ديوان «كشف الغمة في مدح سيّد الأمة» لمحمود سامي البارودي من قصيدة واحدة طويلة، وهي قصيدة من القصائد النبويات الجميلة التي ضمنّها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده الكريم إلى يوم انتقاله إلى جوار ربه، وقد استهلها بقوله:
يا رَائِدَ البَرقِ يَمّمِ دارَةَ العَلَمِ ** وَاحدُ الغَمامَ إِلى حَيٍّ بِذِي سَلَمِ
ومن أكثر الصحابة ذكراً وتبجيلاً في هذه القصيدة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ذكره في مواضع عديدة مادحاً له، منها:
قال في أول من آمن به:
فَكانَ أَوَّلُ مَن في الدِّين تابَعَهُ ** خَدِيجَةٌ وَعَلِيٌّ ثابِتُ القَدَمِ
وقال في شأن الهجرة:
نادى عَلِيّاً فَأَوصاهُ وَقالَ لَهُ ** لا تَخشَ وَالبَس رِدائي آمِناً وَنَمِ
وقال في المؤاخاة بعد الهجرة:
حِينَ آخى رَسُولُ اللَّهِ بَينَهُمُ ** آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَونُ في القُحَمِ
هُوَ الَّذي هَزَمَ اللَّهُ الطُغاةَ بِهِ ** في كُلِّ مُعتَرَكٍ بِالبِيضِ مُحتَدِمِ
فَاِستَحكَم الدِّينُ وَاِشتَدَّت دَعائِمُهُ ** حَتّى غَدا واضِحَ العِرنينِ ذا شَمَمِ.
وقال عنه في غزوة «بدر»:
وَيَمَّمَ المُصطَفى بَدراً فَلاحَ لَهُ ** بَدرٌ مِنَ النَّصرِ جَلَّى ظُلمَةَ الوَخَمِ
يَومٌ تَبَسَّمَ فيهِ الدِّينُ وَاِنهَمَلَت ** عَلَى الضَّلالِ عُيونُ الشِّركِ بِالسَّجَمِ
أَبلَى عَلِيٌّ بِهِ خَيرَ البَلاءِ بِما ** حَباهُ ذُو العَرشِ مِن بَأسٍ وَمِن هِمَمِ
وقال عنه في غزوة «أحد»:
ثُمَّ اِستَدارَت رَحا الهَيجاءِ في أُحُدٍ ** بِكُلِّ مُفتَرِسٍ لِلقِرنِ مُلتَهِمِ
يَومٌ تَبَيَّنَ فيهِ الجِدُّ وَاِتَّضَحَت ** جَلِيَّةُ الأَمرِ بَعدَ الجَهدِ وَالسَّأَمِ
قَد كانَ خُبراً وَتَمحيصاً وَمَغفِرَةً ** لِلمُؤمِنينَ وَهَل بُرءٌ بِلا سَقَمِ
مَضى عَلِيٌّ بِهِ قُدماً فَزَلزَلَهُم ** بِحَملَةٍ أَورَدَتهُم مَورِدَ الشَّجَمِ
وقال عنه في غزوة «خيبر»:
قالَ النَّبِيُّ سَأُعطِي رايَتِي رَجُلاً ** يُحِبُّنِي وَيُحِبُّ اللَّهَ ذا الكَرَمِ
ذا مرَّةٍ يَفتَحُ اللَّهُ الحُصونَ عَلَى ** يَدَيهِ لَيسَ بِفَرّارٍ وَلا بَرِمِ
فَما بَدا الفَجرُ إِلّا وَالزَّعيمُ عَلى ** جَيشِ القِتالِ عَلِيٌّ رافِعُ العَلَمِ
وَكانَ ذا رَمَدٍ فَاِرتَدَّ ذا بَصَرٍ ** بِنَفثَةٍ أَبرَأَت عَينَيهِ مِن وَرَمِ
فَسارَ مُعتَزِماً حَتّى أَنافَ عَلى ** حُصُونِ خَيبَرَ بِالمَسلُولَةِ الخُذُمِ
يَمضِي بِمُنصُلِهِ قُدماً فَيَلحَمُهُ ** مَجرى الوَريدِ مِنَ الأَعناقِ وَاللِّمَمِ
حَتّى إِذا طاحَ مِنهُ التُّرسُ تاحَ لَهُ ** بابٌ فَكانَ لَهُ تُرساً إِلى العَتَمِ
بابٌ أَبَت قَلبَهُ جَهداً ثَمانِيَةٌ ** مِنَ الصَّحابَةِ أَهلِ الجِدِّ وَالعَزَمِ
فَلَم يَزَل صائِلاً في الحَربِ مُقتَحِماً ** غَيابَةَ النَّقعِ مِثلَ الحَيدَرِ القَرِمِ
حَتّى تَبَلَّجَ فَجرُ النَّصرِ وَاِنتَشَرَت ** بِهِ البَشائِرُ بَينَ السَّهلِ وَالعَلَمِ