشغال المعتصم في مطاردة الخرميين، وأغار على الحدود الإسلامية وهاجم مدينة “ملطية” وهي أقرب الثغور الإسلامية إلى أراضي الدولة البيزنطية، فأحرقها وخربها وقتل رجالها وسبى نساءها وأطفالها، وقد غضب المعتصم لهذا الإجرام خصوصًا وأنه كان يعتز بهذه المدينة كونها مسقط رأس والدته، وكانت عمورية هي مسقط رأس الإمبراطور البيزنطي وأهم مدينة في آسيا الصغرى.
ويقال: إنه ذات يوم وقف رجل على باب الخليفة العباسي المعتصم فقال له: يا أمير المؤمنين كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء سيرة قد لطمها واحدًا من كفار العجم في وجهها، فنادت المرأة: وامعتصماه! فقال الأعجمي: وما يقدر عليه المعتصم؟ يجيء على فرس أبلق وينصرك، وزاد في ضربها، فقال المعتصم للرجل: في أي وجهة عمورية؟ فقام الرجل وأشار إلى جهتها: وقال ها هي ذي، فوجه المعتصم وجهه إليها وقال: لبيكِ أيتها الجارية، لبيكِ هذا المعتصم بالله أجابك، وجهز المعتصم جيشًا كبيرًا من خمسمائة ألف جندي، فيه اثنا عشر ألف فرساً، وسار إلى عمورية.
أحداث المعركة
بعث المعتصم لأحد قواده ويدعى حيدر بن كاوس ويلقب بالأفشين فأتاه عند موقع في تركيا يدعى سروج، وهناك قسم المعتصم الجيش إلى قسمين، كانت الفرقة الأولى بقيادة القائد الأفشين وتوجهت إلى أنقرة، وقاد المعتصم الفرقة الثانية، سار الأفشين وقابل الجيش البيزنطي في معركة تسمى آيزن في 25 شعبان عام 233هجرية، وكان الجيش البيزنطي بقيادة توفيل الذي هزم في المعركة وهرب إلى القسطنطينية، ولما وصلت أنباء الانتصار إلى المعتصم، واصل السير حتى التقى مع باقي الجيش في أنقرة، وكان أهل أنقرة قد فروا بعد أن سمعوا بنبأ هزيمة ملكهم توفيل.
واصل الجيش السير إلى عمورية ووصل المعتصم إلى هناك يوم 6 رمضان 223هـ، حين عاد توفيل إلى القسطنطينية وجد أهلها في ثورة فانشغل بها ولم يستطع الذهاب لعمورية، كما أنه أرسل للمعتصم اعتذارًا عما فعله بمدينة ملطية، ولكن المعتصم رفض الاعتذار.
وحين حاصر جيش المسلمين عمورية، قال المنجمون للخليفة المعتصم، إنك لن تفتح عمورية إلا في موسم التين والعنب، فاهتم الخليفة وخرج متخفيًا مع بعض حاشيته وبينما هو يسير بين الخيام، فسمع غلام يعمل مع حداد ويقول وهو يضرب على السندان: في رأس المعتصم، في رأس المعتصم، فقال له الحداد: اسكت يا غلام مالك والمعتصم فقال الفتى: ما عنده من تدبير يحاصر تلك المدينة كل ذلك الوقت مع كل قوته ولا يستطيع فتحها لو أعطاني قيادة الجيش ما بت غدًا إلا فيها، وفي الصباح أرسل المعتصم في طلب الفتى، وجعله معه في مقدمة الجيش وسار إلى أسوار المدينة، وكان هناك رجلًا من المسلمين كان قد أُسِر وتنصر وتزوج من عمورية، فلما علم بقدوم المعتصم، توجه إليه وأخبره أن هناك مكان بسور المدينة قد تهدم بسبب السيل، ولما أعادوا بناؤه كان البناء ضعيفًا، فضرب المسلمون ذلك الموضع بالمجانيق فتهدم ، ودخل المسلمون إلى عمورية في يوم 17 رمضان 223هـ، بعد حصار أحد عشر يومًا، ولما دخل المعتصم عمورية دعا الرجل الذي أبلغه حديث الجارية وقال له سر بي إلى الموضع الذي رأيتها فيه، فسار به وأخرجها من موضعها وقال لها: يا جارية هل أجابكِ المعتصم؟
وتثبت الروايات أن توفيل ملك البيزنطيين حزن حزنًا شديدا بسبب سقوط مسقط رأسه ومرض مرضًا شديدًا وتوفي بعد ذلك بثلاث سنوات قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره(2).
________________________
(1) من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
(2) موقع قصة الإسلام، د. راغب السرجاني.