«منصات التعلم الإلكتروني أو المنصات التعليمية» مصطلح جديد تردد داخل بيوتنا وفي الأوساط التعليمية، وعرف سبيله في البلدان العربية ليقدم مفهوماً جديداً عن العملية التعليمية يوافق روح العصر.
حيث انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل هائل بين سكان الكرة الأرضية، وأصبح العالم قرية صغيرة، فما يحدث في الشرق يلقي ظلاله القوية على الغرب، وأصبح العالم الافتراضي منافساً وبقوة للعالم الواقعي.
وبالتبعية دخلت الفصول الافتراضية لتنافس الفصول الدراسية، بل وتتفوق عليها في بعض الأحيان، حيث اعتمدت على توفير سبل التعلم عن بُعد لملايين الطلاب في كل العالم، واتسع مفهوم العملية التعليمية لتكون على مدار العام وفي كل الأوقات مع توفير المعلم المناسب الذي يوافق رغبات الطالب واحتياجاته.
وهذا ما أكدته شبكة «Globe News wire» في تقرير لها أشار إلى أنه من المتوقع أن تصل سوق التعلم الإلكتروني إلى 457.8 مليار دولار بحلول عام 2026.
ومن هنا احتدم الجدال حول دور المنصات التعليمية وتأثيرها الإيجابي والسلبي على العملية التعليمية بأكملها.
كورونا.. البداية الحقيقية
يعود استخدام التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية إلى عام 2000، ولكن عقب ظهور جائحة كورونا في مستهل عام 2020، وإعلان منظمة الصحة العالمية عن الكثير من الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الوباء ومنها البقاء في المنازل، والتباعد بين الأفراد والبعد عن الأماكن المغلقة، لجأت معظم المؤسسات التعليمية إلى التعليم الإلكتروني لضمان استمرار العملية التعليمية رغم إغلاق المدارس والجامعات.
وقد جعلت كورونا من المنصات التعليمية سوقاً رائجة للتعلم؛ لأنها حققت غاية التعليم مع اتباع كافة الإجراءات الاحترازية؛ لذا شهدت إقبالاً غير مسبوق من كافة فئات الطلاب في العالم.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، في مارس 2020، أن الإغلاق الهائل للمدارس قد أثر على 87% من طلاب العالم (أكثر من 1.5 مليار طالب في 165 دولة) وتسبب ذلك الوباء في إجبار الكثير من المعلمين على تدريس الفصول الدراسية عبر الإنترنت.
ومن هنا فقد لمع نجم المنصات التعليمية في سماء التعليم في كافة دول العالم، وكانت ملاذاً آمناً للطلاب لضمان سير العملية التعليمية دون أخطار عقب إغلاق المدارس والجامعات أبوابها تجنباً لتفشي الوباء.
إقبال كبير
تتيح المنصات التعليمية الفرصة أمام الطلاب للخروج من تكدس الفصول الدراسية إلى براح العالم الافتراضي بما فيه من تنوع واتساع، كما توفر سبل الأمان والراحة وكذلك الإبداع للطلاب، وتتيح فرص التعلم لمختلف الفئات والأعمار في كل الأوقات وكافة المجالات.
ولهذا، زاد الإقبال الطلابي على الالتحاق بتلك المنصات، وذلك وفق إحصائية لمؤسسة «Market Research» للأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية أكدت خلالها أن نسبة مستخدمي أدوات التعلم الإلكتروني بين طلاب المدارس والجامعات زادت بشكل كبير، حتى بلغ استخدام طلاب المدارس الابتدائية لأدوات التعلم الإلكتروني 45% من مجموع الطلاب، وطلاب المدارس المتوسطة 64%، وطلاب المدارس الثانوية 63%.
وهذه الإحصائيات تثبت الإقبال الكبير من الطلاب على كل سبل التعلم الإلكتروني لمواكبتها روح العصر، وارتباط الأجيال الجديدة بعالم التكنولوجيا بشكل أوسع من الأجيال السابقة.
دور إيجابي
قدمت المنصات التعليمية رؤية تعليمية متطورة حولت العملية التعليمية من كونها حبيسة الجدران وأوراق الكتب إلى التعلم النشط وتعدد طرق ووسائل عرض الأفكار والمناهج، واستطاعت أن تحفز الطلاب على طلب العلم من خلال ربطه بالأجهزة الإلكترونية الحديثة التي يتقن الطلاب استخدامها.
وهذا ما كشفته مؤسسة «SH!FT» من خلال دراسة توضح أن نسبة الاحتفاظ بالمعلومات بالنسبة للمتدربين وجهاً لوجه هي 8% إلى 10%، أما التعلم من خلال أساليب التعليم الإلكترونية فنسبته تتراوح بين 25% إلى 60% وهذا ما يجعل المنصات التعليمية تمثل المستقبل القادم للتعليم.
ويبدو الدور الإيجابي لتلك المنصات بداية من أزمة كورونا وحتى وقتنا الحالي، حيث استطاعت أن تكون بديلاً للمدارس والفصول الواقعية، وضمنت استمرار العملية التعليمية بكل كفاءة على مدار العام الدراسي، من حيث إن دول العالم أجمع أغلقت أبواب المدارس والجامعات ولجأت لتعميم فكرة التعلم عن بُعد لضمان استمرار العملية التعليمية دون خلل.
