رجب الدمنهوري
يعالج د. يوسف القرضاوي هذه المسألة في مؤلفه “فقه الأولويات”، موضحاً أن أكثر الذين يزحمون موسم الحج كل عام من الذين أسقطت عنهم الفريضة وحجوا من قبل، والذين لم يحجوا قبل ذلك لا يكون من مجموع الحجيج أكثر من 15%، فإذا كان الحجاج نحو مليونين، فإن الذين يحجون منهم عادة لأول مرة لا يزيدون غالباً على ثلاثمائة ألف، فليت الذين يتطوعون بالعمرة طوال العام وخصوصاً في شهر رمضان يتنازلون عن حججهم وعمراتهم ويبذلون نفقاتهم في سبيل الله، أي في إنقاذ إخوانهم المسلمين والمسلمات الذين يتعرضون للهلاك المادي والمعنوي وللعدوان الغاشم الذي يستبيح حرماتهم.
ولقد عرفت بعض المتدينين الطيبين في قطر-والكلام للدكتور القرضاوي- وفي غيرها من بلاد الخليج ومصر، يحرصون غاية الحرص على أداء شعيرة الحج كل عام، وأعرف بعضهم يحج سنوياً منذ أربعين سنة، وقد ذكرت لهم في سنة ما وكنت حاضراً لتوي من إندونيسيا وشاهدت ما يصنعه التنصير هناك من أعمال هائلة وحاجة المسلمين الماسة إلى مؤسسات مقابلة تعليمية وطبية واجتماعية، وقلت لهؤلاء الإخوة: ما رأيكم لو نويتم هذا العام ترك الحج والتبرع بنفقاته لمقاومة التنصير؟
ولكن الإخوة قالوا: إننا كلما حان ذو الحجة أحسسنا برغبة لا نستطيع مقاومتها للحج والمناسك، ونحس بأرواحنا تحلق هناك ونشعر بسعادة غامرة، وهذا ما قاله من قال لبشر الحافي من قديم، ولو صح الفهم وصدق الإيمان وعرف المسلم معنى فقه الأولويات لكان عليه أن يشرع بنفقات الحج مشروعاً إسلامياً يكفل الأيتام، أو يطعم الجائعين، أو يؤوي المشردين، أو يعالج المرضى، أو يعلّم الجاهلين، أو يوفر فرصة عمل للعاطلين.
________________________
العدد (1341)، 21 من ذي القعدة 1419هـ/ 9 مارس 1999م، ص58-59.