يحظى الإمام عبد الجبار الفجيجي، في نفوس أهل واحة فجيج، إحدى أقدم الواحات المغربية، على الحدود مع الجزائر، باحترام كبير، إذ يرجع إليه الفضل في تأسيس “دار العِدَّة”، التي جمع بها نحو 5 آلاف مجلد.
وساق الإمام، واسمه الكامل “عبد الجبار بن أحمد بن موسى الفجيجي”، قوافل الكتب التي جمعها من فاس المغربية، وتلمسان الجزائرية، وحتى من مصر، إلى هذه الربوع النائية، في أقصى الشرق المغربي.
وتورد كتب التاريخ والتراجم، أنه كان يُستفتى في كل أمور حياة الناس، لغزارة علمه وولعه بالفقه والعلوم الأخرى.
ويرجح حفيده عبد الجبار جباري، في حديثه للأناضول، أن يكون مولد جده عام 810 هـ (حوالي 1407م)، وأنه عاش نحو قرن من الزمن، وهو ما يذهب إليه العديد من الباحثين في تاريخ الواحة.
مكانته العلمية، أهّلته لتأسيس “جامعة” وخزانة (مكتبة)، تحمل اسم دار العِدَّة، هي شاهدة اليوم بمنطقة قصر المعيز (قرية محصنة) على نهضة علمية عريقة.
ـ دار العدة
الواقع أن الصرح العلمي الذي أسسه الإمام الفجيجي، كان يضاهي، من حيث مكانته وأهميته العلمية، جامع القرويين، بمدينة فاس، في ذلك الزمان، على حد تعبير حفيد الشيخ.
وما كان ليتأسس هذا الصرح الذي كان يشد إليه طلبة العلم الترحال من مصر والسودان، والمستشرقين الأوروبيين، لينتعش لولا توفره على خزانة تحتوي على نفائس الكتب والمخطوطات.
يورد الباحث المغربي بنعلي محمد بوزيان، في مقال نشره في 1985 بمجلة “دعوة الحق” (حكومية)، بعنوان “خزانة بني عبد الجبار بفجيج دار العدة”، أنه “يروي الأجداد خلفا عن سلف أن الشيخ الإمام عبد الجبار، دشن خزانة بحمولة أربعين بعيرا كتبا، جاء بمعظمها من فاس وتلمسان (الجزائر) ومصر، وينيف مجموعها على 5 آلاف مجلد”.
ويزيد حفيد الشيخ تأكيدا على حرص الفجيجي، على إغناء هذه الخزانة بالكتب والمراجع اللازمة في مختلف مجالات العلوم، بسرد قصة الإمام مع أبنائه الذين جاءوه يوما بقافلة محملة بالحبوب من قمح وشعير، فرفضها، وطالبهم بإرجاعها إلى مصدرها، والإتيان بدلا منها بقافلة محملة بالكتب.
هذا الحرص على إغناء المكتبة بالكتب، جعل منها مكتبة فريدة في عصرها لما زخرت به من نفائس.
ويذكر في هذا الإطار حفيده، أن العديد من العلماء والمفكرين، ومن زار دار العدة، وقف على فهارس الكتب، التي كانوا يمضون الأيام لتعدادها وتمييزها، ومنهم المفكر المغربي المعروف محمد عابد الجابري، حفيد الإمام الفجيجي، من أمه.
من الكتب المهمة التي تضمها دار العدة، “تفسير القرآن الكريم”، الواقع في 12 جزءا، وهو في الأصل اختصار لتفسير القرطبي.
ويورد في هذا السياق الباحث بوزيان، في مقالة أخرى بعنوان “الإمام عبد الجبار الفكيكي، مؤسس الصرح الثقافي بفكيك”، نشرها بمجلة “دعوة الحق”، يناير 1986 “انطباع رحّالة مغربي قدر له أن يزور الخزانة عام 1197 هـ، والأمر يتعلق بمحمد بن عبد السلام بن ناصر، المتوفى عام 1239 هـ.
ويقول الرحالة بن ناصر، “وأوقفونا – أي أعقاب الإمام – على تفسيره من اثني عشر جزءا من الكبير، قال في أوله إنه اختصر القرطبي، فوجدناه يزيد عليه زيادة مستحسنة، وفوائد مستغربة، يطرزها بعبارات ريضة، ويوسمها بجواهره”.
كتاب آخر يقول حفيده أن مكتبة جده كانت تتزين به هو كتاب “مختصر حياة الحيوان”، اختصر فيه الإمام كتاب “حياة الحيوان”، لكمال الدين محمد بن موسى الدميري المصري.
ومن المعروف أن هذا الكتاب كان يحظى بأهمية علمية بالغة، إلى درجة أنه أقدم العديد من المهتمين على اختصاره.
ـ دار العدة اليوم
يكاد المرء يجزم اليوم، أنه لم يتبق من “دار العدة”، إلا اسمها، باستثناء بعض الكتب، التي لم تتمكن الأناضول من الاطلاع عليها، لعدم وجود القيّم على مرقد الامام بمسجده، الذي يبعد خطوات عن الخزانة.
فالخزانة الكبرى، التي تحمل اسم دار العدة، لم يتبق فيها من المخطوطات والكتب شيئا، والتي جمعها الإمام الفجيجي، على مدار عقود من حياته.
ورغم “اختفاء” الزاد الكبير الذي تركه الامام لعوامل عدة، لازالت “دار العدة”، تحافظ حتى اليوم على نفس الغرض، تستقبل المتعلمين والراغبين من طلبة العلم في التحصيل، تحت إشراف جمعية تقدم خدمات اجتماعية لأبناء المدينة و”قصر المعيز”.