استقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ضيفهم المكرم المحبب لديهم، شهر رمضان، فتزينت البيوت والشوارع والطرقات ابتهاجا بمقدمه، وتزيَّت القلوب بلباس التوبة والحب والتسامح استعدادا لاستقباله، وتعلقت النفوس بربها ورفعت أكفها تدعوه أن يعينها على صيامه وقيامه، والخروج منه بما تحتاجه من زاد القلوب الذي يعينها على طريق الحياة ومتطلبات التكليف؛ حتى تلقى الله عز وجل تقية نقية، وترجع إليه راضية مرضية.
ولأن الدنيا لا دوام فيها لحال؛ حيث تتبدل أحوالها وتسير أيامها إلى غير رجعة، وتمضي الشهور والسنون فيها دون أن تتوقف؛ فقد مضى رمضان. مضى وهو يحمل معه جزءا من أعمارنا ورصيدا من أعمالنا، وقد كان محطة الانطلاق على طريق العمل، لكن نهاية أيامه بالنسبة للمؤمن ما هي إلا بداية للاستمرار بعده في المسير بخطى ثابتة على طريق الاستقامة الذي سار عليه في نهاره وليله؛ حيث كان المحطة السنوية لتزود القلوب ورياضة النفوس لتزداد إيمانا مع إيمانها، فتواصل سيرها في رحلة العمل الصالح، وتثبت على منهج الله عز وجل في كل أمور الحياة، صغيرها وكبيرها.
إن اكتمال رمضان إنما هو اكتمال لسمو تلك القلوب المؤمنة لتظل وفية بعهدها مع الله سبحانه وتعالى، جادّة في عملها حريصة على أن تروي شجرة التقوى التي نمت فيها وأزهرت؛ لئلا تذبل أو تموت. ولئن مضى وفات وانقضى رمضان فإن لنا الفرصة في اغتنام ما تبقى من أعمارنا من أوقات، فلنعمرها بحب الله والتقرب إليه بكل عمل يحبه ويرضاه، ولتكن للحسنات في حياتنا أخوات وأخوات؛ وتلك علامة قبول العمل، وقد جاء في كتاب الله {إنما يتقبل الله من المتقين}.
افرح أيها المسلم
افرح أيها المسلم وأبشر.. فقد مضى رمضان بعد أن أظهر الله تعالى فيه خير ما في نفوس عباده من حب للخير ورغبة في القرب، وصبر واصطبار على الطاعات. فكانت محلا صالحا لأن يتفضل عليها ويجازيها ويكافئها بعيد الفطر، على جميل صبرها هذا في شهر الصبر. ويدعوها لأن تفرح بالعيد؛ فهو فرحٌ تسببت في حصوله فريضة الصيام وما لازمها من طاعات وعبادات، وحسن أخلاق، وأداء للحقوق والواجبات. فرح حق لا يشوبه باطل، ولا يدنسه كبر، ولا تكدره معصية. إنه فرح لله عز وجل ممزوج بالحب والشكر والامتنان للمنعم المعين سبحانه إذ أنعم وأعان، وأعطى وتفضل، ومنح الجائزة العاجلة في الدنيا متمثلة في يوم العيد. فالله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا
لقد عاش الصائم مع ربه سبحانه وتعالى معاني القرب والمعية والتعظيم والإجلال، حين علم يقينا أن الله تعالى أكبر.
فالله أكبر كبيرا.. تركنا من أجله طعامنا وشرابنا وشهواتنا فصمنا حبا له وطاعة، وله وحده صلينا وقمنا تقربا إليه.
الله أكبر.. فقد حفظنا ألسنتنا وأبصارنا وجوارحنا تأدبا مع شرف الزمان وتجنبا لحرمة العصيان.
الله أكبر.. فمن أجل رضاه حَلِمنا وما جهِلنا، وتحلينا بأحسن الأخلاق وتركنا سيئها، ولوجهه تصدقنا وأحسنَّا.
الله أكبر.. ففيه تحاببنا وتآخينا، وعلى طاعته اجتمعنا وتَعاوَنَّا، ولرحمته طلبنا ورجَونا.
إنها ساعة التمام مع ختام الأعمال واكتمال عدة رمضان، لنكبر الله على نعمة الهداية ونشكره على العون على إتمام الطاعات من صيام وقيام وتلاوة وذكر وشكر، ودعاء وتهجد واعتكاف، وأخوة ومحبة وإحسان.. فالله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الجائزة
وها هي الجائزة لكل من أتمَّ مسيرة رمضان واغتنم فيه الأنفاس ففاز مع مَن فاز، وأتاه العيد يرفل في ثوبه الجديد مع قلبه المتجدد بالإيمان، ونفسه المطمئنة لوعد الله عز وجل بالفوز والرضوان. ليفرح الصائم بعد تمام عبادته ويبشر بالقبول. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ” (رواه مسلم). ولِمَ لا يفرح وقد وعده الله بمغفرة ذنوبه إن أحسن صيام رمضان واغتنم ساعات ليله بالقيام، كما وعده بإجابة دعائه في ليله ونهاره؟!
