احذر العلاَّمة الشيخ د. يوسف القرضاوي الأمة من أخطار ما تسمى بأندية “الروتاري” و”الليونز” التي انتشرت أنشطتها مؤخراً في المجتمع المصري تحت دعوى تقديم خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية، مؤكداً أن هذه الجماعات “ماسونية جديدة” تقف من ورائها الصهيونية العالمية ذات الأذرع والأوجه المختلفة.
وتطرق رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى جماعات “التنصير” التي تغلغلت هي الأخرى في مجتمعات المغرب العربي، محذراً من أن هذه الجماعات باتت خطراً يهدد المجتمعات العربية والإسلامية.
وأشار د. القرضاوي، في حواره مع “المجتمع”، إلى أن ما تسمى بـ “معاهدة السلام” التي وقعها الاحتلال الصهيوني مع النظام المصري قيدت حركة مصر، وحدت من دورها المعهود على مر التاريخ في نصرة أهل فلسطين، وإلى مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
انتشرت في الآونة الأخيرة بمصر ما تسمى بأندية “الروتاري” و”الليونز”، وراحت تنشط بين أبناء الوطن مقدمة خدماتها الاجتماعية والتعليمية والصحية خاصة للطبقات الفقيرة، فما حقيقة هذه الجماعات، خاصة أن البعض يعدها “ماسونية جديدة” تتخفى وراء العمل التطوعي؟
– ما تسمى بأندية “الروتاري” و”الليونز” هذه أنشطة صهيونية ذات أذرع متعددة وأوجه مختلفة، وهي تستتر وتتخفى وراء مسميات جديدة، وتتسلل خفية نحو المجتمعات تحت دعاوى تقديم خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية في مناطق الاحتياج الفعلية من طبقات المجتمع الفقيرة، مستعينة ببعض رموز المجتمع من ذوي المكانة، ومستقطبة إليها مسؤولين أولي نفوذ تحتمي بهم وتعمل في حمايتهم.
هذه الجماعات على اختلاف مسمياتها، كلها لها أهداف واحدة خبيثة ومريبة تسعى إلى تقويض المجتمع من الداخل، وكشف أدق أسراره ليكون مستباحاً في أخطر أموره، وسهل المنال دونما الحاجة إلى معارك أو حروب، إنها “ماسونية جديدة” تتلون حسب معطيات العصر الذي تعمل فيه، وإن كانت أهدافها واحدة قديماً وحديثاً.
من هنا، يجب على الأمة التنبه لهذه الأخطار، وأخذ الحيطة والحذر من تسلل هذه الجماعات إلى جسد المجتمع، فهي سريعة الانتشار كالخلية السرطانية التي تصيب جسد الإنسان، فتبدأ في عضو منه، ثم سرعان ما تنتشر إلى بقية الجسد إذا لم يعالج الأمر في بداياته الأولى.
إن هؤلاء الذين وقعوا في شراك هذه المنظمات المشبوهة، التي تستعملهم الجماعات الصهيونية العالمية ضد وطنهم، وهؤلاء اقترفوا جرماً في حق عروبتهم وإسلامهم، لو افترضنا أنهم لا يعلمون وغُرر بهم، أما إذا كانوا يعلمون فتلك جريمة لا تغتفر.
خلال العام الجاري، مرت ثلاثة عقود على ما تسمى “معاهدة السلام” التي وقعت بين الكيان الصهيوني ومصر عام 1979م، هل لنا أن نتعرف على رأيكم في هذه المعاهدة، وما الذي أضافته إلى مصر بشكل عام وقضية فلسطين بشكل خاص؟
– لقد قلت من قبل في كلمة لي ألقيتها أمام اتحاد الأطباء العرب في مؤتمر جماهيري نظمته لجنة القدس بها مؤخراً، قلت: إن الخطوة التي أقدمت عليها مصر يوم وقعت “معاهدة سلام” مع اليهود عام 1979م، هذه المعاهد حولت مصر من مدافع عن القضية الفلسطينية إلى وسيط بين الصهاينة والعرب، كما أنها قيدت من حركة مصر وحدت من دورها المعهود في قضية القدس الشريف، ونصرة أهل فلسطين المجاهدين المرابطين أمام اعتداءات العدو الصهيوني المستمرة.
وقد فتحت هذه المعاهدة الباب لاتفاقيات أخرى غير مجدية، مثل “مدريد”، و”أوسلو”، وهذه الأخيرة علقت أهم القضايا في المفاوضات مع العدو، مثل: القدس، وملف اللاجئين، وموضوع المياه.
