«مرتد من المسيحية إلى الإسلام في زمن العلمنة والإرهاب»، هذا عنوان الكتاب الذي ألفه «فان كلافرن»، السياسي الهولندي الذي كان معادياً للإسلام، وكان عضواً في حزب «من أجل الحرية» المتطرف، وعضواً في البرلمان إلى عام 2017م، في أثناء تأليفه كتاباً ضد الإسلام، وفي منتصف الطريق في الكتابة، هداه الله فأسلم، وغيّر كتابه إلى هذا العنوان المثير ذي الدلالة، يقول في كتابه: «مع الأخذ في الاعتبار أن إلهاً واحداً تحدث عنه موسى وعيسى من بين آخرين هو نفس الإله الذي قرأنا عنه في القرآن، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم، دون أدنى شك، ينتمي لسلالة الأنبياء في الكتاب المقدس، قررت نطق شهادة الإسلام، حدث هذا بعد عشاء رائع في مكان عائلي دافئ مع مجموعة صغيرة، بعد نطق الشهادة، لم تمطر السماء ذهباً ولم أر النجوم أكثر تألقاً، ولكني شعرت بالبهجة والراحة النفسية»(1).
الرسول لم يمض للرفيق الأعلى حتى جاء نصر الله ودخلت جزيرة العرب كلها في دين الله
بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده الدين، ثم الصحابة الأوائل، ثم رويداً رويداً دخل القلوب والبيوت، ولم يمض رسول الله إلى الرفيق الأعلى حتى جاء نصر الله والفتح، ودخلت جزيرة العرب كلها في دين الله، وكان ذلك بأقل خسائر يتصورها إنسان، «ولم يشهد التاريخ أيمن، ولا أقل إراقة للدماء ولا أعود منها على الإنسانية بالسعادة من ذلك الفتح؛ لم يزد عدد القتلى من الفريقين في جميع الغزوات والسرايا والمناوشات على 1018 نفساً؛ 259 مسلماً و759 كافراً»(2).
وفي القرنين السابع والثامن الميلاديين، دخل الإسلام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتابع الخلفاء الراشدون ومن بعدهم بنو أمية ثم بنو العباس المسيرة المباركة، ولم تمض 100 عام من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى امتد نور الإسلام ليكون دولة عظيمة امتدت من الهند شرقاً إلى إسبانيا غرباً، حيث بدأ فتح الأندلس عام 92هـ.
لا إكراه في الدين
وتميز القادة المسلمون وأتباعهم الذين حملوا على أكتافهم مهمة نشر الدين بأنهم أصحاب كتاب منزل وشريعة إلهية، وبأنهم لم يتولوا الحكم بغير تربية خلقية وتزكية نفس، ولم يكونوا خدَمة جنس ورسل شعب أو وطن، وإنما للبشرية كلها، وكانوا جسماً وروحاً وقلباً وعقلاً وعواطف وجوارح تسعد بهم البشرية، وتتمثل فيهم الإنسانية بجميع جوانبها فصارت دور الخلافة الراشدة مثلاً للمدينة الصالحة، وسعدت البشرية في ظل الفتوحات الإسلامية(3).
وعندما فتح المسلمون البلاد سادوها، ولكن تركوا الناس أحراراً في اختيار دينهم؛ لأن الإسلام حرم إدخال الناس فيه بالقوة أو إكراههم، فلا إكراه في الدين، فأخذ ذلك أجيالاً حتى اقتنع سكان البلاد بهذا الدين بعد علمهم به وتجربتهم مع أتباعه.
ولم يتوقف انتشار الإسلام على معجزة الرعيل الأول، لكنه استمر خلال القرون التالية، ففتح محمد الفاتح القسطنطينية عام 857هـ، وبدأ الأتراك بفتح الأناضول والبلقان خاصة في عهد السلطان مراد الأول، فدخل الإسلام إلى أوروبا من الشرق، ودخل سليمان القانوني المجر (932هـ)، وبلغت جيوشه أسوار فيينا وحاصرها أول مرة (935هـ)(4).
وفي عهد الدولة العثمانية (1299 – 1924م)، أدت السياسة المتصفة بالسماحة الدينية التي اتخذتها الدولة -تجاه رعاياها في جنوب شرق أوروبا- إلى اعتناق الكثير للإسلام، وجعلت الإسلام ينتشر انتشاراً واسعاً بين تلك الشعوب، حيث وجدوا الرحمة والرأفة، والعدل والمساواة، التي لم تعهدها تلك الشعوب من قبل(5).
دون قطرة دم
وكذلك دخلت أعداد هائلة لدين الله دون قطرة دم أو برقة سيف في شبه الجزيرة الهندية وماليزيا وإندونيسيا، ولم تكن للمسلمين دولة في إندونيسيا خلال القرون التالية، وإنما كان الحكم للهولنديين المسيحيين، ومع ذلك استمر دخول الناس في الإسلام حتى صارت إندونيسيا أكبر دولة من حيث عدد سكانها المسلمين في العالم، كذلك كان الحال في أفريقيا؛ حيث انتشر الإسلام في القرنين الماضيين وأفريقيا تحت الاحتلال الأوروبي.
