منذ أن تم اختيار قطر في العام 2010م لتنظيم مونديال كأس العالم 2022، لم تهدأ الحملة عليها حتى من ذوي القربى قبل الغرب، وهذا هو الشيء اللافت، فبدلًا من أن تتباهي بعض الدول العربية التي لها موقف سياسي مخالف لقطر، أنه تم اختيار دولة عربية لهذا الحدث الكبير، وبالتالي تكون المنطقة العربية كلها مستفيدة من حضور العالم إليها، للتعرف على ثقافتنا وتقاليدنا، أخذوا يوجهون الاتهامات تلو الأخرى، بعدم قدرة قطر على استضافة هذا الحدث المهم، وأنها ستفشل بامتياز في ذلك، وانبرى أساطين الإعلام وأبواقه في الترويج لذلك بكل قوة.
ومنذ ذلك الحين، أيضًا، قامت العديد من الصحف المأجورة في الغرب التي يُطلق عليها “الصحف الصفراء” بشن العديد من الحملات ضد قطر، وصدّروا ملف حقوق الإنسان المرتبط بالعمالة، والحرية الفردية، ولم تكن هناك مساحة من التغطية مخصصة للحديث عن كيفية جعل قطر البطولة في متناول المتفرجين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
هذا الإجحاف يقود إلى تساؤلات حول دوافع وسائل الإعلام الغربية الرئيسة من هذه الحملة التشهيرية على قطر.
ولم تصدر الاتهامات من الصحف فقط، بل وجدنا أن العديد من السياسيين وبعض المسؤولين في الغرب يصدرون العديد من التصريحات ضد قطر، بشكل ينم عن حقد دفين، وازدواجية فجة.
مع العلم أن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة أشادت بإصلاحات قطر، بما في ذلك إلغاء تأشيرة الخروج لعاملات المنازل، وإنشاء حد أدنى دائم غير تمييزي للأجور وتسهيل إجراءات تغيير الوظائف.
ونسي هؤلاء أو تناسوا أن روسيا التي استضافت مونديال كأس العالم في العام 2018م؛ كانت ولا تزال متورطة في تدمير سورية، وقتل عشرات الآلاف سواء بشكل مباشر، أو بدعم نظام بشار الأسد الذي قتل شعبه، وهجّر الملايين خارج سوريا!
ولكن قطر لم تأبه بكل الافتراءات التي وجهت إليها، وأخذوا يعملون بكل جد ونشاط في اتجاهين مهمين؛ الأول مرتبط بالبنية التحتية للدولة، مع التسريع في تحسينها وتطويرها، والثاني بناء ثمانية ملاعب على أعلى مستوى، طبقًا للمعايير العالمية، مع توفير الإمكانيات الهائلة في كل استاد، التي تساهم في توفير الراحة للمشجعين، مع تيسير وسائل الوصول إلى كل الملاعب بشكل سلسل.
حيث ضخَّت قطر أكثر من 220 مليار دولار في الاستعدادات للمونديال، ولم يكن مخصصًا فقط لتشييد ملاعب وغيرها من احتياجات كأس العالم، بل كان موجهًا لتمويل مشروعات البنية التحتية للدولة بالكامل من طرق، ومواصلات، وأنفاق، وكباري، وتشييد مترو الدوحة، وتوسعات مطار حمد الدولي وغيرها.
والحقيقة أن مؤسسات قطر المعنية بالرياضة لم تكتف وحدها بالعمل، والتجهيز، والإبداع لإخراج هذا المونديال في أبهى حُلة، بل تم توظيف باقي المؤسسات الثقافية والخيرية، والدعوية، والإعلامية، للترويج للثقافة والتقاليد العربية، ظهر ذلك جليًا في اللوحات التي زيّنت الميادين العامة بالآيات القرائية والأحاديث النبوية، التي تحث على التزام الأخلاق الحميدة، والسلوكيات القويمة، مع عمل برامج توعوية وتعريفية بالعشرات من اللغات المختلفة، واستقدام العشرات من الدعاة المؤثرين في العالم الإسلامي للتعريف بالإسلام، وكان في مقدمتهم الداعية الشهير “ذاكر نايك” من الأصول الهندية. ومن ثمّ قدمت قطر رسائل أخلاقية وإنسانية رفيعة للبشرية.
