إلى جانب الخسائر المباشرة في أرواح المدنيين، كان للغزو الروسي لأوكرانيا العديد من الآثار البيئية بعيدة المدى، مع وجود منشآت أوكرانيا النووية، ومناطقها الشرقية الصناعية ودورها الحيوي في سلاسل الإمداد الغذائي العالمية، فإن خطر التداعيات البيئية مرتفع.
أثار الهجوم الروسي على محطة للطاقة النووية الأوكرانية في بداية مارس 2022 مخاوف من وقوع كارثة نووية أسوأ من تشيرنوبيل، ولحسن الحظ، تم احتواء الحريق في مصنع زابوريزهزهيا دون أي ضرر للمعدات الأساسية أو تغيير في مستويات الإشعاع، ومع ذلك، نبه الحادث المجتمع الدولي إلى العديد من التهديدات التي يشكلها الصراع على الأمن البيئي، لم يؤد الصراع في أوكرانيا إلى خسائر فادحة في الأرواح البشرية فقط، ولكنه أيضًا -كما هي الحال مع العديد من النزاعات التاريخية- يهدد في نفس الوقت بكارثة بيئية.
الآثار البيئية للنزاع متنوعة وكبيرة، ولكن حتى الآن يتم التغاضي عنها إلى حد كبير، للتدهور البيئي المرتبط بالنزاع آثار بعيدة المدى وطويلة المدى -كما يتضح من الوضع في أوكرانيا- يتطلب تعاونًا دوليًا لمعالجته.
التهديدات الصناعية في الشرق
بدأت التداعيات البيئية للصراع قبل وقت طويل من الغزو الروسي في 24 فبراير 2022، وقد أظهر الصراع بين الجيش الأوكراني والقوات المدعومة من روسيا بعد غزو موسكو لدونباس في عام 2014 بعض المخاطر البيئية التي تنطوي عليها الحرب.
فمنطقة دونباس عالية التصنيع وهي موطن لمئات من مناجم الفحم والمنشئات الصناعية والمناجم والعمليات الكيميائية الخطرة، وقد أدى قصف هذه المواقع الصناعية إلى إطلاق نفايات خطرة وتلوث المياه والتربة والأرض.
ومما يثير القلق أيضًا أنه بعد عام 2014، تقلصت المناجم إلى 70 من أصل 94 منجماً في منطقة دونباس في مناطق يسيطر عليها الانفصاليون، من المستحيل تأكيد ما إذا كانت المناجم في جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك الشعبية -غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي- يتم صيانتها بشكل صحيح، مما يزيد من المخاوف بشأن تلوث المياه الجوفية والسطحية، فالمياه في المنطقة تتغذى على نهر سيفرسكي- دونتس، أكبر نهر في شرق أوكرانيا؛ مما يشكل مخاطر على إمدادات مياه الشرب المحلية والمياه خارج حدود أوكرانيا، مما يشكل تهديدًا عابرًا للحدود الوطنية.
وقد كانت هناك محاولات للتخفيف من هذه الآثار من خلال بناء محطات معالجة لتنقية المياه في طور الإعداد، ولكن بالنظر إلى الغزو الروسي واسع النطاق الحالي، من غير المرجح أن تؤتي ثمارها، وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يتزايد التهديد المتوقع على جودة المياه وينتشر إلى مناطق أوكرانية أخرى حيث وقع المزيد من البنية التحتية الحيوية في أيدي روسيا.
مع تزايد الخضوع للسيطرة الروسية واستمرار القصف، تزداد المخاطر البيئية، ففي الأسبوع الأول من الغزو الروسي في عام 2022، شهد أكثر من 20 موقعًا صناعيًا تسريبات شديدة أو انفجارات أو حرائق ضارة بالبيئة، كما تعرضت أدوات مراقبة هذه المواقع للهجمات الإلكترونية، مما يقوض الجهود المبذولة لمعالجة المخاطر البيئية وتأثيرها المحتمل على المدى الطويل.
المخاطرة بحادثة تشيرنوبيل ثانية
أظهر قصف محطة زابوريزهيا النووية، أن الأضرار التي لحقت بأي من المفاعلات النووية الأوكرانية الخمسة عشر تشكل تهديدًا كبيرًا لكل من البيئة وحياة الإنسان، وقد يؤدي الضرر الذي يلحق بأنظمة احتواء المفاعلات أو التبريد إلى إطلاق الإشعاع، مما يؤدي إلى جعل مئات الكيلومترات من الأرض غير صالحة للعيش لسنوات قادمة.
يجب أن تكون تشيرنوبيل بمثابة تحذير حقيقي للغاية لما سيعنيه إطلاق الإشعاع على البيئة، فقد أدت التداعيات التي أعقبت كارثة تشيرنوبيل إلى زيادة معدلات الوفيات بين العديد من أنواع النباتات والحيوانات وخلل في الإنجاب، كما أدى نقل النويدات المشعة إلى المسطحات المائية إلى حدوث تلوث في جميع أنحاء أوروبا.