أعداد هائلة دخلت الإسلام دون قطرة دم في شبه الجزيرة الهندية وماليزيا وإندونيسيا
وفي إندونيسيا، أنشأ التجار المسلمون لأنفسهم مراكز تجارة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو في وقت مبكر ربما من أواخر القرن الثاني الهجري، وقد أتى أوائل التجار من عُمان، وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن وكذا الهند، وأسلم الناس نتيجة احتكاكهم بالتجار المسلمين، وبدأ ازدهار الإسلام في القرن السادس الهجري، ودخل الناس هناك في دين الله بصفة تكاد تكون جماعية في وقت قصير دون أي حرب أو قهر، بدأ باعتناق الأفراد ثم أصحاب السلطة ثم عامة الشعب(6)، وقفز الإسلام من جزيرة إلى أخرى بسلام واقتناع، فهل يستطيع المسلمون هنا في أوروبا تكرار تلك الظاهرة الإندونيسية؟
وبعد حوادث 11 سبتمبر، زاد الاهتمام بالإسلام والمسلمين في بريطانيا، من المكتبات الإسلامية والدورات الجامعية في الأديان المقارنة إلى أروقة وزارة الخارجية، يسارع غير المسلمين لمعرفة المزيد عن الإسلام وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتجاوزت مبيعات القرآن الكريم أعلى مستوى، فسجل «Penguin»، ناشرو أفضل ترجمة لمعاني القرآن باللغة الإنجليزية، زيادة قدرها 15 ضعفاً في الأشهر الثلاثة التي أعقبت حوادث سبتمبر، واستمرت المبيعات مرتفعة منذ ذلك الحين.
في هذه الأثناء، كانت وزارة الخارجية البريطانية وشؤون الكومنولث غارقة في الاستجابة لدورات التوعية الإسلامية الجديدة التي أقاموها للدبلوماسيين الذين تم تعيينهم في البلدان الإسلامية والموظفين المقيمين في لندن المهتمين بالعالم الإسلامي الأوسع(7).
الجمال اللامتناهي
تقول «إيوني سوليفان»، من إنجلترا، عن القرآن الكريم: «وجدت نفسي أقرأ كتاباً يقول: إن الدليل على وجود الله يكمن في الجمال اللامتناهي وتوازن الخلق، وليس كتاباً يطلب مني تصديق أن الله سار على الأرض في شكل بشري؛ لم أكن بحاجة إلى كاهن ليباركني أو مكان مقدس للصلاة، ثم بدأت أبحث في الممارسات الإسلامية الأخرى التي رفضتها قبل إسلامي باعتبارها قاسية؛ الصوم، الزكاة، فكرة الحياء، توقفت عن رؤيتها كقيود على الحرية الشخصية وأدركت أنها طرق لتحقيق ضبط النفس»(8).
لعل شهر رمضان يكون فرصة ليرى أهل أوروبا من غير المسلمين مدى حلاوة الإيمان، ليسعوا إلى تذوقه؛ فها هي «أليسون» من إسكتلندا، كانت تقرأ في كتاب لطالب قضى فترة بحثية في جامبيا، وفيه فصل بعنوان «رمضان»، يحكي عن شهر الصيام هناك، فقررت أن تصوم، وعرفت أن رمضان قد قرب فقررت استعارة بعض الكتب عن الصيام ثم طلبت كتباً أخرى عن الإسلام من المكتبة العامة، وعكفت عليها في إجازة لمدة أسبوعين، وشعرت بالطمأنينة بعد أن وجدت الإجابات عن أسئلتها: كيف يكون لله ابن؟ ولماذا يجعله يموت؟
وتقول: «قبلتُ الإسلام على التوّ، وكان أحد الكتب عبارة عن دليل للصلاة، وبعد قراءته بدأتُ الصلاة، وأتمنى لو أشعر الآن بنفس الشعور الذي أحسستُ به عندما صليتُ لأول مرة، ذلك الشعور بصلة مباشرة مع الله، الشعور بالاستسلام، والوقوف أمام خالقي، لا أستطيع حتى أن أبدأ في شرح إحساسي الذي خبرتُه، والذي أدركتُ بعده أنه لن تكون هناك عودة إلى الوراء»(9).
في الجزء التالي، سنستعرض، بإذن الله تعالى، حجم الدخول للإسلام في أوروبا، وأسبابه، والتحديات التي تواجه المهتدين.
__________________________________________________
(1) Joram van Klaveren, Apostate: From Christianity to Islam in times of secularisation and terror (The Netherlands: Kennishuys, 2019), 187-188.
(2) المنصورفوري، رحمة للعالمين (الرياض: دار السلام للنشر والتوزيع، 1995)، ص468.
(3) الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ (المنصورة: مكتبة الإيمان)، ص160.
(4) الصلابي، فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح (القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006)، ص83-113.
(5) فائقة بحري، «أثر الدولة العثمانية في نشر الإسلام في أوروبا» (رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، 1989)، ص180.
(6) العبودي، في إندونيسيا أكبر بلاد المسلمين (الرياض، 1999)، 27.
(7)M Bright, “Interest in Islam mounts after hijacking atrocity,” The Observer, 1 September 2002.
(8) V Mistiaen, “Converting to Islam: British women on prayer, peace and prejudice,” The Guardian, 11 October 2013.
(9) Y Suleiman. Narratives of Conversion to Islam in Britain: Female Perspectives. (Cambridge: Centre of Islamic Studies, University of Cambridge, with the New Muslims Project, Markfield, 2013).