إن المتابع لقضية فلسطين يجد أن الحديث بعد نكبة عام 1948م كان يشدد على ضرورة تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة بكاملها، لكن عقب هزيمة يونيو 1967م تراجع الحديث عن تحرير الأرض المحتلة والقبول بحدود ما قبل عدوان 1967م، ثم جاءت معاهدة السلام وتبعتها اتفاقية “أوسلو” وأصبح الحديث اليوم عن قبول حل إقامة دولتين؛ “إسرائيل” وهي موجودة بالفعل، وأخرى فلسطينية لا نعلم متى تولد، وفي كل مرحلة يتراجع العرب عن مطالبهم السابقة ويقبلون بأقل منها لاحقاً!
لقد رأينا الأخطار تتزايد يوماً بعد يوم، خاصة أن محاولات الاحتلال الصهيوني لتهويد مدينة القدس لا تتوقف، فدعا علماء المسلمين إلى إنشاء “مؤسسة القدس الدولية” في عام 2002م، كي تعمل على تثبيت المجاهدين أمام آلة العدو العسكرية الباطشة، وحماية لمقدسات المدينة من بنيان وعمران إسلامي، وفي المقدمة المسجد الأقصى المبارك، فعندما تسلم المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح مدينة القدس من قساوستها كان من بين شروطهم ألا يساكنهم فيها يهود، وقد كان، حتى بدأ اليهود يتسللون إليها فيما بعد.
إن مساعدة أهلنا في فلسطين واجب إسلامي على كل مسلم، فهم لا يستطيعون وحدهم مقاومة هؤلاء المغتصبين لحقوقهم، المحتلين لأراضيهم، فالمستوطنات الصهيونية تقام كل يوم على الأرض المقدسة في القدس الشريف، والحفريات مستمرة ليل نهار تحت المسجد الأقصى، هذا غير عزل 250 ألف فلسطيني جراء ما يسمى بالجدار العنصري.
وماذا عن جماعات “التنصير” التي انتشرت في بعض أقطارنا العربية، خاصة دول المغرب العربي، فضلاً عن تزايد وجودها بين التجمعات السكانية الإسلامية في أفريقيا وآسيا، إلى ماذا تهدف هذه الجماعات؟ ومن يقف وراء نشاطها؟ وما مدى خطورته على المجتمعات الإسلامية؟
– لقد انتشرت جماعات “التنصير” في بعض دولنا العربية مؤخراً، وفي التجمعات الإسلامية بالدول الأفريقية والآسيوية، ولقد كشفت هذه الجماعات عن أنشطتها المشبوهة بشكل كبير في دول المغرب العربي، وراحت تتسلل الواحدة تلو الأخرى تحت مسميات شتى، كجمعيات النفع العام، أو ما تسمى بجمعيات المجتمع المدني، وراحت تعمل بحرية في المجتمعات الإسلامية والعربية مستقلة أو مشاركة مع أنشطة جمعيات وطنية، وتحت ستار تقديم خدمات في مجالات مختلفة بين الطبقات ذات الاحتياج الضروري من فقراء وأصحاب عوز.
راحت هذه الجماعات تقدم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية ظاهرياً، أما في حقيقة الأمر فهي تقوم بـ “التبشير” للديانة النصرانية، وجذب المسلم إليها، ومن ثم فتنته بشكل غير مباشر في دينه الذي اعتنقه منذ مولده، والغريب في الأمر أن أعضاء هذه الجماعات –التي تمول أنشطتها مراكز وجمعيات مسيحية (نصرانية) توجد مقارها في أوروبا– يعملون على استهداف الصغار قبل الكبار والشباب قبل الشيوخ، وهدفهم من ذلك النيل من العنصر الحيوي والفاعل في الأمة، الذي يسهل وقوعه في براثنها جراء حاجته لمتطلبات حياتية ومعيشية.
إن هذه الجمعيات تأتي في ثوب ملائكي، وتمد يد العون والخدمات، ولكنها في حقيقة الأمر شياطين تدس السم في العسل، وتعمل على إيقاع الفتن بين أبناء الوطن الواحد من خلال الإيقاع بأفراد مسلمين بالحيلة والمكيدة لاعتناق الديانة النصرانية، مرتدين عن إسلامهم، مستغلة الظروف الاجتماعية والمعيشية التي يعاني منها بعض فقراء المسلمين –فضلاً عن ضعف وعيهم الإسلامي، ونقص مناعتهم الدينية– للتغرير بهم، وإيقاعهم في شباكها!
________________________________
العدد (1878)، ص16-17 – 4 ذو الحجة 1430ه – 21/11/2009م