هو الإمام مُحيي الدّين يحيى بن شرف بن مري الحزامي النوويّ الدمشقيّ، ويُكنّى بأبي زكريا، الشافعي شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه، وُلد عام 631هـ.
وقد ولد في نوى، وهي قرية من قرى حوران بالشام، قدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، وقد حفظ القرآن، فشرع في قراءة كتاب التنبيه، فيقال: إنه قرأه في أربعة أشهر ونصف شهر، وقرأ ربع العبادات من المذهب في بقية السنة، ثم لزم المشايخ تصحيحاً وشرحاً، فكان يقرأ في كل يوم 12 درساً على المشايخ.
ثم اعتنى بالتصنيف، فجمع شيئاً كثيراً، منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله، فما كمل شرح مسلم والروضة والمنهاج ورياض الصالحين والأذكار والتبيان وتحرير التنبيه وتصحيحه، وتهذيب الأسماء واللغات وغير ذلك، ومما لم يتممه، ولو كمل لم يكن له نظير في بابه، شرح المهذب الذي سماه المجموع، وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرر الحديث على ما ينبغي والغريب واللغة وأشياء مهمة لا توجد إلا فيه.
وقد كان رحمه الله على جانب من الزهادة والعبادة والورع والتحري، وكان لا يضيع شيئاً من أوقاته، وحج في مدة إقامته بدمشق، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
توفي في ليلة 24 رجب 675هـ.
وللإمام مؤلفات كثيرة، مع أنه عاش نحو 46 سنة فقط، فقد ترك من المؤلفات ما لو قُسم على سنين حياته لكان نصيب كل يوم كراستين، ولقد حُكي عنه أنه كان يكتب حتى تكل يده فتعجزه، فيضع القلم ثم ينشد:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابة على غير سُعدى فهو دمع مُضيّع
وقد ألف رحمه الله في علوم شتى؛ كالفقه والحديث وشرح الحديث والمصطلح واللغة والتراجم والتوحيد وغير ذلك، وتتميز مؤلفاته بالوضوح وصحة التعبير وانسيابه بسهولة وعدم تكلف، يقول الذهبي: «إن عبارته أبسط من كلامه»، وأسلوبه أسلوب عصره مع عذوبة في الألفاظ، حتى إن ابن مالك النحوي الشهير اشتهى أن يحفظ المنهاج إعجاباً بما يكتب ويؤلف.
ومؤلفات النووي ثلاثة أقسام: قسم أنجزه وأتمه، وقسم أدركته الوفاة قبل أن يتمه، وقسم غسل أوراقه؛ أي محاها، وكانوا يغسلونها لأمر ما ولا يتلفونها لحاجتهم إلى ورقها.
_________________________
راجع ما ذكره الحافظ ابن كثير في ترجمته له في كتاب «البداية والنهاية»، ج13، ص278 وما بعدها.