ازدواجية الغرب الممقوتة
المتأمل في ممارسات الغرب تجاه منطقتنا العربية والإسلامية على مر العصور يجد أن المسألة لا تتوقف على حدث بعينه، ولكن المسألة مرتبطة بدرجة كبيرة بثقافة الاستعلاء التي يمارسها الغرب على منطقتنا، ظنًا منه أنهم هم الأفضل، ويمثلون الجنس السامي، الذي يفوق غيره.
وإذا نظرنا فقط في الأساليب التي مارسها الغرب أثناء الحملات الصليبية، وما بعدها من فرض سياسة الاستعمار، نجد أن أبرز ممارساته كانت نهب خيرات الدول المستعمَرة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما فعلته فرنسا في الجزائر، من قتل ما يقرب من مليون إنسان، وما حدث في أفريقيا، ولا يزال من نهبٍ للثروات، ودعم للأنظمة الانقلابية المستبدة التي تخدم مصالحهم.
على الرغم من كل هذه الممارسات، وغيرها كثير، تشهد عليه كتب التاريخ، وصور القتل والتشريد التي مورست ضد أهل البلاد الأصليين، في أماكن مختلفة، إلا أننا نجد أنهم يتناسون تاريخهم، ويدّعون أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان، التي أهدروها سلفًا.
وإذا توقفنا عند بعض المشاهد التي ظهرت في مونديال قطر سيتأكد لنا ما سبق ذكره، ومن تلك المواقف:
قرار السلطات الفرنسية بعدم بث مباريات كأس العالم علنًا على الشاشات الكبيرة في مدنها العديدة، بحجة مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان وسوء ظروف العمل للعمال المهاجرين.
وموقف الفريق الألماني عندما أخذوا صورة جماعية قبل مباراتهم مع اليابان، فإذا بنا نرى اللاعبين يضعون أيديهم على أفواههم، إشارة منهم إلى تكميم الحريات التي تمارسها قطر في مسألة المثليين، على الرغم من أن الـ FIFA أعلنت أنه يجب الابتعاد عن رفع الشعارات التي تخالف نظام المونديال الحالي، وأعراف الدولة المُضيفة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شاهدنا وزيرة الداخلية الألمانية “نانسي فيسر” ترتدي شارة الشواذ على ذراعها الأيسر أثناء مباراة ألمانيا واليابان، ثم ارتدت جاكيت أحمر بكم حتي لا يتم اكتشافها، وحينما جلست في المقصورة خلعت الجاكت وظهر على ذراعها علم الشواذ!! ونفس الوزيرة هي التي انتقدت سابقًا قطر لتنظيمها هذه البطولة العالمية قبل انطلاق المونديال، بقولها: “من الصعب للغاية”.
ونفس الطريقة كررتها وزيرة خارجية بلجيكا أثناء مباراتها مع كندا، حيث ارتدت شارة المثليين، لكي تؤكد أن المجتمع الغربي بسياسييه يسعون لنشر هذا الفكر الشاذ، عمّا خلقه الله له.
ومن المشاهد الغريبة، أيضًا، التي تدل على الموروث الاستعماري المتأصل في وجدانهم ارتداء بعض المشجعين الانجليز، للزي الذي كان يرتديه الجنود أثناء الحروب الصليبية، عند غزوهم للقدس وبلاد الشام، وهذا يدل على إصرارهم الفج لفرض ثقافتهم التي تخالف ثقافتنا العربية والإسلامية.
كل هذه المشاهد وغيرها تدل على أن الغرب في كثير من الأحيان، وخصوصًا على مستوى بعض المسؤولين لا يحترمون ثقافتنا العربية التي ترفض مثل هذه الممارسات التي تخرج عن نطاق شريعتها. فالله تبارك وتعالى خلق الكون كله على أساس “الذكر والأنثى”، يقول تعالى: (وأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنثَى) (النجم: 45).
وفي الختام أقول إن الدفاع عن ثقافتنا ومبادئنا، هو حق أصيل من حقوق الإنسان، والذي يريد أن يفرض علينا ثقافته وأخلاقه، هو بالتالي لا يعترف بالحقوق ولا بالإنسان الذي يختلف معه على مستوى العقيدة والثقافة، ويجب أن يستوعب هؤلاء أن هناك مشتركات إنسانية كثيرة يمكن أن يلتقي عليه البشر، دونما أن يكون لذلك تأثير سلبي على حرية الاعتقاد.
_________________________________________________
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com
نقلاً عن “عربي 21”.