وكانت الدول العربية في القلب من ذلك حيث انتشرت منصات التعلم الإلكتروني، التي ساعدت بشكل كبير على تبادل الخبرات بين التربويين والمختصين بما يحقق مفهوم عولمة التعليم، كما عملت على تطوير كفاءة المعلمين والمتعلمين كذلك وتدريبهم على أساليب التعلم الحديثة.
وهذا ما أكده د. رضا مسعد، رئيس قطاع التعليم الأسبق بوزارة التربية والتعليم المصرية والخبير التعليمي، خلال لقاء صحفي، حيث أشار إلى أن للمنصات التعليمية للتعليم قبل الجامعي دوراً في إكساب الطلاب المهارات المعلوماتية اللازمة من أجل التعلم الذاتي، وتنمية التفكير الإبداعي وجعل المتعلم أكثر تحكماً في العملية التعليمية وإدارة الوقت، حيث يجب ألا يكون نظام التعليم مقتصراً على نمط التدريس التقليدي داخل قاعات الدراسة، بل لا بد من توظيف التطورات اللازمة لنجاح الأفراد في الحياة الاجتماعية في عصر ثورة المعارف.
معوقات
لا يمكن اعتبار الطريق ممهداً أمام منصات التعلم الإلكترونية على الإطلاق، فالمؤكد أن هناك أحجاراً تعوق وصولها للهدف المنشود خاصة في الدول التي توصف بأنها دول نامية وتعاني فقراً اقتصادياً، ومن تلك المعوقات:
– عدم توفر المعرفة التكنولوجية الكافية لكي تؤتي تلك المنصات ثمارها المرجوة.
– قناعات البعض بأنه لا غنى لهم عن التعليم التقليدي الذي يُقدم داخل الفصول الدراسية والقاعات.
– غياب التفاعل المباشر -وجهاً لوجه- بين الطالب والمعلم.
– ضعف شبكات الإنترنت في بعض الدول العربية وارتفاع تكلفة تلك المنصات ما يجعل بعض الطلاب يحجمون عنها.
– الفقر الاقتصادي الذي يعرقل توفير المستلزمات التقنية اللازمة لعمل تلك المنصات.
لكننا لو نظرنا في المطلق نجد تلك العقبات لا تقف كحجر عثرة أمام تقدم المنصات التعليمية، بل هي عقبات يمكن تخطيها مع زيادة الدعم المادي والتكنولوجي للعديد من الدول النامية.
مستقبل المنصات التعليمية
بحسب بحث قدمه المدرب المعتمد محمد جارالله أحمد الحبابي المتخصص في التعلم الإلكتروني، أوضح خلاله أن القيمة الإجمالية لسوق التعلم الإلكترونية ستصل إلى 50 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة، ومن المتوقع أن يبلغ معدل النمو السنوي 15% في الوقت الحاضر.
ويمكننا أن نتنبأ بمستقبل أفضل لمنصات التعليم عن بعد لعدة أسباب، منها:
أن المنصات التعليمية تمنح الطالب قدراً كبيراً من التحكم في العملية التعليمية، حيث إنه يختار المنصة الأفضل -بحسب رؤيته- ويختار من يُدرس له، كما يختار الوقت المناسب والكيفية المناسبة لإتمام العملية التعليمية.
ومن الناحية الاقتصادية، نجد أن تكلفة تلك المنصات تتركز على الأصول الثابتة فقط والمتمثّلة في البنية التحتيّة والأجهزة والمستلزمات التعليمية وتصميم البرامج والمقرّرات، ولكنها تحقق وفراً كبيراً في النفقات الأخرى، ومنها تكلفة المباني والفصول والأثاث، وكذلك مستلزمات العملية التعليمية من أوراق وكتب وأقلام والوسائل التعليمية وغيرها.
أضف لذلك توفير تكاليف انتقال الطلاب والمعلمين ورواتب الإداريين والعمال، وبذلك تحقق وفراً اقتصادياً يكسبها ميزة مهمة تضاف لما سبق.
ولا يفوتنا أن نوضح ما ضمنته تلك المنصات من وصول التعليم للكافة على اختلاف الأعمار والفئات واللغات، وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تمنعهم الظروف الصحية من استكمال التعليم، كما ضمنت السلامة الصحية للطلاب والمعلمين وعدم انتشار الأوبئة والأمراض بينهم.
ولذلك، نرى أن المنصات التعليمية اقتحمت سوق التعلم بقوة وتركت بصمتها عليه، ورغم العقبات التي تعترضها، فإن المستقبل سيكون لمن يحمل فكرة التجديد والتطور الدائم، من حيث إن العالم على اتساعه أصبح قرية صغيرة مع انتشار وسائل التواصل الإلكترونية، وهذا ما يبشر بأن المستقبل سيحمل في جعبته الخير لكل ما هو تكنولوجي وتقني.
__________________
(*) كاتبة وأديبة مصرية.