كانت حشود المصلين لأداء صلاة عيد الفطر المبارك في مصر غير عادية، فقد امتلأت الساحات والميادين والشوارع في أنحاء البلاد بعشرات الملايين من كل الأعمار للتكبير، بعد أن رفعت السلطات الحظر الذي فرضه محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، على المساجد والمصلين، وهو الحظر الذي أظهر السلطات المصرية في صورة المعادي للإسلام، المحارب للمتدينين، بقرارات الوزير التي حددت مدة زمنية قصيرة للتراويح وتكبيرات العيد، ومنع صلاة التهجد والاعتكاف، وتحريم اصطحاب الأطفال لصلاتي الجمعة والعيد، وتشكيل فرق المداهمة للمساجد بالليل.
تحركت السلطات سريعاً وألغت قرارات الوزير الذي تعلل بأزمة كورونا لغلق المساجد، وعدم فتحها للصلاة إلا لدقائق، بينما الكنائس مفتوحة ليلاً ونهاراً دون ضوابط أو محاذير!
وذكر الوزير، في خطبة الجمعة أمس على منبر مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها، السماح بزيارة المقامات والأضرحة في غير أوقات الصلاة، وأكد أن البداية ستكون من مسجد السيدة نفيسة، بدءًا من اليوم، لافتاً إلى أن المسجد سوف يظل مفتوحًا طوال اليوم وحتى صلاة الفجر.
وقد صرّح في وقت مبكر من صباح اليوم بعودة الحياة في المساجد إلى طبيعتها، وعودة المقارئ والدروس الدينية بالمساجد على مدار اليوم، وهي قرارات انتظرها المصريون طويلاً.
وأشار الوزير، في صفحته الرسمية على “فيسبوك”، أن ذلك يأتي في ظل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، واهتمامه بعمارة بيوت الله عز وجل مبنى ومعنى وتوفير الجو الروحي الملائم لجميع المصريين، وادعى الوزير مظلوميته تجاه الرفض الشعبي لقراراته، فقال في منشوره: “اللهم إنك تعلم أني قد صبرت واحتسبت لأجلك وفي سبيل وطني الذي أؤمن به، وأنا في هذا السحر من جوف الليل أسجد لك شكراً أن وفقتني وهيأت الأسباب لعودة المساجد إلى طبيعتها ورسالتها، وأشكر كل من أجريت الأمر على يديه السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء وكل من أسهم في ذلك بجهد أو رأي”.
يذكر أن عدداً من كتَّاب السلطة المقربين انتقدوا الوزير، وعدم قدرته على إدراك النبض الشعبي، ووضع السلطة في موقف حرج، وقال الكاتب الصحفي سليمان جودة، في “المصري اليوم” (خاصة)، في 4 مايو الجاري تحت عنوان “تسييس صور العيد”: “احتشاد الآلاف في الصورة المختلفة مسألة مقصودة، وأنها لا تخلو من معنى سياسي، وأنها نوع من الرد المباشر على محاولات وزير الأوقاف وضع ضوابط محددة لصلاة العيد ومعها صلاة التهجد في نهاية رمضان!”
ومع أن جودة حاول أن يضع الأمر في صورة آراء متقابلة، فإن زميله الكاتب الصحفي أحمد الدريني، المقرب من أجهزة الأمن، وهو واحد ممن أشرفوا على كتابة مسلسل “الاختيار3″، كتب مقالاً طويلاً في صحيفة “القاهرة 24” (خاصة)، الخميس 5 مايو، تحت عنوان “هل كانت صلاة العيد رداً على مختار جمعة؟”، تناول فيه عثرات الوزير وتحدث عن الحشود الهائلة التي زحفت لأداء صلاة العيد، في مشهد مهيب ومبهج في آن معاً، وذكر أن الوزير جمعة، بتصريحاته التي تقترب من الغلظة بأكثر مما تتسم بالسعي للانضباط، وأدائه ذي الطابع الشرطي (البوليسي) لا الروحي، تحول إلى القضية والموضوع، وصنع فخاً من أخطر الفخاخ للنظام، وتكرست صورة الوزير جمعة المراقب للشعائر (غليظ الكبد) ومنظم أداء عسسي النزعة (يقصد بوليسي)، وليس رمزاً للسماحة والعلم بمنصبه الروحي الرفيع (افتراضاً)، وهذه مسألة خطيرة جداً، حين يتحول الوزير لـ”فلتر”، ينظر الناس في وجهه قبل أن يقيّموا بعقولهم السياسات والقرارات، فيرفضونها لرفضهم له ويتشككون فيها من تشككهم فيه، وقد أُجبر على عدة تراجعات على مدار الشهر الكريم، بينما يلملم وراءه -بذكاء وإخلاص- من يدرك خطورة ما يجري، وبمعزل عن إيذاء الوجدان الديني العام.
لم يدافع عن الوزير غير الكاتب الصحفي حمدي رزق وثيق الصلة ببعض أجهزة الأمن في مقاله بـ”المصري اليوم”، الخميس 5 مايو، وكله كذب وسباب وشتم للحركة الإسلامية وتحريض عليها!
والسؤال: هل تطيح صلاة العيد بالوزير؟ وهل انقطع أمله في الوصول إلى كرسي مشيخة الأزهر الذي كان يحلم به؟ وهل للسلطة حسابات أخرى؟ الله أعلم!