يقول باحث في مؤسسة بريطانية: إن دخول شركات الأقمار الاصطناعية التجارية مجال إرسال الصور إلى المصادر المفتوحة سيكون له نتائج مهمة على الأمن والدفاع وعمل الأجهزة الأمنية وسرية المعلومات في جميع الدول.
وأوضح آردي جانجيفا، الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة -مؤسسة فكرية بريطانية تُعنى بقضايا الأمن والدفاع- في مقال له بصحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية، أنه ولعقود من الزمان، ظلت الأقمار الاصطناعية ترسل صوراً من الفضاء إلى منشآت حكومية آمنة للغاية لم يطلع عليها سوى قليل من العاملين خضعوا لفحص دقيق.
وفي خضم الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا، يطلب المسؤولون الحكوميون في تلك الدولة علناً من الشركات تزويدهم ببيانات جغرافية مكانية فورية لمساعدتهم في دعم قواتهم المسلحة بمعلومات استخبارية قابلة للتنفيذ بشأن تحركات القوات الروسية.
تحوّل كبير
ويصف الكاتب الطلب الأوكراني بأنه تحول لا يقتصر على صور الأقمار الاصطناعية والقطاع التجاري، فالزيادة الهائلة في البيانات المتاحة للجمهور تعني أن المحققين المواطنين أصبحوا الآن قادرين على تتبع الحشود العسكرية، وتعرية انتهاكات حقوق الإنسان، وفضح الروايات الكاذبة التي تروج لها جهات حكومية في الحال.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك تحقيق أجراه موقع “بيلنغكات” (Bellingcat) للصحافة الاستقصائية المتخصص في تدقيق الحقائق واستخبارات المصادر المفتوحة، إذ تمكن الموقع من تفكيك ودحض تنصل الكرملين من تورطه في إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية (الرحلة 17) فوق منطقة أوبلاست دونيتسك في شرق أوكرانيا في يوليو 2014.
التستر والتمويه أصبحا أكثر صعوبة
ويؤكد جانجيفا في مقاله أن التستر أو التمويه بات اليوم أكثر صعوبة من ذي قبل، حيث يسهل الكشف عن العمليات السرية، ثم إن البحث صار أيسر أيضاً.
ويمكن التعرف على القرائن حول الشبكات والأنشطة المعادية بشكل أكبر باستخدام أدوات مفتوحة المصدر متاحة مجاناً التي يمكن أن تساعد في تحديد مكان ووقت التقاط صورة أو مقطع فيديو، وكذلك من خلال الاشتراكات المدفوعة في قواعد بيانات صور الأقمار الاصطناعية للشركات.
إن تطور هذه التقنيات وقدرتها على تحويل البيانات المتاحة للجمهور إلى معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، تثير سؤالاً مركزياً حول الكيفية التي يمكن للحكومات توظيف هذه الفرص الجديدة داخل البنية التحتية الأمنية المصممة لجمع المعلومات الاستخبارية السرية من مصادر سرية.
إعادة النظر في سرية المعلومات الحكومية
ومع ذلك -يستطرد كاتب المقال- لم يعد الحفاظ على أمن الدولة ومؤسساتها كافياً، ففي الأشهر التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا، وأثناء الصراع نفسه، كان هناك وفرة من الرؤى والتقارير عالية الجودة ومفتوحة المصادر متاحة على الإنترنت، ويوفر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” منبرا لأعداد متزايدة من المحققين المواطنين الذين يتتبعون أماكن وجود المعدات والأفراد العسكريين الروس، بحيث لم تعد أجهزة استخبارات الدول هي الوسيط الوحيد الذي يتيح للجمهور الوصول إلى المعلومات الاستخبارية، وهذا بدوره يغير طريقة حساب الحكومة لمخاطر رفع السرية عن المعلومات.
وبحسب المقال، فقد أتاحت المعلومات المفتوحة المصدر توثيق الحشود العسكرية الروسية بكل تفاصيلها، إلا أنها لم تستطع تفسير ما إذا كان الهدف من ورائها هو منح موسكو نفوذا يجبر كييف على الجلوس للتفاوض، أو أنه يعني التحضير لعمل عسكري مباشر.