لِمَ لا يفرح وقد منَّ الله عليه ببلوغ العشر الأواخر من رمضان وفيها ليلة القدر المباركة التي تبارك عمره وتضاعف عمله؟!
لِمَ لا يفرح وقد حسنت في أيام رمضان أخلاقه فحلم وصبر، وكثرت صدقاته فأعطى وجاد، وزاد إحسانه فسعى في قضاء حوائج إخوانه، ورقَّ قلبه فوصل ما انقطع من أرحامه؟
لِمَ لا يفرح وقد صام رمضان امتثالا لأمر الله عز وجل، ثم ها هو يفطر في العيد بأمر من الله تعالى أيضا، فهو في صيامه وفطره في الطاعة سواء!
لِمَ لا يفرح وقد شرفه الله في العيد فجعله من الذاكرين له، وطهر لسانه بالتكبير والتهليل والتحميد، وجعل له في مُصلى العيد لقاءً بإخوته المسلمين يتبادلون نسمات الحب في الله ويتبادلون التهاني معها بقلوب ملؤها التفاؤل والأمل في عطاء الله وعفوه ورحمته.
لِمَ لا يفرح وقد زكاه الله وطهره بزكاة الفطر، وجعله سببا في إدخال الفرحة على غيره بالإحسان إلى فقرائهم ومساكينهم وأيتامهم وأراملهم وذوي الحاجة منهم؟
لِمَ لا يفرح وقد منحه الله جائزة العيد وجعل له فيها فسحة للسرور واللهو المباح مع أهله وأصحابه وأحبابه في هذا اليوم العظيم من أيام الله.
عِش فرحتك
عش فرحتك.. فالعيد فرحة، وتبدأ هذه الفرحة وينبلج فجرها على أصوات التكبير وخطوات المكبرين في يوم العيد، وتُرَى في ضحكات الصغار وسعادتهم بارتداء الجديد وهم في سرورهم وبراءتهم يتقلبون!
فلنحاول أن نعيش هذه الفرحة طاعة لله المنعم بالفرح والسرور، ليحاول كل منا أن ينسى ويتناسى همومه وأحزانه ويستشعر أنه في يوم العيد. ليقبل على جائزة الله وهديته له فيتلقاها بسرور وحب، ورغبة وشكر، ولينظر في هذا اليوم إلى نعم الله عليه ويعددها ليستجلب لنفسه فرحة العيد. ومهما كثرت المنغصات من حولنا رغما عنا وحاولت أن تسرق من العيد فرحته، وتسلب بهجته؛ فلا ينبغي أن نستسلم لها، ولنعلم أن عيدنا هذا شعيرة من شعائر الله وأن فرحنا فيه عبادة يجب أن نخلصها لله وحده.
ومن الفرحة بالعيد أن تشارك فرحتك مع غيرك وتنثرها على مَن حولك، وتبثها عبر كلمات التهاني والتحابب والتواد والتراحم.
ومن الفرحة بالعيد أن تلبس له الجديد وتوسع على نفسك وأهلك حسب حالك واستطاعتك.
ومن الفرحة بالعيد أن تدخل السرور على قلب زوجك وأولادك وأصحابك وجيرانك بالكلمة الطيبة والبسمة الصادقة والهدية المعبرة.
ومن الفرحة بالعيد أن تجعل هذا اليوم السعيد مميَّزا لديك وفي ذاكرة أطفالك لينشؤوا على حب الله الذي جعل لهم مواسم للفرح والسرور، وتجعل يوم العيد بالنسبة لهم يوما خاصا رائعا يغنيهم عن التطلع لأعياد غير المسلمين أو الاحتفال بها أو المقارنة بينها وبين العيد.
ألا فافرحوا أيها المؤمنون والمؤمنات، وأدخلوا الفرحة على قلوب الأولاد والبنات، وانقلوا فرحتكم هذه لمن حولكم من المسلمين والمسلمات في كل مكان، فالله تعالى يقول: {إنما المؤمنون إخوة}. حققوا تلك الأخوة بالحب في الله والتلاقي والتحايا والهدايا، والعطاء والإحسان، واشكروا الله على أعطى ومنح، واذكروه على ما أنعم وتفضل.. وادعوه أن يمنّ علينا بلقيا رمضان جديد.. بارك الله لنا جميعا وأعاد علينا رمضان عاما بعد عام ونحن في عافية وإيمان.. وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.. وجعل عيدكم مباركا سعيدا.. وكل عام وأتم بخير.