يتلقى الأطفال نبأ موت من يحبون بمزيج من الخوف والحزن والقلق، وأحياناً ترقبه لأنفسهم وللأهل فتكثر تساؤلاتهم، ومع الأسف يتجاهل معظم الأهل الإجابة أو يقدمون إجابات تزيد ارتباك الأطفال وتضرهم.
نقدم الإجابات السهلة والصادقة، وكيفية التعامل الأفضل واحتواء اضطرابهم، وكيف نخبرهم ونستمع لمخاوفهم.
نحذر من الحماية الزائدة للطفل بإخفاء خبر موت من يحب عنه حتى لا نضره؛ لأنه سيعرف ويُصدم وقد يفقد الثقة بالأهل.
ونوصي أن يخبره أقرب إنسان له، ويتكلم معه على انفراد بكلام قليل وبهدوء واحترام لمشاعره؛ فلا يقل له: لا تبكِ أنت كبير، أو الميت سيحزن؛ فالرسول صلوات الله وسلامه عليه بكى لوفاة ابنه، وليتركه يبكي ويتكلم عن حزنه أو غضبه ولا يقاطعه؛ فالكبت أسوأ نفسياً، ويخبره أنه أيضاً حزين وسيصبر ليقينه بأن الله تعالى اختار الأفضل للميت، وأنه سبحانه يمنحنا القوة، والحياة ستستمر، وعليه الانشغال بهواياته وبما يسعده؛ وهذا ليس خيانة للميت، فهو أيضاً مات من أحبه وواصل حياته، وهذا هو الصواب.
ويخبره أننا سنجتمع، إن شاء الله تعالى، في الجنة، ولننشغل بحياتنا بفعل الأفضل ونسعد بها ونعط كل شيء حقه، ويذكر الحديث الشريف: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وأن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
إسعاد الميت
وليخبره أن الاستسلام للحزن سيؤذينا، والأفضل إسعاد الميت بالدعاء والصدقة الجارية ثم فعل ما يفيدنا وسيسعد لأجلنا؛ لأنه يحبنا وسنحبه دوماً، ونحن لا نحزن عليه؛ بل نحزن فقط لأننا نفتقده، لكن لدينا ذكرياتنا معه وسنتحدث عنه ولن ننساه أبداً، وتعال احتضني عندما تشتاق إليه لنقضي وقتاً جميلاً.
ويمكن أن يسأله: ماذا تعرف عن الموت؟ قبل أن يتكلم؛ فقد يقول كلاماً خاطئاً فيصوبه أو يضيف لمعلوماته وفقاً لعمره ولاستيعابه، ولا يكذب عليه فيقول: إنه سافر مثلاً.. وليتماسك ولا يجعله يراه منهاراً؛ حتى لا يفقد الطفل الشعور بالأمان، ولا يبالغ وكأنه غير حزين فسيشعر بحزنه.
ولنعرف له حقيقة الموت بأنه انتقال لمكان أجمل، وهي الحياة الدائمة، والله وحده يحدد وقت الانتقال، والموت يكون جميلاً جداً لمن كثرت حسناته، واستغفر من سيئاته؛ فالله يحبه، وفي أحسن وقت له ينتقل لحياة أفضل؛ فما بعد الموت مكافأة جميلة للمحسن وعقاب للمسيء؛ كمكافأة أفضل المتفوقين بالمدرسة والعكس للمسيء.
مع ملاحظة رد فعله؛ فعندما يريد الاستماع للمزيد نمنحه الأكثر، وإذا لم يرغب فلنتوقف ونتركه ولا نجبره على الاستماع، ولنعاود الحديث لاحقاً مع إنهاء الكلام بابتسامة وليس بتجديد الحزن للمتكلم.
وليقل له: من يمت والله عز وجل راضٍ عنه فهو سعيد ولا يرغب بالعودة للحياة؛ لأنه في مكان أفضل ومطمئن على من يحبهم في الدنيا، ويثق أن الله تعالى يحفظهم وسيسعدهم، ولنفعل ذلك من أجله أيضاً ونحن مطمئنون عليه ونشتاق إليه فقط.
مهم ألا نتكلم عن الميت بحزن أمامه؛ حتى لا نكون كمن نقول شيئاً ونفعل عكسه؛ فهذا يؤذيه.