حتى إذا تجنبت المنشآت النووية الأوكرانية التعرض لأضرار مباشرة في النزاع، فإن تشغيلها الآمن يعتمد على فنيين وموظفين خبراء، والشبكة الكهربائية لأنظمة التبريد والوصول إلى المعدات المتخصصة الأخرى، وكلها سوف يعيقها الصراع المستمر، لقد فر ملايين الأوكرانيين بالفعل من البلاد ومحطات الطاقة تعرضت بالفعل للقصف بالمدفعية وانقطع التيار الكهربائي عن تشرنوبيل بعد التقدم الروسي، كما أدى الاحتلال الروسي لتشرنوبيل إلى عمل الموظفين في ظروف غير آمنة وبدون الأنظمة والمعدات المناسبة.
تفجير لوازم الخبز
تنتج روسيا وأوكرانيا معًا ما يقرب من 25% من القمح في العالم، فضلاً عن كونهما من الموردين الرئيسين للشعير وزيت بذور عباد الشمس والذرة، سيجعل الصراع المستمر المزارعين غير قادرين على جني محصول هذا العام ويخاطر بحدوث أزمة غذائية محتملة تمتد إلى العام المقبل إذا لم يتمكنوا من زراعة المحاصيل هذا الربيع.
وبينما قد تتمكن البلدان على المدى الطويل من تقليل اعتمادها على المنطقة، فمن المرجح على المدى القصير أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمات الغذائية القائمة، تعتمد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا، وقد حذرت شركة السماد العالمية يارا بالفعل من أن الصراع لن يؤدي إلا إلى حصول الأشخاص الأكثر حظًا على الغذاء الكافي، مما سيؤدي إلى المجاعة ومزيد من العنف في البلدان الضعيفة.
يؤثر تغير المناخ بالفعل على إنتاج القمح العالمي، بسبب الحد من قدرة البلدان على زراعته، وزيادة الطلب الناتج عن تفاقم الصدمات الغذائية وزيادة الاعتماد المحلي على الأغذية المستوردة، يهدد الصراع المستمر بتفاقم الوضع في المناطق التي تعتمد بالفعل على الصادرات الروسية والأوكرانية للتخفيف من تأثير تغير المناخ على إنتاجها الغذائي المحلي.
اشتباكات مع الحفاظ على البيئة
بالإضافة إلى كونها سلة خبز العالم، تستضيف أوكرانيا 35% من التنوع البيولوجي في أوروبا، ويهدد الصراع هذا التنوع البيولوجي بشكل مباشر وغير مباشر، فتتعرض النظم البيئية في أوكرانيا للتهديد من العمل العسكري المباشر الذي يهدد بتدمير المناظر الطبيعية وتفاقم إزالة الغابات وزيادة مخاطر حرائق الغابات.
ولا يقل أهمية عن ذلك، أن الصراع يؤثر أيضًا على جهود الحفاظ على البيئة، حيث تعتمد المنظمات الدولية التي تدعم جهود الحفاظ على البيئة في أوكرانيا على السلام والاستقرار للقيام بذلك، وقد أُجبر دعاة الحفاظ على البيئة على الإخلاء أو حمل السلاح بسبب الغزو الروسي، ويؤدي الصراع أيضًا إلى عرقلة أعمال الحفظ والمناخ خارج حدود أوكرانيا، حيث أغلقت بيلاروسيا المنظمات غير الحكومية المعنية بالحفاظ على البيئة وأخر الاتحاد الأوروبي خطته للتنوع البيولوجي بسبب مخاوف بشأن الأمن الغذائي.
لا سلام للبيئة
لا ينبغي الاستهانة بالوضع في أوكرانيا وآثاره على البيئة، فالتدهور البيئي ستكون له آثار بعيدة وطويلة المدى، والصراع المستمر يهدد الصناعات التي، عندما تتعرض للخطر، تشكل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي، فالمناجم والمصانع الكيماوية والمنشآت النووية تتطلب صيانة دقيقة طويلة الأجل بعد توقفها عن العمل ويمكن أن تسبب جميعها أضرارًا بيئية لا توصف.
كما أن الضرر الناجم عن النزاع لم يتم احتواؤه داخل الحدود الأوكرانية؛ وهو يؤثر حتما على البلدان المجاورة من خلال النظم الإيكولوجية والممرات المائية المشتركة، وكذلك تلك البعيدة بسبب الانقطاعات في سلاسل الإمداد الغذائي العالمية وفقدان التنوع البيولوجي.
لا ينبغي النظر إلى البيئة على أنها ضحية حتمية للحرب، فالأمن البيئي والأمن البشري يرتبطان ارتباطًا وثيقًا، ويتسبب الصراع في أوكرانيا في أضرار بيئية تهدد بالاستمرار لفترة طويلة بعد توقيع أي اتفاق سلام، يجب أن تكون معالجة هذه التهديدات جزءًا أساسيًا من استجابة المجتمع الدولي للصراع.
___________
المصدر: “أسوشيتد برس”.