ومن الخطأ السماح للطفل بتوديع الميت، وأحياناً إجباره على تقبيله، وحضور العزاء، ويجب تركه عند من يحب صحبتهم عندئذ، والأسوأ مشاهدة نزول القبر؛ فعلينا أن نرفض ذلك، ونقول له: غالبية الكبار يتعبون من هذه اللحظات، وإذا تأثر نفسياً وأهمل مذاكرته، وساءت أموره؛ فيجب إخباره بأن الأفضل كان عدم حضوره كل ذلك وهو سيتجاوزه، ولا نتكلم عن المذاكرة فقد حتى لا يقول لنفسه: الكلام من أجل المذاكرة فقط؛ فنُضيع شعوره بالحب والاهتمام؛ نضخم له الأمر، ولا يزيد الكلام عن دقائق قليلة، ولا نتوقع نتائج سريعة، فقد يستغرق أسابيع وسيتعافى بمشيئة الله.
ولشرح الدفن نقول: إذا وضعنا في علبة شيئاً غالياً؛ فالقيمة داخل العلبة وليس خارجها، والجسم هو العلبة والروح داخلها ستعيش بعد الموت النعيم في الجنة بفضل الله تعالى.
لا تخف
لننتبه؛ فالكلام الكثير يمنعه من التركيز والفهم، والأخطر شعوره بالإجبار والضغط عليه، والأسوأ أن يشعر أننا غير مقتنعين ونحاول إقناعه، وسيجعله يشعر بمصيبة أصابته، وكنفس بشرية -ولو دون قصد- سيبحث عن الاهتمام الزائد بالكلام مجدداً عن الموت.
يجب التنبه: هل يكرر السؤال عن الموت كثيراً أم لا؟ وماذا يفعل بعد الإجابة؟ هل يواصل حياته العادية أم يرتبك؟ وعندما يسأل هل يكون خائفاً أم فضولياً؟ هل يريد المبالغة للفوز باهتمام أكبر؟ وإذا سأل وهو يبكي فلا نبالغ بالاحتضان ولنجب بهدوء، ولنطمئن ما دام يواصل حياته بشكل طبيعي في الحضانة أو المدرسة والبيت.
وعلينا ألا ننفعل أو نخاف عندما يسأل كثيراً؛ حتى لا يخاف ويضطرب، ولاحظ؛ هل يسأل عندما تعاقبه ليتهرب من العقاب؟ عندئذ قل: ما العلاقة بين خطئك والموت؟ حتى لا يستغلك، ولا تعلمه التهرب من تحمل نتائج أخطائه ونعاقبه؛ فلا شيء يبرر الخطأ أو يجعله يفلت من العقاب.
أما إذا كان لا يستطيع النوم جيداً ويرى كوابيس أو اضطرب كثيراً؛ فأخبره أنك تعرف أنه يعاني ويعيش أياماً صعبة لكنها ستمر، ولا تقل: بسيطة أو لا تستحق، ثم قل: تذكر أن الشيطان عدوك وهو يضخم الأمر فاستعذ بالله، وإن لم تستطع النوم قم وافعل أي شيء يسعدك، وقل له: الشيطان يستغل ضعفك فاهزمه ولا تعطه الفرصة أبداً، واجعله يحكي عن مشاعره ولا تقاطعه مهما كانت غير منطقية، ولا تسخر منه أبداً، ولا تخبر إخوته بها، واربت عليه، وقم بطمأنته وبدّد مخاوفه.
ليست النهاية
إذا مرض الميت وعانى طويلاً قبل موته؛ فلنقل للطفل: نقدر حزنك، لكنه ارتاح وبدأ حياة جميلة بلا أي متاعب، وسيعوضه الله تعالى عن كل ما عانى فاطمئن.
وإذا كان الميت صغير السن فلنخبره أن الموت لا يفرّق بين صغير وكبير، وعلينا أن نعيش بلا خوف من الموت، فالله سبحانه أرحم الراحمين، ونحسن الطاعة لنفوز بحب الله لنا وبالسعادة في الدارين، ونطمئن فهو سبحانه يساعدنا على التعافي متى رغبنا بذلك، والموت ليس نهاية بل بداية أجمل؛ فالدنيا مثل عام دراسي به أنشطة ودروس ورحلات ثم اختبار ليتحدد النجاح أو الرسوب؛ فلنجتهد للفوز بالدارين معاً، فالنجاح الحقيقي يكون بهما سوياً.